اليمنيون وهوس الزواج في العيد
بقلم/ خالد الحمادي
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 28 يوماً
الأربعاء 19 ديسمبر-كانون الأول 2007 02:39 م

عيد الأضحي في اليمن بقدر ما هو المناسبة الكبري لزيارة الأهل والعودة إلي الريف لقضاء إجازة العيد، بحكم أن أغلب سكان المدن في اليمن ينتمون إلي الريف، بقدر ما يكون هذا العيد مناسبة أخري للأعراس وحفلات الزواج. في عيد الأضحي تشهد الأرياف اليمنية أكثر حالات الزواج، بسبب الحضور الكبير للعاملين في المدن إلي الريف، حيث يفضل المقدمون علي الزواج إقامة عرسهم خلال فترة العيد، لسهولة دعوة وحضور المدعوين لحفلة العرس. ومع سوء الأحوال الاقتصادية وتدهور أسعار العملة اليمنية وانخفاض الدخل لليمنيين، تراجعت حالات الزواج في الريف كما في المدن، لتفادي مضاعفة الأعباء وتفادي تحمل المسؤولية العائلية، ما هدّد الكثير من الفتيات الي منيات بالعنوسة، ودفع بالكثير منهن إلي القبول بأول عريس يطرق أبوابهن، حتي وإن كان غير مؤهل لتحمل المسؤولية، وغير متوافر الشروط لفارس الأحلام.

ويشهد الواقع اليمني تصاعدا مخيفا لحالات العنوسة بين الفتيات وبالذات في أوساط المتعلمات، علي الرغم من أن هذه الظاهرة لم تكن إلي عهد قريب متفشية في المشهد اليمني، وأصبح التوقف عن التعليم وسيلة لدي بعض الفتيات للحصول علي عريس.

النظرة المجتمعية للزواج المبكر لدي الفتيات في اليمن لا زالت محل خلاف، حيث تتفاوت الرؤي بين مؤيد ومعارض لها، كما تجد معارضة شديدة من قبل المنظمات المعنية بحقوق المرأة والتي تطالب بضرورة تقنين سن الزواج لدي الفتيات.

الشباب الذكور يرون أن زواج الفتاة في سن صغيرة يؤدي إلي احتفاظها بنضارتها طول حياتها ويسهل تشكيل الزوج لها كما يرغب كما أن مطالب الزوجة الصغيرة أقل من مطالب الزوجة التي تجاوزت الثامنة عشرة. أما الفتيات فيعتقدن أن الزواج المبكر في أوساط الفتيات ما هو إلا هروب من القيود التي تفرضها عليها الأسرة ويجنبها العنوسة، كما يرين أن ذلك يجلب لهن التمتع بحياة زوجية أكثر من الزواج في الكبر.

وذكرت دراسة ميدانية أعدها مركز دراسات وأبحاث النوع الاجتماعي للتنمية بجامعة صنعاء أن رجال الدين وأولياء الأمور يرون أن زواج الفتيات في سن مبكرة يحمي الفتاة من ممارسة الرذيلة وأن الدين الإسلامي يحث علي ذلك ليوسع فرص إنجاب أطفال أصحاء ويمثل استجابة للسنة النبوية والتي تحمي المجتمع من الانحلال الأخلاقي . وأشارت إلي أن القادة التقليديين في اليمن يرون كذلك أن الزواج المبكر حماية للمجتمع من التفسخ الخلقي وتعزيزا للترابط بين الأسر ويعزز القوة القبلية من خلال ما يوفر من فرص لإنجاب أكبر عدد من الأطفال الذكور.

وأوضحت الدراسة التي نفذت في 20 محافظة يمنية أن محافظتي حضرموت والحديدة احتلتا المرتبتين الأولي والثالثة من بين العشرين محافظة في مقياس حدة الفقر وعلي الرغم من أن البيانات الكمية والكيفية لا تشير إلي أن الفقر يمثل السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة الزواج المبكر للأولاد الذكور، فإن توفر المال يمثل بالنسبة لـ 30,6 من الأسر السبب الأول الذي يدفع الأسر لتزويج أولادها الذكور في سن مبكرة لذلك فالفقر يمثل المرتبة الثانية من بين أسباب الزواج المبكر وذلك حسب الدراسة في المحافظتين فضلا عن ذلك فإن الزواج المبكر لا يرتبط بقلة الدخل بقدر ما يرتبط بثقافة الفقر .

وأضافت أن العامل الرئيس الذي يقف وراء ظاهرة الزواج المبكر في المحافظتين هو انتشار توجهات ثقافية مؤيدة للزواج حيث يعتقد معظم السكان أن الدين الإسلامي يحث علي الزواج المبكر . وقالت الدراسة إن البني الاجتماعية في محافظتي حضرموت والحديدة تتسم بالتقليدية حيث لا تتوفر فرص كبيرة للحراك الاجتماعي الأمر الذي يؤدي إلي تدني مستويات طموح الأفراد الذين ينتمون إلي فئات اجتماعية فقيرة أو مهمشة في تحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، فالأزواج والزوجات يعرفون سلفا أن أبناءهم وبناتهم سوف يرثون مكانتهم الاجتماعية ولا يمكن أن يحققوا حراكا اجتماعيا صاعدا، لذلك فإنهم يميلون إلي تزويجهم في سن مبكرة ولا يهتمون بتوفير خدمات تعليمية وصحية وتدريبية لهم.

لأنهم يعتقدون أن أبناءهم مهما حققوا من إنجازات فإنهم سوف يظلون في مستويات اجتماعية متدنية .

وأشارت الدراسة إلي أن عملية اتخاذ القرار المتعلق بالزواج يتخذه الآباء وكبار العائلة ولا يتحدد وفقا لإرضاء العلاقة العاطفية المباشرة بين الشابين المقبلين علي الزواج، فالحب والعواطف لا اعتبار لها عند الكثير من الأسر وربما لا اعتبار لها علي الإطلاق، كونها نوعا من العيب الاجتماعي.

الحب والعواطف في نظر الكثير من اليمنيين تأتي بعد الزواج، أما قبله فإنه من قبيل المحظور اجتماعيا، وقد يكون التصريح به من قبل الفتاة تحديدا سببا في إلغاء عملية الزواج.

وأكدت الدراسة أن سن الزواج في أوساط الفتيات تتفاوت من منطقة إلي أخري، وفقا لحرارة الطقس فيها، فسن الزواج في الحديدة وحضرموت للفتيات تبدأ من 10 سنوات، بينما تختلف هذه السن في المناطق الحضرية، في حين يري الرأي العام اليمني أن سن الزواج الأنسب للفتاة بين 15 ـ 16 سنة وللفتيان بعد الحصول علي عمل والقدرة علي توفير تكاليف المهر وحفلة العرس.

وذكرت الدراسة، التي أعدها فريق من خبراء علم الاجتماع، أن الزواج المبكر يؤثر سلبا علي النمو الجسدي للفتاة والصحة الإنجابية، إضافة إلي العلاقة الجنسية بين الأزواج الصغار وتنظيم الأسرة إلي جانب تأثير الزواج المبكر علي النمو العاطفي والشعور بالأمان واستمرار الزواج وكذا تأثيره علي تطور المفاهيم الدينية والاجتماعية والسلوك الأخلاقي للزوجين.
 

وأشارت إلي أن الزواج المبكر يجبر الزوج الصغير علي ترك تعليمه والبدء في العمل مبكرا للحصول علي مصدر دخل يعيله ويعيل زوجته الصغيرة وفي خضم هذه المسؤولية قد تتغير تصورات الزوجين وخاصة في جانب المعايير الدينية والأخلاقية .

وأكدت الدراسة الميدانية أن الفقر يساهم في رفع متوسط سن الزواج للذكور وممارسة الأسرة الفقيرة للضغط علي أبنائها للبدء بالعمل قبل تزويجهم، أما حالة البنات فإن الأسر الفقيرة تسعي إلي تزويج بناتها بمجرد بلوغهن .

 القدس العربي