الطريق إلى السبعين يمر عبر مؤسسة الجيش 1-2
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 19 يوماً
الأربعاء 06 فبراير-شباط 2008 10:07 م

يحرم الدستور اليمني ويجرم الانتماء الحزبي لمنتسبي الجيش والامن من الناحية النظرية والنصية فقط ،ويتجاوز عن ذلك على صعيد الممارسة الفعلية ،لنجد أن غالبية القيادات العسكرية والامنية العليا إن لم تكن جميعها من حاملي عضوية الحزب الحاكم ،بدءا من القائد الاعلى للقوات المسلحة ، ووزير الدفاع ، ورئيس هيئة الاركان ،وقادة الالوية والمحاور العسكرية ،ووزير الداخلية ووكلائه ،وقيادات الوحدات الامنية التابعة لوزارة الداخلية.

كما أن نائب الرئيس فريق عسكري وهو نائب رئيس الحزب الحاكم ،ولا يختلف الامر كذلك عندما يتعلق بنائب رئيس مجلس النواب والامين العام المساعد بالحزب الحاكم اللواء يحيى الراعي ، والعميد صادق أمين أبو رأس الامين العام المساعد ومحافظ تعز ، كما أن جميع محافظي المحافظات اليمنية بإستثناء القاضي الحجري هم من القيادات العسكرية والامنية, ومناطة بهم مهام تنظيمية تتعلق بالاداء الحزبي والعمل على إغلاق محافاظاتهم إنتخابيا بالتعاون مع قادة الالوية والمحاور العسكرية كما حدث في الانتخابات الرئاسية والمحلية التي جرت العام الماضي.

بل إن الدائرة المغلقة حول رئيس الجمهورية لا تكاد تخلو من عسكري منتم للحزب الحاكم من على الانسي مرورا بعبده بورجي والعميد علي الشاطر وصولا الى قيادات اجهزه الامن السياسي والقومي والامن العام.

وإذا اتجهنا إلى صفوف المعارضة سنجد بالتأكيد عشرات العقداء والعمداء يتبؤون مناصب حزبية رفيعة فقيادات حزبية رفيعة في تجمع الاصلاح تنتمي لمؤسستي الجيش والامن،كما ورث الحزب الاشتراكي عشرات القيادات العسكرية والتي اقصيت بعد حرب صيف 1994م ، وبالتالي يصبح الحديث عن تحريم الحزبية في المؤسسة العسكرية نوعا من الاستهلاك الاعلامي ،ويندرج تحت بند اقصاء الآخر عن التواجد في هذا المربع .

الحديث عن الجيش يعني الحديث الايجابي عن الانتصار للوطن والثورة وأهدافها ومراحلها النظالية المختلفة ،فالجيش الذس ساهم في الانتصار للثورة اليمنية شمالا ظل لفترات طويلة محكوما ،بنزاعات السياسيين ورجالات القبائل ، وعلى الرغم من وجود عدد كبير من قياداته في مناصب عليا خلال الجمهوريتين الاولى والثانية ، الا انه لم يكن صاحب التأثير الابرز على الساحة ،بسبب سطوة القبيلة وسيطرة رجالاتها ومشايخها على مفاصل الدولة ،وكان مفهوم الولاء للدولة الحديثة في أقل مستوياته ،وكان الاستقواء بعوامل اخرى مؤثرا ، وغالبا ما كان يتم فرز الوحدات والالوية العسكرية على اسس جهويه الى حد ما .

ومع تسلم الرئيس الحمدي للرئاسة بتفويض من المشايخ القبليين ،الذين إختلفوا مع صيغة الحكم المدني برئاسة القاضي الارياني رحمه الله ، إنتقل الحكم الى العسكر مرتديا اثوابا لم يألفها المجتمع ،وتصادم خلال فترة قصيرة مع حلفاءه من مشايخ القبائل الذين كانوا يعتقدون أن الرئيس الحمدي سيكون من السهل التلاعب به ومن ثم الاطاحة به ، نظرا لكونه من الطبقة الاجتماعية التي كان ينتمي إليها سلفه الارياني (قاضي) ، ولم يكن من فئة المشايخ ولم تكن له فئة تنصره من تجمع بكيل أو حاشد، ويبدو أن الحمدي رحمه الله كان يدرك جيدا خطورة تلك النقطة ،فتعامل معها بحرص شديد عندما عمد الى تقوية مركزه في قيادة الجيش عبر إزاحة العميد مجاهد ابو شوارب من منصبه كنائب للقائد الاعلى للقوات المسلحة ،وعين بدلا عنه المقدم أحمد الغشمي ، وهو من لا ينتمي لطبقة المشايخ ، كما أزاح كلا من على ومحمد ودرهم أبو لحوم من مناصبهم العسكرية وعين عدد من أنصاره في أماكنهم منهم الرئيس علي عبد الله صالح الذي ينتمي لاسرة فلاحية .

الامر الذي جعله يخوض صراعا مكشوفا مع الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر وكان سببا تدخل السفير السعودي في صنعاء حينها للوساطة بينهما عندما وصل الامر الى حد حشد أنصار الشيخ عبد الله الاحمر والمشايخ الاخرين الساخطين على تلك الترتيبات في الجيش، وتعد تلك الخطوة هي البداية الاولى للاستقواء بالجيش كمؤسسة في حسم الصراعات التي دارت في البلد ، وكشفت حادثة إغتيال الرئيس الحمدي ، أن المؤسسة العسكرية لم تتبلور بعد وانها ما زالت في طور لم يسمح لها بالدفاع عن قائدها العام أو معرفة دوافع عملية الاغتيال ،وبسلاسة عجيبة حل المقدم أحمد الغشمي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس المجلس الجمهوري ونائب القائد الاعلى للقوات المسلحة،في ظل توجس من المشايخ الذين صدمتهم النهاية المأساوية للرئيس ابراهيم الحمدي ، وحاول الغشمي تطمينهم من خلال إعلانه لاعادة الحياة لمجلس الشعب الذي كان الشيخ عبد الله بن حسين الاحمر يترأسه قبل أن يجمده الرئيس الحمدي.

ولم يعمر الغشمي كثيرا في الحكم وجرت حادثة إغتيالة المؤلمة بشنطة مفخخة ويبدو أن الغشمي لم يكن محبوبا بما فيه الكفاية من قبل قادة الجيش وللمرة الثانية لم يتحرك الجيش لمعرفة ما جرى بالضبط ،وكان الحكم على قاب قوسين أو أدني للعودة إلى أيدي المدنيين مرة أخرى لكن حسابات القاضي عبد الكريم العرشي رحمه الله كانت مختلفة وكان يؤثر السلامة بسبب الحادثتين اللتين اوديتا بحياة رئيسين في فترة قصيرة من الزمن ، وكان من الطبيعي أن يتولى الرئاسة رئيس هيئة الاركان المقدم الشيبة لكن كان هناك قادم جديد وطامح للرئاسة قدم نفسه بقوة ،واجاد التنسيق والتربيط فانتزع الرئاسة ، ومنذ اليوم الاول عرف القادم الجديد المقدم علي عبد الله صالح وكان في بدايات شبابه ، الخلل الموجود في المؤسسة العسكرية التي تعد الطريق الاسهل للطامحين لرئاسة الجمهورية ، ومنذ اللحظة الاولى بدأ في تحديد ملامح المؤسسة العسكرية التي لم تكن تملك الكثير وكان وضعها مزريا فقد خاضت حربين ضد الشطر الجنوبي من الوطن حينها ، ولم تستطع المقاومة أو الصمود ولعل الحرب التي دارت في بدايات فترة حكمة مع الجيش الجنوبي بالاضافة الى محاولة الانقلاب الناصرية الفاشلة التي قامت ضده ، قد كشفتا له الخلل الجلل،فعمد الى تصفية الخصوم والمشكوك في ولائاتهم له ،واسند العديد من المناصب العسكرية الحساسة لقيادات عسكرية من اقاربه وزملاء ايامه الاولى، واهتم كثيرا بعقد صفقات التسلح والانفتاح على المجتمع الخارجي ، ولم يهتم كثيرا بمصدر السلاح أو نوعه بل كان الاهم توفير أكبر كمية من السلاح ومن جهات مختلفة ، إعتمادا على المشاعر السلبية التي يكنها الجيران للنظام الذي كان قائما في عدن، ولا أدل على ذلك تسخيره أموالا سعودية وامريكية من أجل شراء سلاح سوفيتي.

ومن الخطوات العملية التي قام بها التوسع في إنشاء الكليات العسكرية والمعاهد التخصصية فانشأ كلية الطيران ، وكلية الدفاع ، وكلية القيادة والاركان ومعهد الاتصالات العسكرية ،وغيرها من الوسائل التي من شأنها رفد المؤسسة العسكرية بالعناصر المؤهلة التي يكون ولائها مضمونا له أولا ، وهذا ما نجح فيه كثيرا .

وخلال عهد الوحدة لم يفرط الرئيس صالح في رجالاته وقياداته العسكرية ، ورفض كل الدعوات لدمج الجيشين ربما لعدم جدية تلك الدعاوي ، ولان الشريك الاخر كان مترددا كذلك ، ولانه عسكري على عكس أمين عام الحزب لللاشتراكي علي سالم البيض فقد أجاد وبإتقان كبير في إختيار تموضع الالوية والوحدات العسكرية التابعة له خلال المرحلة الانتقالية امسك من خلال تلك التموضعات بمفاصل اليمن الموحد ،وزج بأقوى الالوية نحو المناطق الجنوبية ،بينما استطاع ،بينما استطاع ازاحة وحدات وألوية الحزب الاشتراكي نحو مناطق العمق في المناطق الشمالية ،وقريبا من مناطق القبائل مما أفسد فاعليتها عندما اقتضت الحاجة استخدامها ، وكانت بعيدة عن خطوط الاسناد والدعم ما جعلها لقمة سائغة وأنهى فعاليتها مع الطلقة الاولى لحرب الاخوة الاعدقاء.

وبعد حرب الخمسين يوما تغيرت الخارطة السياسية وطبعا كان هناك جيش مهزوم ولو لم يحارب كل افراده واصبحت الهزيمة سمة جغرافية ،وإن ساهم في صناعتها جنوبيون ، ولاول مرة في تاريخ اليمن المعاصر يتم إقصاء جيش بكامله وإحالته للتقاعد ، ومرت تلك الحادثة بهدوء عجيب ظاهريا وسخط كبير يتولد تحت السطح ،وانتشرت عبارات مثل حزب خليك في البيت الذي كان معظم افرادة إن لم يكونوا جميعهم من أعضاء الحزب الاشتراكي ،الذي كان يعاني مثله مثل المؤتمر الشعبي العام من مرض عدم القدرة على الفصل بين مفهوم الحزب ومفهوم الدولة ،عندما تحول الحزب لسرطان منتشر في مفاصل وثنايا الدولة .

ربما كان صبر أبناء المحافظات الجنوبية هو ما جعل الممارسات تزيد كما أن تخلي الحزب الاشتراكي ومعه حلفاءه السياسين عن الدعوة لمعالجة تبعات وأثار الحرب ،والانصراف نحو مفهوم غير واضح يتعلق بإصلاح مسار الوحدة، وذلك ما كان الطرف المنتصر يرفضة وللاسف فإن التجمع اليمني للاصلاح كان من أشد الرافضين لفكرة معالجة أثار حرب صيف 1994م ، نظرا لكونه شريك المؤتمر الشعبي العام في تلك الحرب ،واليوم يدرك الاصلاح جيدا أنه أكل يوم ساهم في القضاء الحزب الاشتراكي.

ومنذ فقد الرئيس صالح تحالفه مع التجمع اليمني كحزب ،ومع الشيخ عبد الله الاحمر كزعيم لقبيلة حاشد التي تحالفت مع الرئيس صالح منذ اليوم الاول لتولية سدة الحكم ، ومع بروز فكرة توريث ابنه احمد لرئاسة الجمهورية إتجه الرئيس صالح نحو الاهتمام ببناء نخبة عسكرية جديدة وزج بإبنه احمد نحو المؤسسة العسكرية وفجأة ظهر احمد علي قائدا عسكريا لمعسكر الحرس الجمهوري، وعضوا لمجلس النواب ،لكن ذلك الظهور سبب حرجا وربما رفضا من قبل عدد من القيادات العسكرية القديمة والمحسوبة على الرئيس صالح منذ بدايات حكمة وقيل أن اللواء محمد إسماعيل يتزعم تيار المعارضين ،وهناك حديث أن علاقة اللواء على محسن الاحمر ليست كما يرام مع العقيد أحمد علي وحصل شد وجذب بينهما أدى لاعتكاف الاول في المانيا خلال عام 2004م وتدخل الرئيس لصالح علي محسن وتم تهدئة الامور بينهما ، لكن هل عادت الامور لمجاريهما بينهما.

يرمي الرئيس صالح من خلال السعي الحثيث لبناء مؤسسة عسكرية حديثة يسيطر عليها أو يتواجد فيها مجموعة كبيرة من النخب العسكرية الشابة الممثلة لمربعات التحالفات القديمة الجديدة عبر الاهتمام بتوزيع تلك الوجوه الشابة على الوحدات العسكرية الاكثر تأثيرا ووضعها مؤقتا تحت إشراف القيادات العسكرية القديمة لاكتساب الخبرة ، بالاضافة الى اهتمام الرئيس صالح بإنشاء كلية عليا للحرب تسهم في إعداد قيادات مؤهلة تأهيلا علميا الى جانب التأهيل الميداني ، كما أن التنسيق القائم مع القوات الاميركية وربط ذلك التنسيق بالعقيد أحمد علي من أجل خلق علاقة دائمة وإزاحة اي لبس أو غموض قد يجعل الجانب الامريكي يعترض على تولي احمد الرئاسة خلفا لوالده ،وكما يقول والده فإن الطريق سيمر عبر الصندوق حتى لا يشكل تجاوز الصندوق إحراجا للاصدقاء الامريكان.

إن الامساك بمفاصل الجيش والامن هو ما سيضمن السيطرة على الكرسي وذلك الدرس الاول الذي تعلمه صالح منذ اليوم الاول لتوليه الحكم ، وهو الدرس الذي يحرص أن يتعلمه الولد أحمد.

وإذا تتبعنا خارطة التعيينات للابناء وعيال الاخوة وجيل الشباب الاقارب سندرك عمليا أن مفاصل البلاد تحت السيطرة ، ولن تكتمل السيطرة على المفاصل دون السيطرة على الثروة ، ومن هنا يبرز الشق الاكثر إثارة في مسلسل الصراع على النفوذ وإعادة ترتيب المنزل من الداخل ، ومن عجائب الامور أن جميع أبناء الرئيس وابناء إخوته عسكريون لكن ليس بالفطرة كما الجيل الاول الذي إلتحق بالجيش لعدم وجود وسيلة رزق إخرى ، لكن لان الجيش هو المفتاح الطبيعي للسيطرة في ظل غياب المؤسسات المدنية الرسمية والحزبية، لكن جيل الابناء بالتأكيد لن يكون مثل جيل الاباء.

الرئيس صالح يزور معسكرات الجيش أكثرمن زيارته للمؤسسات المدنية ويداوم في مكتبة بالعرضي أكثر من القصر الجمهوري ، وقبل أي رحلة خارجية له يتمم على المعسكرات ، ويعود غالبا للظهور من معسكر ، معظم رسائل الرئيس صالح لمعارضية السياسيين تخرج خلال خطاباتة امام جموع العسكريين ، وغالبا ما يحذر الرئيس صالح احزاب المعارضة والكتاب والصحافيين من التعرض للمؤسسة العسكرية ، ويرسل عبرها إشارات تحريضية .

تلك إشارات واضحة للدور المعول على المؤسسة العسكرية القيام به في الحياة السياسية اليمنية المعاصرة بإعتبارها أداه للحسم والقمع والسيطرة على مقاليد الامور في اليمن .

وغالبا ما يتم إستخدام العسكر في التكتيك الانتخابي ويعرف الجميع حكاية الزج بمعسكرات كاملة في دوائر إنتخابية يتوقع وجود مرشحين أقوياء في من المعارضة في تلك الدوائر ، ولعل ذلك كان من أبرز الاسباب اتي دعت المعارضة في أكثر من مناسبة سياسية لتحييد الجيش عن عملية الاقتراع الانتخابي.

وغالبا ما يتم الضغط على العسكريين من أجل التصويت لمرشحي الحزب الحاكم ،وقد تنجح تلك الاستراتيجية في بعض الحالات لكنها تخفق أيضا في بعض الحالات ،كما حدث خلال انتخابات البرلمان عام 2003م في أمانة العاصمة عندما صوت العسكريون لمرشحي المعارضة اليمنية.

وفي الوقت الذي تستخدم السلطة مصطلحات الانضباط العسكري والتقيد الصارم باللوائح العسكرية، تستخدم المعارضة اليمنية خطابا عاطفيا عند توجيهها الخطاب نحوه،مستغلة تدني اجورهم،بالاضافة لتعرضهم مثل غيرهم من المواطنين لمشاكل الغلاء والفساد وغيرها من المشاكل.

كما أن الوحدات العسكرية لاتتساوى في الحصول على المنح والمزايا وتتفاوت الاجور لمنتسبيها تبعا للوحدة العسكرية وأحيانا تبعاً للقائد العسكري المسئول عنها والجهة التي تتبعها ،حتى وإن كانت تؤدي نفس المهام ،وغير خفي وجود صراعات وحساسيات بين أفراد الوحدات العسكرية والامنية وتصل في بعض الاحيان للاشتباك بالسلاح.

alzorqa11@hotmail.com