اليمن أكبر من أن يُتسول به..
بقلم/ د. محمد حسين النظاري
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 22 يوماً
الأربعاء 04 يوليو-تموز 2012 05:33 م

لا حول ولا قوة إلا بالله، سبحانه يعز من يشاء ويذل من يشاء، ولأن دوام الحال من المحال، وعدم مراعاة النعمة جزاؤه الحرمان، فها هو الشعب اليمني الأبي في نظر بعض إخوتنا مجرد فقير يجب أن يُعان.. مع أن طلب العون ليس عيباً في حد ذاته، ولكن العيب في طريقة تقديم ذلك العون.

إن ما تقوم به إحدى الجمعيات الخيرية في دولة الإمارات الشقيقة تحت شعار (سندهم) والذي جندت له القنوات التلفزيونية في طريقة اقرب للتشهير منها الى الغوث، فقد صورت الحملة المتلفزة اليمنيين مجرد جياع لا يطلبون إلا لقمة تسد جوعهم وشربة تطفئ لهيب عطشهم.

إننا نستنكر وبشدة ان يكون الشعب اليمني بضاعة لدى الجمعيات المتاجرة بالأمم، من أجل تنفيذ أهداف قد لا تكون في مجملها إنسانية ولا دعوية، بل فيها من التشفي بنا أكثر ما فيها من مد يد العون، ولو تعلم تلك المنظمات في الدول الخليجية الشقيقة أن اليمني ليس بحاجة الى لقمة عيشهم بقدر ما هو بحاجة لأن يحسوا بأنه شعب مكافح يعمل ليقتات من عرق جبينه.

كان أجدى بتلك الجماعات او الجمعيات، أن تنصح حكوماتها بضرورة إحلال العمالة اليمنية بدلاً عن العمالة الأسيوية، فاليمنيون عاملون يأكلون من كدهم وعرقهم ولا يسألون الناس أعطوهم او منعوهم.. ان باب الإعانة الحقيقية الذي يمكن ان تقدمه تلك الدول وجمعياتها هو فتح مجال العمل أمام ملايين اليمنيين الذين بنوا الخليج وعمروه، وإذا ما تعالى البنيان في تلك الدول استغنوا سريعاً عنا بدواعي مواقف سياسية.

يخطئ بعض الخليجيين حين يظنون أننا فقط من خسر بحرمانهم عمالنا من العمل في بلدانهم.. إن كانت اليمن قد فقدت عبر العمال مصدراً للرزق، فإن تلك الدول قد خسرت الكثير، وأول ما خسرت هويتها العربية، فجل الدول الخليجية مهددة باختفاء السكان الأصليين جراء الزحف الأسيوي، ناهيك عن انقراض اللغة العربية، فأصبح الخليجي مضطراً لتعلم البنجالية والأفغانية والباكستانية، او الانجليزية لمخاطبة عماله، بالإضافة الى المصيبة الكبيرة والمتمثلة في اختفاء هويتهم كخليجيين عبر إيكال تربية أبناءهم للخدم الأسيويين، وهذا سيظهر تأثيره في العشر السنوات القادمة، حين ينشئ هذا الجيل على ثقافة من ربوه.

على الأخوة في الخليج ألا يظنوا ان الفقير هو دائماً بحاجة الى الغني، ابداً هذا الكلام غير صحيح، فلو ان السكان كلهم أغنياء لما أكلوا ولما شربوا ولما وصلت إليهم جميع الخدمات التي لا يقدمها إلا الطبقات العمالية.. ومن هنا فإن الخدمة تكاملية، ومن هذا المنطلق فإن استقدام العمالة اليمنية كما فيه عون لأسرهم، هو كذلك إعانة لأرباب عملهم، بحيث لا يمن أحد على أحد، ولا يظن احدهما ان له فظل على الأخر.

طوال السنوات السابقة ساهمت الدول الخليجية في ان يصل الفقر في اليمن الى ما وصل إليه حتى أصبحت الثروة في أيدي قلة قليلة بمقابل كثرة تحتاج الى العون.. لقد ادارت تلك الدول ظهرها للشعب اليمني، وظلت طيلة تلك السنوات تحافظ على استقرارها من خلال دعمها السخي للسياسيين والأحزاب والمنظمات والمشائخ، وأصبحت تقيم مجالس التنسيق التي يستفيد منها إلا من يستلمون المعاشات الشهرية من تلك الدول دون مقابل سوى إيهامهم أنهم يدعمون استقرارها.

ان استقرار دول الخليج ليس في دعم تلك الفئات بقدر ما هو في تقديم الخدمات الأساسية للمواطن اليمني من كهرباء وماء ودواء وتعليم، ان تلك القطاعات هي من تحتاج الى الدعم الذي سيصل من خلالها الى الفئات المحتاجة بدون من او حملات تلفزيونية تشهيرية.

إن المواطن اليمني أصبح يعرف جيدا ان هبات وأموال الخليج ليست له وإنما هي لخدمة تلك الدول عبر فئات معينة فقط، ولهذا فإنه لا يرضى بهذه الاهانات التي تقيمها تلك الجمعيات التي لا تعرف ان ما يقدمه اليمنيون لإخوانهم الفلسطينيين –رغم حالهم- هو أكثر مما يقدمونه هم، لأن اليمني عندما يعين لا يقوم بالتشهير ولا بالمن، وإنما يعطي في الخفاء لتصل الى من يستحق.

إن من يصورون للعالم انهم يغيثون الشعب اليمني، هم في حقيقة الأمر يعينون أنفسهم ودولهم التي يجب ان تستحي، أنها تعوم على بحور من النفط ولها جيران كاليمن والسودان والصومال وجيبوتي في حالة اقتصادية صعبة.. المشكلة ان دعم تلك الدول يأتي على للأفراد شكل إخضاع وتبعية للمجتمع، لا على شكل مساعدة من اجل ان تقف تلك الدول على ساقيها.

ان انتشار الفقر في الدول المجاورة للحليج يهدد امن الخليج، ويضج مضاجعهم، بل ويدخلهم في الإثم، لأنه كما جاء في الكلمات البسيطة والعبارات الموجزة والألفاظ الواضحة القوية التي كررها الرسول صلى الله عليه وسلم على مسامع أصحابه الكرام «ثلاث مرات»، نافياً عن صاحبها مظاهر الإيمان وشواهده ودلائل التوحيد وبواعثه، فاستفسر الصحابة مستنكرين ومتعجبين قائلين: «مَن هو يا رسول الله؟» فأجاب الرسول الكريم قائلاً: «مَن بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم». فالثروة التي يمتلكونها ينبغي ان تسخّر لصالح الأمة الإسلامية على ان يكون البدء بالأقرب فالأقرب.