مرحلة ما بعد القضاء على الحوثة
بقلم/ د. عبدالخالق هادي طواف
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 19 يوماً
الجمعة 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 04:07 م
تتابعت الحروب تلو الحروب ضد الحوثي وعصابته, حتى وصلت إلى الحرب السادسة والتي أُريد لها الآن أن تكون الأخيرة, وقد زادت ويلات الحرب في كل مرحلة, ولعل أكبر ويلاتها عندما وجد المواطن الغلبان نفسه أمام خيارين, وهما: أن يستمر في المجاهرة بالعداء للحوثي فيجد بيته وقد انفجر بفعل لغم غبي أرعن يقتل الشباب والشيب والنساء, وإما أن يتبع الخيار السهل وهو الانضمام إلى جماعة الحوثي لمدة بسيطة ثم "يخلع" ولكن دخول الحمام ليس مثل خروجه, ولا يلبث أن يجد نفسه قاتلاً للنفس المحرمة, ولا يجد غير عيش الكهوف والأوكار سبيلا, والدولة هي المسؤولة الأولى عن هذا الوضع, فلو كانت قمعت التمرد الصغير الساذج لما تفرعن الحوثه ليصلوا بأحلامهم إلى السباحة في مياه وشطآن البحر الأحمر.

أما وقد عزمت الدولة أخيراً على إنهاء التمرد بالقوة, فقد وجب التفكير منذ الآن في مرحلة ما بعد الحرب وهي أصعب المراحل, وهي المرحلة التي وجد الجيش الأمريكي العاتي نفسه يغرق في مستنقعها, واكتشف القادة العسكريين والساسة الأمريكيين أنهم لم يفكروا بجدية في مرحلة ما بعد صدام. وقد هزمتهم المقاومة نتيجة ذلك.

ونرجع بأذهاننا قليلا للوراء عندما احتل النازي باريس بالالتفاف عبر بلجيكا لتفادي خط ماجينو ودخلها الجيش الألماني خلال يومين, وفيما العالم فاغراً فاه دهشة كانت الخطة الألمانية قد تجاوزت الحرب واتجهت نحو إدارة المدينة والسيطرة على كافة مناحي الحياة فيها, وتنظيم منع التجوال, وتقديم الخدمات الضرورية للسكان.

وبعد ذلك هل يا ترى قد التفت الساسة والقادة في بلادنا إلى هذه المرحلة الصعبة التي تشابه فترة النقاهة بعد المرض والتي يخشاها الأطباء, ففيها تحدث الانتكاسات ويعاود المرض ضراوته, ويجب عندها أن يكون الطبيب جاهزاً لها, فهل الطبيب اليمني قد اعمل فكره قليلاً في هذه المرحلة ومتطلباتها وفرق العمل التي تنفذه عناصرها؟؟ لا اجزم أني مؤهل لدراسة مثل هكذا مرحلة, ولكني اكتفي بالسؤال وطرح بعض الأفكار وأترك لولاة الأمر الذين يقودون الحرب السادسة أن يعملوا فيها فكرهم.

مرحلة ما بعد الحرب في صعده في اعتقادي يجب أن تدرس في جوانب مختلفة كما يأتي:

-الجانب العسكري: يجب أن تصمم الإستراتيجية المناسبة والشاملة والسهلة الفعالة لبناء المعسكرات والمواقع والنقاط العسكرية والطرق الواجب أن ينفذها سلاح المهندسين وتحصينات النقاط العسكرية حماية للجنود من أي هجوم غادر, كما يجب أن تشتمل هذه الإستراتيجية على تحديد الأسلحة الواجب توافرها في كل موقع ومعسكر وحصرها بدقة منعا لبيعها كما يشاع, كما يجب هنا الالتفات إلى التدريب المستمر للأفراد وتدريبهم على فن التعامل مع الناس وكيفية فض النزاعات والخلافات, وما هي الحدود الفاصلة بين سلطات الحكم المحلي والسلطات العسكرية, وهل هناك ضرورة لإبقاء المحافظة تحت حالة الطوارئ, وما هي الحدود التي لا يجب أن ينتظر القادة هناك فيها أوامر عليا للتصرف. هل هذه الأمور وأخرى غيرها يجب أن تكون قد درست وفحصت وأقرت في الوقت الحالي, خصوصا وهذا السرطان يلفظ أنفاسه.

-الجانب الإنساني: وهنا يجب أن تكون اللجان المختصة وليست "اللجان إياها اللي نعرفها" وتكون مهمتها أن تتلمس جراح الناس وهمومهم وتطلع على المآسي وتسجلها

-الجانب التعليمي والثقافي: في هذا الجانب المهم يجب أن تنبري الخطة الإستراتيجية للوضع ما بعد الحرب إلى جهود التربية في تشكيل الوعي وتصحيح المسار التربوي والتعليمي وتنظيم شروط ومعايير المدارس الدينية المنتشرة في صعده, وهنا يجب الالتزام باحترام المذهب الزيدي الأصيل والذي لا يؤمن به غير اليمنيين ذوي العقول الأصيلة, حيث يجب التفريق بين من مذهبه اللعن والسب والشتم والغوغائية وبين الفكر المعتزلي الراقي, كما يجب الانتباه إلى عدم تمكين جماعة السلفيين من رقاب المهزومين, حيث إننا لا زلنا نعاني حتى وقتنا الحاضر من أولئك الذين تطوعوا في الجيش النظامي لاقتحام تحصينات عدن إبان حرب صيف 1994 وقاموا بدخول ممتلكات خاصة ومارسوا السلب والنهب الذي تعلموه من أسلافهم على يد الطاغية احمد حميد الدين.

وبنفس المقدار والاتجاه لا يجب أن يحتل السلفيون مساجد جدد ولا يجب أن يسمح لهم بغزو أو اقتحام مساجد جديدة, كما يجب أن تنتبه الدولة إلى إن السياسة الأكثر حكمة على المدى الطويل هي التعامل مع جميع الجماعات والمذاهب بعدالة ومساواة وعدم التكفير في ضرب جماعة بأخرى وتمزيق عرى المجتمع وإفساد لروابطه.

كما يجب أن تعد وزارة التربية والتعليم إستراتيجيتها لقوتها العاملة في صعده هل ستبقى نفس القوة التعليمية يمارسون التربية والتعليم في مدراس المحافظة أم سيتم تشكيلهم بعناية تناسب المرحلة الجديدة, وماذا بخصوص من تورط في التحريض للفتنه.

-تجارة السلاح والمخدرات: يجب أن تعمل الحكومة بكل ما تستطيع من قوة لاجتثاث تجار السلاح والمخدرات من هذه المحافظة, عن طريق التواجد الفعال والمؤثر في الأماكن المشتبه بها وتوفير الحوامات والطائرات العمودية لسرعة التنقل والمراقبة, وهنا يجب أن تسهم الشقيقة السعودية في تمويل تفاصيل هذه الخطة لما يندرج فيها من حفاظ على أمن المملكة نفسها.

-الجانب التنموي والتعمير: ونصل هنا إلى الجانب الخطير والهام والذي يستدعي من الحكومة منذ الآن الإعلان عن إنشاء صندوق دولي لإعادة إعمار صعده, ويجب أن يتولى هذا الصندوق مختصين يكونوا على دراية تامة بالمنطقة وظروف الحياة فيها, كما يجب أن يتم التعمير بصورة نزيهة بعيداً عن المجاملات والواسطات. إن العمل يجب أن يتم وفق معايير وقيود تجعل من مسألة حدوث أخطاء في التعويض لأناس لم يفقدوا شيء وترك من تضرر فعلا بدون تعويض مسألة مستحيلة الحدوث, وعليه فإن السلطة المحلية يجب أن تعد منذ الآن كشوفات بأسماء المتضررين وترك تحديد قيمة التعويض لما بعد. إن هذه المرحلة ستشهد توترات وأخطاء بسبب عدم وجود قاعدة بيانات وافية للمتضررين الفعليين إلا إذا كان الجيش لديه معلومات وافية عن المباني التي قام بقصفها والمباني التي قام الحوثة بتفجيرها, وهنا كذلك فإن الإمكانيات المحدودة تحول دون نجاح هذه المرحلة ما لم يتدخل الخليجيون لملء معين هذا الصندوق وذلك يسهم في نجاح القضاء على مثل هكذا تمرد في المستقبل وهو ما يعد إضافة في لبنة الأمن القومي لليمن والخليج.

-فيما يتعلق بقادة الحوثة: إن القضاء يجب أن يأخذ مجراه في محاكمة من ثبت تورطه في إراقة دماء إخوانه اليمنيين وعدم صدور عفو رئاسي ولتأخذ العدالة مجراها لأنه ليس من المنطقي أن يتم العفو عن أناس قتلوا وفجروا ودمروا وهتكوا الستور والأعراض.

-فيما يتعلق بالأزمة السياسية مع اللقاء المشترك: فستجد الكثير من الأمور العالقة حلاً لها في حال نجاح الحكومة في التعامل مع أزمة ما بعد صعده, حيث إن المراهنات كثيرة على مصائب تجتاح صعده أثناء الإعمار نتيجة لسوء إدارة الأزمات التي عودتنا عليها الحكومة بين الحين والآخر, ولكن الحسم في حد ذاته لمعركة صعده يمثل حلاً نموذجياً للازمات المتتالية مع المشترك.