مصر ومؤشّرات التدخّل الخارجي في سوريا
بقلم/ فيكتوريوس بيان شمس
نشر منذ: 10 سنوات و 8 أشهر و 29 يوماً
الجمعة 19 يوليو-تموز 2013 10:13 م

إبّان الإحتلال الأميركي للعراق في العام 2003 درجت بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية على توجيه سؤال وقح، ومُستهجن: هل أنت مع الإحتلال الأميركي للعراق، أم لا؟.

لم يكن هذا السؤال عبثياً، أو اعتباطياً. فقد كان هذا السؤال حصيلة رصد أميركي دأوب للمزاج الشعبي العراقي العام في ظل قيادة سقته مرّ أنواع الظلم و الإضطهاد والعذاب على مدى عقود طويلة، حتى وصل لمرحلة يتقبّل فيها التفكير للرد على سؤال من هذا النوع، فيما كنّا نحن العرب ندين و نستنكر التدخل الأميركي، ومن قَبِلَ به من أشقائنا العراقيين.

تُعدّ مصر واحدة من أكبر تجمّعات اللجوء السورية التي لا تجمعها حدود جغرافية مع سوريا، وقد استطاع السوريون الذين يتراوح عددهم (140,000 إلى 200,000) لاجئ أن يحصلوا على الأمان، وعلى فترة هدوء نسبي ساعدتهم في الفترة القليلة الماضية على إعادة صياغة أوضاعهم بهيئات، وأحزاب، ومنظمات مجتمع مدني تعمل و تضغط في المسألة السورية بما يؤثّر في الرأي العام داخل سوريا وخارجها، كما اتّخذ "الإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة" وهو أكبر الأطر المعارضة من القاهرة مقرّاً له، ومثله العديد من التنظيمات متعدّدة الأحجام و التأثير على الساحة السورية.

منذ التمرّد الأخير للشعب المصري الشقيق على حكم "الإسلاميين" بـ 30 حزيران- يونيو والذي أطاح بهم، بدأ التضييق على اللاجئين السوريين والفلسطينيين بحجة مشاركة بعضهم في المظاهرات الداعمة "لجماعة الإخوان المسلمين"، سواء من خلال التحريض الإعلامي لتهديد حياتهم، أوعبر بيانات صفراء تكيل التهديد و الوعيد ضد مصالحهم (مع العلم أن حجم الإستثمارات السورية في هذه الفترة تجاوزت (2) مليار دولار ممّا ساهم في دفع وتنشيط الإقتصاد المصري، على عكس ما يتم الترويج له)، أو منعهم من دخول الأراضي المصرية دون الحصول على تأشيرة دخول، بات الحصول عليها أمر أشبه بالمستحيل، وكلام كثير عن منع أبنائهم من استكمال دراستهم في المؤسسات التعليمية المصرية (عدا الخاصة منها!)، ولهذا دلالات طبقية خطيرة لا تخفى على أحد.

في هذه الأثناء بدأت أوضاع الجالية السورية بالتدهور نتيجة توقف أعمال البعض، وانعدام الأمن، والخوف، والهجرة الأخرى غير معلومة العواقب في الجهات الأربع بسبب الضغوطات، والمناخات المعادية ضدّهم، لتنحسر خياراتهم في التنقّل والإقامة، خاصّة و أن أغلب الدول العربية بما فيها التي تجاهر بمساندتها لثورتهم فرضت عليهم قيود وشروط تعجيزية لدخول أراضيها. والسؤال هنا: لمصلحة من كل هذا؟

من المستفيد من ضرب الحراك السوري في مصر والتخلّص منه؟

نسبت صحيفة "الغارديان" البريطانية يوم الخميس 18 تموز- يوليو لوزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند قوله: "من المستبعد جداً أن نرى جنوداً بريطانيين ينتشرون على الأرض في سورية، لكن يتوجب علينا عدم استبعاد أي خيار من الطاولة". ومن يرصد ردود أفعال اللاجئين السوريين على تصريحات كهذه، سيُفاجأ بترحيب بعض من أضناهم التعب، وظلم ذوي القربى.

أصبح واضحاً أن الإحتلال الجديد يطوّر أساليبه بما يتناسب وتطور وعي الناس، وأن السيناريو العراقي قد لا يُطبَّق بنسخة طبق الأصل في سوريا. ففي العراق هُجَّرَ الشعب العراقي بعد الإحتلال أو كنتيجة له، فيما لن يحصل أي تدخّل خارجي مباشر في سوريا إلا بعد خروج أكثر من نصف سكانها، ومكابدتهم عناء اللجوء والتشرّد لإجبارهم على الإستنجاد بالشيطان؛ ليبدو الإحتلال وكأنّه من استطاع إعادتهم إلى بلادهم.

ربّما تلعب مصر بعد ثورتها الثانية دوراً وظيفياً في وقعنة هذا السيناريو، فكل ما حصل في الأيام الماضية يصبّ في هذا الإتّجاه.

الثورة المصرية الثانية تحوّل حقيقي على كافة الصعد الداخلية والإقليمية، من إيجابياتها على الوضع الداخلي المصري أنها تأتي في سياق المخاض الذي سينتج الأفضل للشعب المصري ولو بعد حين؛ فهي نتاج حراكهم وتضحياتهم. ومن سلبياتها إقليمياً ما حصل مع اللاجئين السوريين والفلسطينيين على حد سواء، وهو ما كان مستحيل الحدوث فيما لو بقي "الإخوان المسلمين" في السلطة، لأن "الإخوان" كانوا جزءاً من شبكة سياسية إقليمية واسعة تدعم الثورة السورية، ولا تستطيع التورّط بشكل علني بمأساة اللاجئين السوريين الناشئة لأسباب عديدة.

بعد كل هذا، هل يُلام الشعب السوري إن أجاب على سؤال: هل أنت مع الإحتلال أم ضدّه؟