حكام البيعة الكبرى والثورة المتلاشية
بقلم/ دكتور/عبدالشكور المغني
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 12 يوماً
الجمعة 14 سبتمبر-أيلول 2007 05:42 م

مأرب برس – شيكاجو – خاص

في السادس والعشرين من شهر سبتمبر من هذا العام 2007 نستقبل الذكرى الخامسة والاربعين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر التي تفجرت في 26-1962 م في شمال اليمن وتتبعها ثورة ال14من اكتوبر في الجنوب ، فثورة سبتمبر حررت الشعب اليمني من حكم الائمة الذين قدموا من خارجها ليحكموها قرونا من الزمن بحكم طاغوت العنصرية والتخلف وبهذه الثورة يكون الشعب اليمني قد تخلص من حكم الأئمة في الشمال وحكم الاستعمار في الجنوب واعتقد اليمنيون انهم قد تخلصوا من الشيطان الرجيم واستعادوا حريتهم واستقلالهم بعد ان واجهوا مؤامرا ت الشقيقة الكبرى التي كرست كل امكانياتها لدعم استعادة حكم النظام الملكي الائمامي ومنع قيام نظام جمهوري .

لقد كان من مهام الجمهورية الوليدة تحقيق الوحدة اليمنية بين شطرى الشمال والجنوب بتحرير الشطر الجنوبي من الاستعمار البريطاني واستعادة الشطر الثالث المسلوب من قبل الشقيقة الكبرى ، وقد اتصف قادة التغيير في النظام الجمهوري بروح الانتماء الوطني والشعور بالهوية التاريخية لليمن الكبرى وكان حرصهم ان اعدت المناهج التعليمية التاريخية والجغرافية على دراسة اليمن شماله وجنوبه كيمن واحد ودراسة جيزان ونجران وعسير كاراضي يمنية مغتصبة وتحددت حدود الجمهورية العربية اليمنية باعتبار مناطق عسير ونجران وجيزان ضمن خاطة الجمهورية العربية اليمنية ، حتى كراسات الخط التي كانت توزع على طلاب المدارس كانت تحتوي على عبارة (جيزان ونجران وعسير أراض يمنية) كما ان حكومة اليمن في الشطر الجنوبي كانت تدرس نفس القضية واعتبار تلك المناطق اراضي يمنية .

كانت تلك التوجهات تقوم على اساس اعتبار ان اتفاقية الطائف ملغية وأعلنت الجمهوريتين الحق في استعادة الثلاثة الأقاليم باعتبار ان هذا التوجه يمثل من اهم مقتضيات الثورة اليمنية التي قامت لتحقيق التحرر من الاستبداد والاستعمار وطرد المحتلين واستعادة الاراضي المسلوبة.

خلال سنوات مابعد قيام الثورة والجمهورية في شمال اليمن خاضت البلاد حربا اهلية دامت اكثر من خمس سنوات راح ضحيتها اكثر من 250الف قتيل من الشعب اليمني ،فرضت عليه كمحاولة مدعومة من السعودية ودول اخرى لاستعادة النظام الملكي الامامي وثبات النظام الجمهوري المدعوم من مصر الى ان تمت المصالحة بين الملكيين ، وفي ظروف تلك الاحداث استقل الشطر الجنوبي ويعلن عن جمهورية مستقلة فيه .

في عام 1972 تقوم حربا بين الشمال والجنوب وعلى اثر هذه الحرب تجرى اتفاقية في القاهرة في 28 أكتوبر 1972 بين الشماليين والجنوبيين في القاهرة حينها ربط الجنوبيون رؤيتهم للوحدة في اتفاقية القاهرة الصادرة بالعمل على إعادة توحيد أراضي اليمن وضمان استعادة الاراضي المحتلة عسير ونجران وجيزان وما يقابلها من الجزر اليمنية.

وعندما عين القاضي عبد الله الحجري رئيسا للوزراء في 31/12/1972م زار المملكة السعودية في سنة 1973م ووقع في نهاية الزيارة على بيان مشترك أشير فيه بما يوحي بالموافقة على اتفاقية الطائف ، فأحدث موقفه ردة فعل عنيفة واستنكار كبير في أوساط الشعب اليمني في الداخل والخارج ، ولهذا السبب أقيل من رئاسة الوزراء قبل قيام حركة 13 يونيو 1974 التصحيحية التي قادها الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي ، وقد اغتيل الحجري في ظروف غامضة بلندن في يوم الأحد 10/4/1977م، أثناء زيارته للملك السعودي خالد بن عبد العزيز.

لقد كان مجرد التفكير السري في التنازل عن الأراضي كان يعتبر خيانة وطنية يستحق صاحبه الإعدام. باجماع الشعب اليمني .

و بعد حوالي ستة شهور اغتيال الرئيس الحمدي الذي لم يستمر رضوخه للسعودية وتوجهه نحو اقامة الوحدة مع الشطر الجنوبي وكان هذا التوجه يمثل خطرا على السعودية والمعسكر الغربي كما كان يعتقد من قبلهم الامر الذي دفعهم الى صياغة مؤامرة محلية واقليمية وعالمية تستهدف التخلص من ابراهيم الحمدي وتوجهاته الوطنية والقومية فتم اغتياله من قبل مجموعة من القيادات من حوله بزعامة احمدحسين الغشمي رئيس الاركان الذي قتله غدرا وفي بيته بعد ان عزمه على تناول الغداء ، ليستلم بعد الحمدي الحكم رؤساء صنعتهم السعودية ليخدموها ويحققوا لها اهدافها في اسقاط حق الشعب اليمني في الارض المحتلة .

 البيع الرخيص

مرت الأيام والسنين حتى تم إعادة الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م في عهد الرئيسين علي عبد الله صالح في الشمال الذي استلم الحكم بعد اغتيال الغشمي من قبل النظام في الجنوب وعهد علي سالم البيض في الجنوب الذي كان امينا عاما للحزب الاشتراكي ونتيجة لاقامة الوحدة وفقا لاجراءات عاطفية وابقاء المشكلة الشطرية في بنية نظام الدولة الموحدة نتجت الازمات صعودا نحو اعادة الانفصال لتكلل بحرب صيف 1994م الأهلية والتي دعمت من قبل السعودية ودول خليجية لتنتهي هذه الحرب بتمكن الرئيس علي عبد الله صالح من الإنفراد بالحكم .

واجه الرئيس علي عبد الله صالح حصارا سعوديا وخليجيا ومرت العلاقة بينهما علاقة تباعد وواجه مشاكل اقتصادية نتيجة اخراج اكثر من مليون مغترب من السعودية ودول الخليج بسبب موقفه من قضية غزو العراق للكويت وحسب موقفه حينها بالموقف الداعم لصدام حسين الذي كانت تربطه به علاقات خاصة .

كان يشعر صالح ان نظامه مهددا من قبل السعودية ، وكان يتراى له ان السيطرة على الحكم بصورة دائمة ومطلقة وتوريثه مرهون برضى السعودية وانهاء دعمها لقيادة الجنوب الذين غادروا البلاد بعد حرب 94 ، وظلوا مدعومين من قبلها وقبل دول خليجية ، وقدم للسعوديين خلال تلك السنوات وعبر وسطاء العديد من الوعود الخاصة بانهاء قضية الحدود والاعتراف بمقتضيات اتفاقية الطائف وبصورة نهائية تحقق الاعتراف لهم حق التملك باراضي عسير ونجران وجيزان وما يمكن ان يضاف الى ذلك من اراضي تم السيطرة عليها من قبل السعوديين خلال الاربعين سنة الماضية .

كان السعوديين يتجهون نحو التخلص من صالح الذي اعتبروه متمردا عليهم وهم من مكنوه واوصلوه الى الحكم واعتبروا تمرده باقامة علاقات مع صدام حسين بمثابة الاستقواء به عليهم للتملص من علاقات التبعية التي رسموها هم عندما فرضوا شروطهم على مشائخ اليمن وعلى راسهم الشيخ الاحمر بالقبول به رئيسا لليمن رغم رفضهم لكن كان ضغط الامير سلطان وتوجيهه المتشدد لهم وتقديم الاموال لهم قد الزمهم يومها بقبول صالح رئيسا لليمن .

لم يتردد الرئيس علي عبد الله صالح بعد ان شعر بثقة التخلص من منافسيه وقيادة الحزب الاشتراكي وارتباط القوى السياسية (الاصلاح بالذات ) والشيخ عبد الله بتبعية مفرطة له في خوض ما لم يجرؤ عليه سابقوه ،وظل يلاحق السعوديين للقبول بانهاء قضية الحدود وفقا لاتفاقية الطائف وشروط جديدة تتجاوز الحد الادنى من المطالبات اليمنية ، ووجد له اشخاص تربطهم علاقات خاصة مع السعوديين تتوسط لانهاء هذا الملف الذي يقف عائقا امام طموحه في التمكن المطلق من الحكم وبصورة مستمرة ومطلقة له ولاسرته تمكنه من توريث الحكم ، وتمكنه من تحقيق ذلك بتعديل الدستور متجاوزا شروط البناء المؤسسي لدولة الوحدة .

كانت هناك اشكالية لابد وان يتم تجاوزها وخاصة ان اتفاقية الطائف تخص حدود ماكان يسمى باليمن الشمالي وهناك حدود تتعلق بالمناطق التابعة لليمن الجنوبي سابقا ايضاء ، وهذا الحق يشترط ان يكون المفاوض والموقع فيه شخصية من الجنوب ومن القيادات التي كانت تمتلك قرارا تفويضيا من الجنوب وهو اشكالية كان يشعر بها الرئيس صالح ان هذا الشرط مكلف وليس هناك من امكانية لتحقيقه الا من خلال القيادة الجنوبية الشريكة في الحكم واقامة الوحدة ونتيجة للتنازلات الكبيرة التي ابداءها صالح للسعودية دفع بباجمال نائب رئيس وزرائه وزير الخارجية حيئنذ, إلى إجازة يقضيها بين مكة وجدة ولقاءات خاصة بينه وبين الامير سلطان كانت تستمر ساعات وجد فيه الامير سلطان الشخص الذي يناسبهم ويقبلون به لتوقيع مذكرة مكة للتفاهم وبعدها تعميد معاهدة الطائف الحدودية لتسقط الحقوق التاريخية لليمن في اراضيه في نجران وجيزان وعسير واراضي شاسعة في الربع الخالي الغني بالثروات النفطية ، ويمرر بعدها مقاولة ترسيم العلامات الحدودية للشيخ عبدالله بعد ان وجد نفسه بعيدا عن الاتفاق الذي تفاجاء به الجميع.

اتفاقية جدة رسمت مالم تتناوله اتفاقية الطائف وكما كانت اتفاقية الطائف الحدودية بعد حرب (سعودية يمنية) كانت اتفاقية جدة بعد حرب يمنية يمنية في صيف 1994م شاركت فيها (السعودية) بطريقة غير مباشرة وتقدمت خلالها في بعض الأراضي اليمنية واحتلت عشرات الاالاف من الكيلومترات المربعة في الاراضي اليمنية ومارست نفس الدور الذي قامت به خلال الحرب الاهلية في الستينات واقامة نظام مستقل في الجنوب لتقوم حينها باحتلال أراضي يمنية في الوديعة وشرورها وضمها اليها .

130مليار برميل بوهم الخلود

لقد واصلت السعودية ما بدأت به من نهب لليمن منذ المصالحة بين الجمهورية والملكية، وكان لا بد من الرضوخ لمطالبها حتى لا تطول الحرب اليمنية اليمنية، فتلقت الوعود المؤكدة بالمصادقة على اتفاقية الطائف وترسيم بقية الحدود بما لا يغضبها، وما أن توقفت الحرب اليمنية حتى هرع رئيس الجمهورية لارسال شيخه ونائب رئيس الوزراء عبد القادر باجمال إلى مكة ليجتمع هناك مع المسئولين السعوديين في ليلة القدر ويوقعوا بتاريخ 27 من رمضان 1415هـ (26 فبراير 1995م) على ما أسموه مذكرة التفاهم التي نصت المادة الأولى من موادها الإحدى عشر على الاعتراف بشرعية والزامية معاهدة الطائف، وتشكيل لجان مشتركة لتجديد علامات الحدود، وترسيم! ما تبقى من الحدود البرية والبحرية، والتي تكللت جميعا بمكافئة عبد القادر باجمال بتعيينه رئيسا للوزراء بعد توقيعه على الاتفاقية النهائية التي أسميت فيما بعد بمعاهدة جدة، المكونة من خمس مواد وملحقين بتاريخ العاشر من شهر ربيع الأول 1421هـ (12/6/2000م) وبتوقيعها بحضور الرئيس وولي العهد السعودي الامير عبدالله حينها ونائبه الامير سلطان في مكة بعد ان وصلها الرئيس من المانيا التي مربها وبالنمساء وكان مرافقا له الشيخ عبدالله وعبدالعزيز عبدالغني ولم يكن احد يدرك ان الرئيس يرتب لاتفاق نهائي مع السعوديين يرتبه بسريه مع عدد قليل من عرابي العلاقات .

 وفي احدى البلدان الاوربية يلتقي الرئيس مع الوزير سعود الفيصل دون ان يرافقه الشيخ والاستاذ ويغادر الى جدة ليتفاجا الجميع بذلك ماعدى رجل الاعمال اليمني شاهر عبدالحق وعاد الرئيس من جدة وقد استنفرت قوى الأمن طلاب المدارس والموظفين والعسكر لاستقباله استقبال الفاتحين وكأنه استعاد الأراضي اليمنية المغتصبة .

ولم يتبق إلا مصادقة مجلس النواب على هذه الاتفاقية الذي لم يبخل على متبنيها بالمصادقة عليها في مدة لا تتجاوز أسبوعين بحكم أن أغلبية أعضائه معينون أو بالأصح مرشحون من قبل الرئيس القائد الذي جاء دوره في آخر المطاف ليصدرها بقانون رقم 16 لسنة 2000 الصادر بتاريخ 24 ربيع أول 1421هـ ( 26/6/2000م) مستندا إلى تصرف حسن الإدريسي والإمام يحيى وعبد الله الوزير وعبد القادر باجمال ومجلس النواب فدوره الظاهري لا يتعدى التصديق على تلك الاتفاقيات الثلاث بعد توقيع السلطة التنفيذية وموافقة السلطة التشريعية دون أن يتحمل أدنى مسئولية، وليقفل به ملف الحدود اليمنية السعودية حتى أجل غير مسمى.

اشتغل الجهاز الإعلامي للنظام بتبرير قيام الرئيس بالاتفاقية والايحاء بان اليمن ستحقق مكاسب اقتصادية كبيرة ودعم للاقتصاد اليمني واشعروا الناس ان اليمنيين سيعاملون وفقا لاتفاقية الطائف بنفس معاملة السعوديين ورشوا الشعب اليمني بالوهم .

 وبعد ستة أشهر من الاتفاقية تتسرب معلومات مهمة عن ارتفاع مستوى الاحتياطيات النفطية للملكة السعودية بزيادة جديدة تتجاوز 130مليار برميل ،وسبق لشركة أمريكية متخصصة عن النزاعات الحدودية ومشاكل الثروات النفطية بين الدول نشرت هذه الشركة تقريرا خطيرا بعد حرب 94 عن طبيعة النزاعات بين السعودية وجيرانها وخصصت لليمن دراسة مهمة عن طبيعة الثروات الكامنة في منطقة الحدود والمناطق التي استولت عليها السعودية بعد 67في الوديعة والمناطق التي سيطرت عليها خلال حرب 94 وطموحاتها في فصل حضرموت عن اليمن الموحد قدمت تلك الدراسة ان منطقة المثلث الكامن في منطقة الوديعة يحتوي على اكبر حقل نفطي على مستوى الجزيرة وحقول نفط في مناطق الربع الخالي في الأراضي التي استولت عليها السعودية وقبلها قامت باستكشافات نفطية في مناطق المتداخلة بينها وبين ماكان يسمى اليمن الجنوبي ووجدت ثروات نفطية كبيرة الا انها اخفت كل تلك المعلومات وعدم تسريبها واعتبرتها من قضايا الامن القومي السعودي وساعدتها الاستخبارات الأمريكية على ذلك نتيجة لطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والتي كانت تواجه نفوذ السوفيت في المنطقة وحتى لايوثرعلى طبيعة المشاكل الحدودية وحلها مع اليمنيين وإضعاف موقفها أمام مطالبات اليمنيين الذين سيتشددون بمطالبتهم وفقا للحقوق التاريخية والمرجعيات القانونية التي لم تكن السعودية تمتلك مايبرر لها سيطرتها واحتلالها الأراضي اليمن وقد كان يخيفها تحول القضية الى التحكيم الدولي ، ولذلك كانت حريصة ومصممة على تحقيق فصل حضرموت في 94 وطرحت مشروع الاعتراف بدولة حضرموت مع العديد من الدول العربية وخصوصا دول اعلان دمشق ، وستستمر في طموحها هذا أيضاء لوصولها الى بحر العرب من خلال فصل حضرموت مستغلة ظروف الواقع اليمني ومشاكل الاحتقانات المتزايدة التي تنذر بأوضاع خطيرة لايستوعبها النظام الحاكم في اليمن والذي لن يستطيع ان يحافظ على الوحدة اليمنية فقد بناء طموحاته على حماية النظام والسلطة والسعودية دولة لاتتخلى عن طموحاتها وتحقيق مطامعها القديمة التي تعتبرها ضمن اراضيها ويقوى طموحاتها تلك تجنس الكثير من الحضارمة في السعودية ومنهم اكبر الاسر التجارية الكبيرة والذين يشعرون بأهمية ضم حضرموت إلى السعودية ليصبحوا ضمن النسيج للدولة السعودية أنسانا وأرضا .

ايضاحات عن المستور

الآن نعتقد أنه قد أتضح سبب إصرار السعودية على تجزئة اتفاقية الحدود اليمنية السعودية البرية إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، مختلفة الاتجاهات، واستمرار تناولها مجزئة في آخر معاهدة تمت في جدة عام 2000فإذا كانت اتفاقية الطائف قد تناولت جزأين من الحدود البرية فإن معاهدة جدة تناولت إضافة إلى ذلك جزأين آخرين جزء بري وجزء بحري كما يلي: فالجزء الأول خاص بترسيم الحدود الشمالية الشرقية والتي تبدأ من نقطة الحدود مع سلطنة عمان ويتجه غربا حتى ينتهي حيث بدأ الجزء الأول بمعاهدة الطائف، في جبل ثأر، البالغ طولها في حدود ألف كيلومتر، وهو الجزء الذي لم تتناوله اتفاقية الطائف بحكم أنه كان متعلقا بمنطقة غير مأهولة بالسكان أو غير ذات أهمية في وقتها، وهو المتاخم لحدود محافظي حضرموت والجوف وبعض من محافظة صعدة، فقد بتت فيه اتفاقية جدة عام 2000م، ورغم أنه أطول جزء من الأجزاء الخمسة إلا أنه لم يضم سوى 17 علامة حدودية، وهذا الجزء هو ما أشير إلى إحداثياته في جدول خاص به سمي بالملحق الثاني لاتفاقية جدة، وقد جاء مخيبا للآمال أكثر من غيره، فقد هبط في الجزء المحاذي لنهاية محافظة حضرموت وكل محافظة الجوف مابين علامات الحدود رقم7 ، 8 من 19.00 درجة إلى 16.57 درجة شمال خط الاستواء مشكلاً مثلثاً سعودياً داخل الأرض اليمنية، يبلغ! طول قاعدته الشمالية أكثر من مائة كيلومتر مرتكزا على رأسه في عمق الأرض اليمنية ملتهما شرورة والوديعة وما تبقى من قبيلة وائلة ويام وكثيرا من صحراء الربع الخالي.

فإذا كانت اتفاقية الطائف المؤقتة قد فتحت حضنها لمثلث سعودي في جبال عسير وتهامة الساحل، الذي سلب من اليمن أخصب أراضيها الممتدة من بني مالك وآل تليد في شمال غرب صعدة إلى الليث بتهامة وما يوازي ذلك في الجزر اليمنية داخل البحر الأحمر، فإن اتفاقية جدة قد فتحت حضن أكبر للمثلث السعودي في شرورة والوديعة، فهذا الجزء هو الذي كان ينقص السعودية، ولأنها تعرف أن أكثر أجزائه تتبع محافظة حضرموت الوادي ضمن ما أطلق عليه باليمن الجنوبي الشرقي فقد نجحت في توقيعه مع عبد القادر با جمال الذي تعتبره ممثلا للمنطقة الحدودية الشرقية.

والجزء الثاني الذي تناولته اتفاقية جدة هو المتعلق بالحدود البحرية، من رصيف البحر حتى آخر الحدود البحرية الإقليمية ويحتوي على أربع علامات حدودية فقط، وهو يمثل آخر انتكاسة لخط الحدود حيث حافظ على شدة ميلانه وانحداره من الشرق إلى الغرب بما يزيد على ثلاثين كيلومتر في عمق الحدود البحرية اليمنية فبينما كان خط رصيف البحر عند درجة 14، 16، 24 شمال خط الاستواء فإنه انحدر في عمق البحر إلى 16، 17، 24 شمال خط الاستواء وكل ذلك من أجل احتوى الحدود السعودية على بعض الجزر الهامة في البحر الأحمر التي هي موازية لخط الحدود البرية اليمنية، وقد أشير إلى إحداثياته في الملحق الثالث لاتفاقية جدة، فحتى الحدود البحرية لم تخلو من مثلث ثالث داخل البحر اليمني، فإذا كانت مدينة ميدي لليمن فإن البحر المقابل لها بجزره للسعودية تطبيقا لأواصر المودة والإخاء والعروبة والإسلام.

وهذا الجزء هو ما أشير إلى إحداثياته في المعاهدة النهائية عام ألفين في جدول 4 بالملحق الأول. أوجه الاختلاف بين الاتفاقيتين : وإذا جئنا إلى الاختلاف بين الاتفاقيتين فسنجد أن اتفاقية جدة لا تختلف عن مفهوم وفحوى اتفاقية الطائف إلا في رضوخ الجانب اليمني للجانب الآخر أكثر مما كان الرضوخ حال عقد اتفاقية الطائف يتضح ذلك من البنود التالية: :: تغيير مواقع أكثر علامات حدود اتفاقية الطائف متقدمة جنوبا إلى المواقع التي كانت السعودية قد وضعت يدها عليها رضوخا للأمر الواقع، فقد أشيع في وقت تحديث نقاط الحدود أن العلامات التي وضعت من قبل لجان اتفاقية الطائف قد أزيلت واختفت معالمها، كما أن القرى التهامية المذكورة في وصف علامات الحدود التي تتكون عادة من عشش من القش قد تغيرت أماكنها، وقد أعلن الخلاف في حينه حول ذلك بين اللجان المكلفة بت! جديد العلامات وتحديدها بالإحداثيات الجغرافية، وعلى سبيل المثال فموقع جبل ثأر الذي بدأ منه ترسيم الحدود كان محل خلاف معلن فالسعوديون يدعون أنه جبل آخر إلى الجنوب من الجبل الذي هو أصلا جبل ثأر، والذي تم فعلا هو رضوخ الجانب اليمني لما أملاه عليه الجانب السعودي لتحديد مواقع العلامات على الخط الذي كانت قد تقدمت إليه المملكة العربية السعودية منذ اتفاقية الطائف حتى عام 2000، إذ أن اللجان كانت على تواصل دائم مع رئيس الجمهورية وكلما أخبروه بنية الجانب السعودي أمرهم بتجاوز الخلاف والتسليم بما يصر عليه الجانب السعودي، وهذا يعني أن الجانب اليمني فرط حتى بخط الحدود الذي وصفته ملحقات اتفاقية الطائف، فلا بأس من قبول تسمية جبل آخر باسم جبل ثأر وعقبة أخرى بعقبة نهوقة ومضيق آخر بمضيق مروان وقرية جنوبية بقرية شمالية، بناء على الثقة المتبادلة والتعاون الوثيق بين الموقعين على هذه المعاهدة، خاصة وقد استفاد الجانب اليمني من خبرة السعوديين في كيفية التصرف بالموارد السيادية..

:: أما الاختلاف الآخر فإن الحدود في الجداول الوصفية الملحقة بمعاهدة الطائف قد حددتها في اتفاقية جدة إحداثيات تقاطع خطوط العرض والطول للكرة الأرضية بطريقة علمية بدلا عن الوصف الكلامي في ملحقات اتفاقية الطائف، وأصبحت مأمونة من التغيير مستقبلا حتى لو اختفت العلامات الإسمنتية، وقد خصص للإحداثيات ملحق رقم (1) مكون من أربعة جداول لكل تقرير جدول خاص به.

:: التغير الثالث أن معاهدة الطائف كانت غير نهائية أي أنها محددة بسقف زمني لا يتجاوز العشرين عاما، فهي قابلة للتعديل أو الإلغاء مستقبلا فيما معاهدة جدة نهائية لا رجعة فيها.

متى وكيف تستعيد اليمن أرضها .... الاتفاقية بملحقاتها أصبحت نهائية وأودعت في أرشيف الجامعة العربية والأمم المتحدة والمركز الوطني للوثائق! مما يوحي للبعض بأن التفكير في استعادة ما فات قد أصبح مستحيلاً، والحقيقة أن الأرض لا زالت يمنية رغم تلك المعاهدات، فعندما ينظر الإنسان إلى مواطنيها يجدهم بالجنابي والبنادق ويزرعون القات المحرم في السعودية وكلما طلبت الحكومة السعودية منهم التخلص من شجرة القات وتناولها ردوا بأنهم يمنيون، كما أن الكتابات المسندية للغة اليمنية القديمة المكتشفة هناك تشهد وتدل على يمنيتهم، وقد طرحنا موضوع الاستعادة في أحد الندوات على أكاديميين معارضين فلم يروونا جوابا فرغم أنهم من صفوف المعارضة إلا أنهم مضروبون بعود ذل حرية الكلمة، لكن الجواب جاء من المستقلين (ويأتيك بالأخبار من لم تزود)، فأحدهم يؤكد أن الدولة السعودية ستنهار قريبا وستتفكك أقاليمها المنزوعة من الدول والكيانات المجاورة! ويعود كل فرع إلى أصله تلقائياً، ومما يبشر بذلك أن آل رشيد أصحاب حائل قد أعلنوا معارضتهم وطالبوا باستقلالهم ، أما الذين باعوا الأرض مقابل حفنة من الأموال المدنسة والشعور بالأمان في الاستمراروالتخلد في السلطة فهم واهمون فهم سيسقطون لانهم بنوء علاقاتهم ومواقفهم وحكمهم على الخداع فسيأتي يوما يجدون أنفسهم يحاكمون كخونة ولن يجدى العض على الأنامل والاعتذارات ، وسياتي من يعيد الشعور بحق الشعب اليمني بأراضيه التي اغتصبت وحينها يستوجب إذكاء روح الوطنية في سكان تلك المناطق كآل عايض في عسير ليعلموا أن اليمن لا تزال مهتمة بهم، ودعمهم ليعلنوا استقلالهم كدولة مستقلة ومن ثم إعادة تحقيق الوحدة معهم بنفس الطريقة التي انفصلوا بها، فمما لا شك فيه أنهم غير راضين بوضعهم الرعوي الذي يعتبروا فيه مثل الأنعام تحت حكم أمير سعودي لا يمكنهم من أبسط المشاركة السياسية.

بقي أن نقول أنه مهما كانت معاهدة الحدود اليمنية السعودية مجحفة فإنه لا بد من حفظ وثائقها فهي لا تخلو من فائدة حتى لو لم تكن إلا لنقلها للأجيال القادمة لمعرفة ما فرط به آبائهم، لعلهم يستطيعوا استرداده، فهل قد احتفظ بها القاضي الجليل أبو الرجال؟ أم أن حفظها غير داخل في اختصاص مركزه؟ 

اتفاقية الطائف وجدة نسفت نظالات الشعب اليمني في استعادة الحقوق المعتصبة وخيانة للثورة والثوار.