مقاربات مع التيار الانفصالي (أنموذج مسدوس)
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 6 أيام
الثلاثاء 19 فبراير-شباط 2008 09:28 ص

مأرب برس – خاص

إلى قبل أيام كان الشارع العربي المثقف تتقاسمه ثلاث اتجاهات .

الإسلاميون وغايتهم الوحدة الإسلامية ، والقوميون وديدنهم امة واحدة ذات رسالة خالدة ، والاشتراكيون والوحدة عندهم اعم واشمل فجامعها إنساني وهي في النهاية استجابة لمنهجية الديالكتيك وصراع الأضداد كحتمي لا مناص منه على عنوان ياعمال العالم اتحدوا .

القطري في هذه الساحة المنكفئ على مربعه الضيق والذي يجعل من هتاف الوطنية مسرحه ورواحه من الصعوبة بمكان أن يجد له متسع ، وحاله متواري يناجي نفسه خلسة ، مدفوع على الأبواب يحقره الجميع .

إلى أن جيء لنا بهذا اليوم الخيبة الذي أصبح منتهى الحر فيه هو أن يبقى بسلام وأمان على حدود دائرته الوطنية ، والرعب يقض مضجعه ويسكنه بما يشبه الهوس وهو يرى العراق قد أصبح عراقات أو عراريق ، والضفة في مواجهة غزة ، والسودان في الطريق إلى القسمة على أربعة ، والطريق إلى قدام ..

الدكتور محمد حيدره مسدوس واحد من المخضرمين القلائل على دربه ، بني على الأممية منذ نعومة أظافره ، وشب واكتمل على لبان ماركس والتجربة الاشتراكية بأنماطها حتى غلبته طباع لينين على طباع بيئته هو .

تغنى بالأنشودة الأممية بملئه على الوطني الذي لم يكن عنده سوى مدرجة فقط إلى تلك الواحة الخلابة في ظل حتمية غلابة تمكن لعالم عمالي أممي أوسع تسوده قيمه يقوم على أنقاض القومي والقطري تصهر في بوتقته حدود الجغرافيا وعوائق التميز بين البشر.

اليوم ومع كل هذه المتغيرات والتحديات بالجملة والتي الواجب أن يستدعي مسدوس شيئا من ميراثه لمواجهة ما هي اشد من رأسمالية الأمس والتي لم تبق على حاجز أو دائرة ، يطلع علينا المخضرم وهو ينقلب على أم رأسه وعلى تلك الفضاءات ، وعلى منطلقات حزبه الرائد وهو يقفز ساحبا معه حدته تلك إلى دائرة أضيق بكثير ، إن تمدد فيها بدت منها قدماه.

مواقفه الأخيرة والمعلنة كثيرة بشان انكفائه على المناطقية ، اكتفي هنا بمناقشة واحدة من تجليات منظومته القيمية ذات الصرخة الآن ..

قراناها في صحيفة المصدر وأعيدت على عدد من المواقع الالكترونية في سياق كأنه منهجي تنظيري- على عادته – مبوب يشبه الرسم لإستراتيجية تضع المعالم وتشير إلى كيف تتجه في البرامج والتفاصيل المختلفة حول شعار جامع وواضح ومحدد وقابل للقياس (الجنوبية ليس غير ).

وفي المقابل وبروح تحمل له التقدير الوافر وتنضبط بمنهجية الحوار سنمضي معه بنفس آليته في الطرح بقصد المقاربة والالتقاء على الجامع المشترك على حقيقة وليست فرضية سنردها عليه أن اليمن الموحد فريضة وضرورة بفعل الدين والجغرافيا والثقافة والتاريخ وتراكم الخبرات التاريخية والنضالية وعلى ذلك فهي المتغير الثابت والمستقل ، وان الأشخاص مهما كانت أوزانهم أو ضجيجهم ليسوا أكثر من متغير عابر ، وتفصيل ما يجمعنا ونختلف عليه في النقاط التالية :-

1-نؤيد –كما سبق ولازلنا – باللسان والحال مطالب الإخوة المتقاعدين ، ومطالب اجتماعية وسياسية أخرى في هذه المحافظات ، هي محل حق وواجب نصرة ، وقد هرع في تبنيها ومؤازرتها بن صنعاء قبل بن عدن .

وكم كانت تلك الفعاليات في المحافظات الجنوبية رائعة ومحل دهشة وتقدير وهي تتجه لمقارعة الفساد وسوء السلطة والإدارة ، حتى استبق الباب مغاير بأجندة بعيدة ومختلفة وركب الموجه فافقدها بريقها والتأييد العام .

2-إن القضية اليوم شاملة ومكتملة ولا تحتبس على حيز جغرافي ، فان علا صوتها أكثر في المحافظات الجنوبية فلظروف وأسباب الكل يعلمها ،لكنها من حيث الوطأة قد تكون على غيرها أشد ، ويبقى الفساد واللا رؤية هو المحل الأول بل أمها وأبيها ، وأن قضية تجييرها وسحبها على الوحدة لا تختلف تماما في القيمة والقياس مع قضية عند أخرق ديدنه فيها أن الإسلام هو السبب في تخلف العرب والمسلمين .

3-أن الوحدة اليمنية لم تقم على مركب متباين في النسيج ، أو تغاير في الدين والقوم ، الشيء الوحيد إن كان فهو الاختلاف على نطق حرفي القاف والجيم عند ابني صنعاء وحضرموت ، وحتى هذه فقد سار عليها القوم وأضحت كأنها بالجبلة .

4-أن الوحدة اليمنية لم تقم على الفعل الرسمي ومتغير الأشخاص ، ولن تقف اليوم على ذلك أو تعتمد في أية لحظة قادمة ، إنما هي إرادة شعب وخيار امة ، وعبادة قلب وسلوك ، أوجبها من فرض الصلاة سواء بسواء .

هذا النوع من العبادة والذي غيبته لحين عن الوعي والذاكرة معادلات الفكر والسياسة هي الشاغل اليوم ، والسبب الرئيس وراء العنفوان الذي يتقد به الشارعين العربي والإسلامي .

فانه من يتوحد بقلبه وروحه مع قضايا ككشمير ، والبوسنة والهرسك ، وأفغانستان ، والشيشان ، والصومال ويحمحم كمن تنتزع روحه بشأن فلسطين والعراق وكل الشتات الإسلامي ، أتراه يخور ويسقط عند الاقتراب من بيضته وأم رأسه .

هذه النقطة الهامة والمحورية هي التي غفل عنها بجهل أو تغابي دعاة الخيار الانفصالي ، رغم أنها عبارة واضحة وقد استبانها بجلاء البعبع الخارجي واصطكت لها أسنانه ..

ويستحيل على هذا العلج أن يعاودها من بعدما رأى أقتابه تتدلى منه في بعض حماقاته ، فضلا عن أن ميراثا من الحقد والكراهية سيجتره إلى عقود يكون على حساب مصالحه وعلاقاته ، والواضح عند ذي الاستشراف أن برجماتيته هي التي ستحكم مساره في المرحلة القادمة .

5- أن القضية الوطنية الجامعة والعملية السياسية السبيل بحاجة إلى توحيد الطاقات والجهود وتركيم الخبرات والجهود في السياق الذي يفتح الآفاق ويدفع إلى تصويب البوصلة ، لكن حالة النشاز تلك بطفح المشاعر ومحاولة السباحة ضد التيار لن تعود إلا بالاستنزاف والتبديد لجهود التغيير..

Alhager2007@yahoo .