آخر الاخبار
ضفاف لنشوان العثماني..قراءة في قصيدة النثر3-5
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 12 سنة و أسبوعين و يوم واحد
الإثنين 12 مارس - آذار 2012 04:13 م

هذه الحلقة الثالثة من قراءة نقدية لقصيدة الشاعر الشاب نشوان العثماني (ضفاف)، عودة الى الحلقتين السابقتين تبين ان الفكرة العامة للقصيدة هي " الكرامة" وموضوع القصيدة يتحدث عن رجالٍ او شبابٍ او شهداء صنعوا الكرامة وارتقوا بتضحياتهم هذه الى مصاف العظماء والفلاسفة، غير ان الذي يهم القارئ او المتذوق الناقد للنص المنثور كيف تم تركيب النص(الشكل) لمواكبة المعاني بعيدة المنال(المضمون او الفكرة).. شاعرنا الشاب في هذا النص النثري فيلسوف يجيد-من غير قصد او تخطيط مسبق-فن التناص مع الفلاسفة كـ فيلسوف الهند طاغور ومع نصوص مقدسة (العهد الجديد) ثم يتفيأ بتلقائية سهلة ظلال النص القرآني (سورة الحج-و سورة يوسف) كما هو مبين في هامش القصيدة، يفعل كل ذلك بتلقائية شاعرية محلقة تخلق النص وتكتب النص بنص آخر، كل ذلك يتم بشاعرية سهلة وغير مقصودة والا فليس شاعراً من يخطط بقصد ويتكلف بإقحام مقيت وغير موفق.. ومع ذلك ليس هذا موضوع هذه الحلقة بل موضوعها معجزة خلق النص من تحليقات قد تبدو سهلة في ظاهرها لكنها تمتنع على شعراء النص الموزون المقفَّى او النص بالموسيقا والايقاع، لأن عبقرية كتابة قصيدة النثر تعتمد على الإيحاء البعيد والربط للمعاني بلغة راقية الخيال بعيدة المنال سهلة الإعجاز لدى الناثر الشاعر فحسب، اقرأ هنا مثلاً:

ثم أنني التَفِتُ يسارًا، فأجد غمامة ماطرة، وسحابة تكاد تلد، وترقصان

وأسمع رعدًا يغني، وأرى برقًا يتسلق السماء

وأقرأُ هذه اللوحة

وماذا تعني؟

أتعلم؟

كانَ من الجميل أنني لا ألفت ناحية أخرى

من لا يعشق قصيدة النثر او يتذوقها غير صادق كثيراً-من وجهة نظري-في حبه وعشقه لقصيدة العمود او ما يسمى بالشعر ذي الموسيقا والايقاع، انظر كيف يرسم الشاعر او (يخلق) لوحة امل صنعها صناع الكرامة بريشة الشاعر: (غمامة ماطرة- سحابة تكاد تلد- ترقصان-واسمع رعداً .. الى آخر) كما في المقطع اعلاه، ايحاء جميل يصنع لوحة متناثرة للأمل عناصرها السحابة والغيمة والرعد.. الى آخره، تعال الآن نجمع هذه العناصر وماذا تعني يرد عليك النص: (كانَ من الجميل أنني لا ألفت ناحية أخرى)، شباب التغيير لايلتفتون الى ناحية اخرى فهم صناع الأمل والغد المشرق بأنفسهم، المهم هنا اللوحة التي رسمها الشاعر في الشكل المنثور للقصيدة، والمهم هذه الصور التي تشترك في مكونات لوحة الامل والتغيير، الخلق والابداع في النص معجزة وبراءة اختراع للشاعر المعجِز، نحن نستطيع صنع اشياء كثيرة لكن يعجزنا هندسة النص اليس كذلك؟ ومع ذلك فهي هندسة غير مخطط لها وغير مقصودة يعرف الشاعر ماذا يقول بلا تكلف ويعرف متى يتناص مع نصوص كونية او مقدسة من حيث لا يقصد فهذا كلام يشبه المعجزات بل من المعجزات:

نلعبُ برموز الوهم حتّى دهمنا المساء

وألقى القبض علينا

بتهمة تسوّل المعجزات

عند ضفاف الأنهار المقدسة

بتهمة انتظار من لا يجيء أبداً,,»2

ودخلنا السجن, ودخل معنا فتيان وعزمنا الأربعة على أن نصطحب رفاقنا على ضفاف تلك الأنهار, المرة القادمة

وأن نصنع مركب الانتظار

كما قلتُ سابقاً لا اريد ان ابدو متكلفاً ومتفلسفاً في هذه القراءة، دعونا نجعل الأمور سهلة وبسيطة وشاعرية، الشاعر يصنع النص، يلعب بالكلمات،يصنع لوحات وهذه هي المعجزة والتي تماثلها معجزة الشباب في صناعة التغيير، معجزتان في النص المنثور، معجزة ثورة الكرامة ومعجزة كتابة هذا النص وتضاف اليهما معجزة هذا التناص مع (الفتيان في السجن)، تسافر قصيدة النثر الى عهد يوسف عليه السلام لأن تهمة سيدنا يوسف لها علاقة بتهمة انظمة السجون العربية التي تريد مصادرة حتى احلام ورؤى الناس ومنهم الشباب طبعاً، غير ان للأحلام الشبابية ضفافها وانهارها المتدفقة التي تتمرد على سجون الجفاف والقحط والجدب، ياسيدنا يوسف تنتصر الاحلام ويتمرد السجين على سجانه لأنه من صناع الكرامة وله رفاق درب على ضفاف انهار الحرية.

النص

المعاني غادرت

والمقدّس الذي يكتبني, أكتبه ,

يؤرشفني مصيري لأجله :

الكرامة .

فـ «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»1

***

ثم أنني التَفِتُ يسارًا, فأجد غمامة ماطرة, وسحابة تكاد تلد, وترقصان ,

وأسمع رعدًا يغني, وأرى برقًا يتسلق السماء ,

وأقرأُ هذه اللوحة ,

وماذا تعني؟

أتعلم؟

كانَ من الجميل أنني لا ألفت ناحية أخرى !

***

قال لي طاغور :

« حين رحل الجميع

بقينا، أنا وأنتَ، جالسين

نلعبُ بالمعنى وقصائد الألوان والفراشات

نلعبُ بحبّات الدموع

نلعبُ برموز الوهم حتّى دهمنا المساء

وألقى القبض علينا

بتهمة تسوّل المعجزات

عند ضفاف الأنهار المقدسة

بتهمة انتظار من لا يجيء أبداً,,»2

ودخلنا السجن, ودخل معنا فتيان ,

وعزمنا الأربعة على أن نصطحب رفاقنا على ضفاف تلك الأنهار, المرة القادمة ,

وأن نصنع مركب الانتظار ,

***

وقرأتها من زمن, وكتبتُ ,

وسافرت روحي , وهي تستغيث ,

وهجرتني أحلامي ,

ثم تركوني هنا, شتاتًا ,

وأشلائي تشكوني, وتهجوني ,

وحين لجأت إلى شاطئ القصيدة, ومحراب الصبر ,

رأيتني أفترش سجاد الفضاء, ولم أصرخ, بل صرختُ؛

« اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وأنْبَتَتْ»3

***

رأيتني, وأنا على جانبي, يلتهمني الوجع ,

وحفلتُ بي , وقاومتُ ,

واحتشدتُ لأقرأ كتابًا عن المجريات ,

كنت أقرأه في وجوه الناس ,

وألمس شغفًا أن أنظر في أعينهم معنى الشيء الذي يكتبني, يؤرشفني: الكرامة ,

***

سادتي , انتظروني عند حافة المدينة المقدسة, عند شاطئ النهرين, وانتظروني هناك عند السد العظيم ,

لن يأتي , أعرف ذلك ,

انتظروني وفقط ,

اِنتظروني سأقوله لكم ,

...

...

...

اَنتظروني ,

وأتيتهم ,

اقتاتوا العزيمة من مثواي الأخير ,

ولا أدري ما صنعوا ,

أثق بهم ,

الأمنيات لو كنت معهم. سأصلي .

_________________

1 من «العهد الجديد ».

2 من قصيدة لـ « طاغور ».

3 من سورة « الحج ».

**

يُتبع الحلقة القادمة

شاعر وناقد يمني

a.monim@gmail.com