الزياني مبعوث النوايا غير الحسنة
بقلم/ محمد عايش
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 11 يوماً
الإثنين 16 مايو 2011 06:56 م

مثل افتقاره للخبرة يفتقر عبد اللطيف الزياني للحد الأدنى من المخيلة الخصبة، وإلا لكان قد أدرك أن اعتماد دول الخليج، والسعودية تحديداً، عليه لوحده في المسألة اليمنية؛ يعني أنه ليس أكثر من أداة لتمضية الوقت، وأن عليه أن "يمثل" أكثر مما عليه أن يكون جادا.

سطر أو سطران في بيان قمة زعماء الخليج، الأسبوع الماضي، هو كل ما استحقته التطورات العاصفة في اليمن من اهتمامات جيرانها، وإذ وصل الزياني يوم أمس إلى صنعاء للمرة الثانية فإن هذين السطرين هما كل الزخم الذي يستند إليه في مهمته: مهمة الجندي الأعزل الذي يحاول، في الظاهر، فض اشتباك سياسي هو الأعنف بين الحكومة ومواطنيها منذ أكثر من أربعين عاماً.

نحن أمام واحدة من أكبر العمليات السياسية التي تقوم على التضليل الكامل والفج، وبشكل متبادل ومتواطئ عليه بين مختلف أطراف العملية:

فعلي عبد الله صالح يدرك جيداً أن مشكلته ليست مع المشترك وإنما مع الملايين من مواطنيه الثائرين وغير المعنيين بصراعاته السياسية، ومع ذلك فإنه "يضلل" الخليج والعالم وينسب كل عوامل الثورة إلى عامل واحد هو "المشترك"، ثم يستدعي من الخليجيين مبادرة بلاستيكية مع إيهامهم بأن مجرد تنفيذها من قبله ومعارضيه سيعني انتهاء الاعتصامات والمظاهرات وعودة الأمور إلى طبيعتها.

المشترك من جانبه، وهو يعرف بالبديهة أن لا يد له في الإبقاء على الجماهير خارج بيوتها أو إعادتها إليها، إلا أنه يجاري "التضليل" بتضليل، فيذهب إلى الرياض ويعود من الرياض، ويوافق على مبادرة ويتحفظ على أخرى ويستوضح بنوداً ويتمسك ببنود ويمهل ويهدد و.. و.. وكأنه قد تماهى كلياً مع الكذبة التي لم يكن له حتى فضل ابتكارها.

مقابل هذا التضليل، هناك التضليل الخليجي، بل السعودي (بما أن السعودية هي المعنية الأولى بالمبادرة خصوصاً بعد انسحاب قطر وعدم المبالاة الواضح لدى الكويت وعمان وتبعية موقف الإمارات والبحرين للرياض).

فالمملكة تدرك جيداً حجم الارتباك في تصوراتها لـ"حل سعودي" في اليمن في هذه المرحلة، فهي، للمرة الأولى، غير واثقة مما تريده بالضبط لجارها الجنوبي. هي بالتأكيد لا تريد "ثورة"، وهي أيضاً غير مكترثة ببقاء صالح أو ذهابه، كما أنها ثالثاً لم تعد مؤمنة بقدرات حلفائها التقليديين في اليمن إلا بالحد الأدنى، إذ أنها ومنذ خذلها الجميع في حرب صعدة، من علي محسن إلى مشايخ حاشد، باتت تشك في الجميع، فدعمها ورعايتها لكل هؤلاء طيلة خمسين عاما لم يمنع عنها في النهاية بروز عدو صلب وخطير كالحوثيين، كما لم يحل دون حاجتها إلى الدخول مع هذا العدو في حرب انتهت بإذلالها ومنح المزيد من القوة لعدوها. (ذاكرة اليمنيين قصيرة المدى وإلا فإن من المخل التعاطي مع أي سياسات أو مبادرات سعودية بشأن اليمن دون توقع تأثرها باستخلاصات التجربة المريرة للمملكة مع صعدة والتي بالتأكيد تسببت في انهيار جملة من السياسات التقليدية للرياض تجاه الشأن اليمني وغيرتها إلى الأبد).

هكذا فإن علي محسن حليف ممتاز لكنه لا يبدو رجل المرحلة بالنسبة للرياض، ليس بسبب "عقدة" صعدة فحسب، ولكن لأن القوى الدولية التي تستمد المملكة منها شرعية تدخلها في اليمن، تضع دائرة حمراء عليه بسبب القاعدة والسلاح والتهريب و.. إلى آخر القصص المعروفة، ما يعني أن وضع كامل البيض السعودي في سلة قائد الفرقة سيكون سذاجة إضافية من المملكة، ولذلك يظل التعامل معه مقتصراً على كونه "ورقة" قد تستدعي الحاجة تحريكها، وليس الانحياز الكامل لها، على الأقل حتى المزيد من اتضاح الأمور.

أبناء الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر ليسوا أفضل حالاً، فإمكانات والدهم منعدمة لديهم، وحسين كان مستعداً للتحالف مع معمر القذافي بغرض ابتزاز السعودية، إضافة إلى أن دور حاشد عموماً بات أضعف من أن يراهن عليه بفعل الاستقطابات والتحالفات العديدة التي زرعها الرئيس صالح داخلها لينجح في إضعافها، وبالطبع هناك أيضا حقيقة فشلها كمليشيا قبلية في فعل شيء إزاء خروج صعدة من هيمنة صنعاء والرياض معاً (بما يعني أنها ستكون أكثر فشلاً في حال استمرار الاعتماد عليها كذراع نافذ داخل ساحات أبعد كتعز أو الجنوب، مثلما تم الاعتماد عليها عقب اختطاف ثورة سبتبمر). على أن الحال مع حاشد سيكون هو نفس الحال مع قائد الفرقة الأولى، أي أن تبقى في "الاحتياط" حتى يفرض أمر واقع جديد استدعاءها على علات ضعفها.

ما هو الحل إذا؟ هنا يستوي في موقف الحيرة نايف وسلطان وعبد الله، وكل له شأنه مع اليمن كما هو معروف، وإذن (وإلى أن ينضج قرار: إلى أي من الحلفاء نميل أو إلى أي المشاريع نتجه) فإن المهمة العاجلة للملكة الآن هي "إجهاض" الثورة ولو ذهبت البلاد بعدها إلى الجحيم، إذ كل شيء يقول إن ثورة كهذه لو نجحت فإنها لن تأتي إلى الحكم إلا بنظام عصي على "التوظيف" الإقليمي، وخطير على الاستقرار السياسي للمملكة بالنظر إلى طبيعته التي لن تكون إلا "تعددية" بكل ما يثيره التعدد من حساسيات تاريخية لدى السعودية وجيرانها.

هذا يعني بالنتيجة أن مساعي الزياني ليس مطلوباً منها النجاح أو الفشل بل بناء سماء من الوهم هدفها تمييع الحدث وإطالة الزمن حتى تطرأ عوامل جديدة تكون الثورة فيها قد تآكلت أو أدركها الملل، وفي نفس الوقت يكون المشروع الإقليمي/ السعودي قد تبلور لأهله وأصبح بإمكانهم تسميته والاعتماد عليه.

"التمييع" بهدف إرهاق الثورة، يمكن، من الزاوية الأخرى، قراءته في طبيعة هذه التي يسمونها "مبادرة" للحل، فإذا كانت ثلاث سنوات كاملة قد عجزت عن أن تكون كافية لتنفيذ اتفاق فبراير الذي ينظم المسألة الانتخابية بين صالح والمعارضة، فكيف يمكن لشهر واحد أو حتى عام أو ثلاثة أعوام أن تكفي لإنجاز بنود مبادرة تدعي أنها تساعد على "انتقال سلمي" للسلطة. إن كل بند يشكل فيها لغماً منزوع الصاعق، وكل انفجار بداخلها ستتوزع شظاياه على كامل الجسد السياسي المتشقق في الأساس، والأهم أنها ألغام ستمنح الرئيس صالح القدرة على البقاء في منصبه حتى العام 2020 وليس 2013 كما يطمح.

على أمين عام مجلس التعاون الخليجي أن يختصر بقدر الإمكان زيارته غير المرحب بها، وسيكون أجدر بذكائه لو فهم من الآن أن ما يحاول إنجازه هنا لم تنجزه قوات درع الجزيرة بكاملها في بلاده (البحرين)، إذ لا تزال الثورة الشعبية المقموعة هناك تشكل خطرا كامناً رغم كل آليات الحرب الخليجية التي انتهكت سيادة البحرين وأهانت شعبها.

، لو لم يكن الزياني سفير نوايا سيئة، لوجد الحل في مكان آخر خارج دار الرئاسة أو قصر الشيخ صادق الأحمر (حيث يلتقي الضيف الخليجي بقيادات المعارضة)؛ الحل يكمن لدى طرف ثالث: الشعب، وإن كانت هذه المفردة، مثلها مثل "الثورة"، تنتمي لقواميس متعذرة على اللغة الخليجية.

 ــــــــــــــ

افتتاحية صحيفة "الأولى"، الاثنين 16 مايو