الخيارات ألإنقاذية للثورة المصرية..
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 30 يوماً
الأحد 27 مايو 2012 05:34 م

وضعت النتائج الشبه نهائية والأولية للإنتخابات الرئاسية في مصر , الثورة المصرية وقوى التغيير على المحك وعلى حافة الهاوية والسقوط , مع صعود نجم المرشح أحمد شفيق الى الصدارة ليتبوء المرتبة الثانية بعد محمد مرسي مع فوارق نسبية ضئيلة جداً , مما دقّ ناقوس الخطر على الوضع السياسي في مصر بشكل عام , مهدداً بعودة الفلول الى الساحة السياسية مجددا وبطرق شرعية و قانونية , وعبر صناديق الإنتخابات , فتكاتفت الجهود الحثيثة وعلى مدار اليوم والساعة و اعلنت عن تحركات مكثفة واجتماعات عاجلة للخروج من مأزق الإنتخابات الرئاسية , التي فاجأت الجميع وتمثل خطرا ممتداً على ثورات الربيع العربي خاصة في سوريا واليمن , لما تمثله من إحتمالية عودة الأنظمة الديكتاتورية المستبدة الى سدة الحكم مجدداً, وتعتبر بذلك إنذاراً مبكراً بفشل الثورات العربية واخفاقها في جمع التأييد الشعبي المطلق , خاصة لما لعبته الفئات الصامتة من ادوار مؤثرة في ازاحة مؤشر نتائج التصويت الى مراحل قياسية امامية لمرشح الرئاسة أحمد شفيق ,ساهم في صعود نجم احمد شفيق عدة عوامل أهمها..

 1- إنعدام الثقة الشعبية المطلقة تجاة دور الإخوان المسلمين , واتساع هوة الخلاف خاصة بعد الفشل في تحقيق اكثر الوعود الانتخابية بعد حصول الجماعة على نصيب الأسد في الانتخابات البرلمانية ومجلس الشورى.

 2- اتساع فجوة الخلاف بين المجلس العسكري وقوى الثورة ساهمت قوى الفلول في تأجيج حدة الخلاف بينهما.

 3- الدعم الخارجي السخي لقوى معينة في الانتخابات الرئاسية ساهمت بطريقة غير مباشرة في احتمالية عودة النظام السابق الى سدة الحكم.

 4- تشتت وتبعثر الأصوات الانتخابية لكثرة المرشحين , بما يعكس مدى الخلاف والشقاق بين القوى الثورية والمستقلة , مما ساهم في ضياع وتلاشي زخم الصوت الانتخابي الحر , وانحساره في موجة التصويت الشعبية التي ساقت بصورة عفوية لفوز احمد شفيق ووضعه في المرتبة الثانية.

5- اثبات عدم قدرة الثورة في الفترة التي تلت سقوط النظام من احداث تغييرات ملموسة على ارض الواقع المصري وكسب ثقة ورضا الكثيرين, خاصة مع حملة استعداء شخصيات وطنية وعامة افقدت القوى الثورية قوتها ورونقها.

6- كما لعبت وسائل الاعلام الداخلية والخارجية أدوارا مؤثرة في تمزيق الاجماع الوطني وتناثر الرؤى والأصوات بين مختلف اطياف الشعب المصري كل حسب هواه وميوله, وعدم تركيز الجهود الوطنية الى مرشح وحيد لكسب الرهان الإنتخابي وبجدارة.

وما أسفرت عنه النتائج النهائية أنها أدت الى إستنفار جماعة الإخوان والقوى الثورية لتلافي نتائج التصويت وسحب البساط من تحت اقدام الفلول واعادة الوطن الى مربع الثورة والتوزان , رافق حملة الاستنفار الطارئة تحركات جماهيريه سياسية محلية ودولية كبيرة وحملات شبابية حامية الوطيس لإنقاذ الوطن المصري والثورة , وجندت جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب والمكونات المنضوية تحت لوائها وسائلها الاعلامية وحملاتها الدعائية لفرض واقع جديد ومقترح مفاده توحيد سيل الاصوات ليصب في مجرى المرشح الإخواني محمد مرسي كمرشح توافقي عبر اتفاق مسبق ومساومة سياسية مما يفضي الى تبوء حمدين صباحي مقعد نائب الرئيس , مع خطر احتمالية صعود أحمد شفيق الى رئاسة الحكومة او مركز نائب رئيس الجمهورية , طبعا هذا المقترح وان كان فيه نظرة انقاذية -نوعا ما- الا انه لم يلق ترحيبا وقبولا واسعا من قبل أغلب مختلف الاطياف المصرية لانحصاره في جماعة الاخوان واستفرادها بالسلطة وإمساكها لزمام المبادرة منفردة, ولغموض الرؤية المستقبلية ونتائجها ووعودها الغير مضمونة والتي قد تكون كالسراب.

الشباب بدورهم وضعوا مبادرة انقاذية أخرى اكثر فاعلية ومصداقية وعملية وذات جدية اكبر , ان طبقت على ارض الواقع بحذافيرها خلال الفترة الزمنية القادمة ستنتشل الثورة المصرية من مستنقع الاحباط والتآمر وتنقذ البلد من مغبة الوقوع في براثن النظام والفلول و تساهم بعودته مجددا الى أحضان الثورة والتغيير, وكان الإقتراح المتداول -والذي طرح فعلا مؤخرا- عبر بعض المكونات الحزبية والمستقلة بدعم ترشيح حمدين صباحي مع تنازل محمد مرسي وانسحابه كليا من العملية الانتخابية , وتنازله عن الاصوات في مرحلة الاعادة الثانية لصالح الأخير , وحتى اللحظة كانت ردود الافعال متباينة وغامضة تجاه هذا المقترح , وربما مازال المقترح الجرئ في طور الدراسة والتمحيص من قبل اكثر التوجهات السياسية الإخوانية , فهل سيتنازل الاخوان طواعية و عن طيب خاطر لصالح الوطن , ام ان ركوب الموجة الثورية و التعطش والشبق السياسي لكسب المزيد و التطلع لمنصب الرئاسة أعمى القيادات الاخوانية عن رؤية حقيقة الأوضاع , وعن التنازل لما فيه مصلحة الجميع , فهل مازال ذلك الحلم التأريخي بالخلافة الاسلامية يراود الجماعة , ويمثل نهجها ومبدأها واسلوبها المتبع وان توارى تحت مسميات وغطاءات عدة , فهل هذا الحلم الأبدي الخالد حسب ما نصت عليه أدبيات ونصوص الجماعه المستلهمة من روح افكار حسن البنا وسيد قطب مازال معشعشاً في الرؤوس والعقول.

اكثر الاحتمالات الواردة تقول ان جماعة الاخوان المسلمين سترفض هذا الطلب و بقوة , وستتجه قدما الى الدور الثاني مغامرة حتى مع احجام اكثر القوى الوطنية عن الدعم والتصويت , وربما لتتفرد بالسلطة وحيدة في ظل خيارات صعبة مع احتمال فوز أحمد شفيق بمنصب الرئاسة , وحينها ستنسف العملية الانتخابية والثورية معا , وتقلب الطاولة الثورية على رؤوس الثوار, وتهدم المعبد على رؤوس اصحابه , اذا تمسكت القيادات الاخوانية بالعناد المفرط وخيارات الاستفراد بوهم السلطة والأنانية المفرطة في قيادة الوطن المصري , ستجر مصر الى ويلات ومخاطر عديدة , لن يكون اقلها عودة الفلول الى هرم السلطة , هذا في حال تأجج الاوضاع واستعار نار الفتنة مجددا , والتهاب الشارع وربما عودة ثورة انقاذية وليدة جديدة , وما يؤيد هذه الفرضيه الصاخبة حملة الطعون المقدمة والبلاغات العديدة ضد النتائج الإنتخابية , والإتهامات المتبادلة بشراء الأصوات وتزوير البطائق الإنتخابية , مع الانتشار الأمنى الغير مسبوق ,و التي بدورها قد تنتقل الى الشارع في اي لحظة , وتزيد من حدة وتأزم الاوضاع الأمنية في ظل مظاهر التمرد والتذمر الشعبي العارم .

وسارع أحمد شفيق الى الاعلان بطريقة متعمدة واستفزازية مخاطبا الشباب ’’ان الثورة مختطفة وتعهد بإعادة ثمارها الى الجيل الشاب ’’, ومن ناحية أخرى سارع محمد مرسي بالرد و اطلاق التصريحات والردود القوية مهددا من مخاطر عودة نظام حسنى مبارك ومحذرا من مغبة الفشل الانتخابي , و بذلك مخالفين قانون الإنتخابات بانتهاك حرمة الصمت الانتخابي ووقف الحملات الانتخابية , خاصة فيما يخص استثمار كليهما ورقة العلاقات العربية الاسرائيلية , والدعوة الى استمرار الباب مواربا لمفاوضات مستقبلية حيال القضية الفلسطينية , اذن كل طرف يستثمر الأوراق قدر المستطاع لكسب المزيد من الرضا الدولي والتعاطف المحلي و جذب الأصوات , مما حذا بالكثير من رجال القانون بوضع فرضية حبس عام لكليهما أمرا واردا.

نتائج الانتخابات اضافت نقلة نوعية ودفعة معنوية وحماس عال للفلول في اثبات شرعية النظام السابق وأحقيته في الحكم ومواجهة قوى التغيير , دلّ على ذلك تصريحات سوزان مبارك مباشرة بعد المراحل الاولية للتصويت مفادها ’’ان الشعب المصري اثبت مما لا يدع مجالا للشك رضاه عن أداء نظام حسني مبارك’’ , مفاجآت اللعبة الانتخابية لم تتوقف عند هذا اللغط وتباين المواقف واحتدام الحملات الاعلامية والدعائية , بل وصلت الى الاتهام بالتزوير تارة وتارة أخرى بشراء الاصوات والذمم والنيل من قدسية العملية الانتخابية , وما تمثله هذه النتائج من منعطف خطير وهام لجماعة الاخوان في اثبات حسن النوايا ومدى مصداقيتها في الحفاظ على المبادئ الثورية وتضحيات الوطن المصري , حيث تعتبر اول عملية وتجربة سياسية للجماعة للمضي قدما الى مركز القرار الاول وقمة الهرم السلطوي , وان اثبتت مبدئياً فشلها السياسي في التعامل مع الثورة والمسار السياسي الصحيح , واثبتت عدم القدرة على قراءة الأحداث والتنبوءات المستقبلية القراءة الصحيحة.

على المستوى الدولي ظهر إرتياحاً كبيراً من بعض الأطراف الدولية لنتائج الإنتخابات خاصة اسرائيل , التي سارعت الى الإعلان صراحة -وان كان بصورة غير رسمية و مباشرة- الى الاطمئنان البالغ والإرتياح الشديد الى المرشح أحمد شفيق لما يمثله من مرونة في التعامل مع العلاقات العربية الاسرائيلة , وعمّت موجة من الإرتياح الغربي والخليجي من احتمالية فوزه , لما يمثله الإخوان من خطر إقليمي على المنطقة والخليج خاصة , خاصة بعد الخلافات الحادة بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجماعة بسبب بعض تصريحات القيادات الاخوانية البارزة , وردات الفعل بعد اتهامات ضاحي خلفان قائد شرطة دبي للشيخ القرضاوي بالسعى مع الجماعة لقلب الأنظمة الحاكمة في الخليج , والتهديد باعتقاله , مما سارعت بعض الوساطات لتهدئة وتلطيف الأجواء المشحونة خليجياً مصرياً.

ومع بروز قضية المحامي الجيزاوي المعتقل في السعودية الى السطح سببت شرخا كبيرا في العلاقات السعودية المصرية , هذا الفتور النسبي في العلاقات المصرية الخليجية ظهر بقوة بعد صعود التيار الإسلامي ثورات الربيع العربي , وعلية يمثل صعود الإسلاميين الى قمة الهرم المصري خطرا حقيقيا لدول الخليج والغرب , لن نتناول هنا دراسة تأثيرات نتائج الإنتخابات الرئاسية المصرية وتداعياتها الدولية , ولكن ربما بنظرة عميقة متكاملة و شاملة قد تقودنا الى مربط الفرس في تفسير أسرار وخفايا النتائج الإنتخابية من كل الجهات, و ما يهمنا القول هنا فعلا ان مصداقية الاخوان في انقاذ الثورة المصرية اصبحت الآن على المحك و فريضة واجبة وواجب وطني ملّح لإخراج الوطن المصري وانقاذه , والقبول بمقترح مختلف التيارات الوطنية المصرية بتنازل محمد مرسي لصالح حمدين صباحي , الذي سيضيف- إن فعلت ذلك- إيجابيات ونقاط عديدة لصالح تيار الإخوان مستقبلا , ويساهم في تقارب وجهات النظر وانحسار هوة الخلاف واثبات مصداقية الإخوان , ويقود الى انجاح الثورة المصرية , وسحب البساط من تحت اقدام الفلول والنظام السابق , وفي حال تم الطرح والقبول بخيارات إنقاذية أخرى , ستكون بمثابة الإنتحار السياسي وخنق الثورة الشعبية رسمياً , وستكون نتائجها وخيمة وغامضة و كارثية لايحمد عقباها , ولن تتوقف تداعياتها على مصر فحسب بل ستمتد لتشمل دول الربيع العربي بشكل عام .