ظاهرة الثأر والعوامل المؤثرة
بقلم/ نعمان القردعي
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
الثلاثاء 13 إبريل-نيسان 2010 07:39 م

عندما نتكلم عن الثأر فنحن نتحدث عن مشكلة ذات جذور عميقة , ولها تأريخ طويل وأولاً نتفق على معنى لكلمة , وماذا تعني هذه الكلمة؟.. وبما أنه لا يوجد تعريف محدود ومتعارف عليه .

فمعنى الثأر من منظوري الخاص:هو الانتقام وردة الفعل المعاكسة . أو الأخذ بالحق المسلوب. فعندما يتعرض أي شخص لظلم ما فهو يقول لا بد أن آخذ بثأري أو بحقي , وهذه الظاهرة تزيد وتنقص من مجتمع إلى آخر, ومن فترة زمنية إلى أخرى بحسب العوامل المؤثرة في ذلك ومن أهم العوامل المؤدية إلى انتشار ظاهرة الثار:ـ

1.الجهل: والجهل يتفرع إلى عدة فروع ويتجزأ إلى أجزاء , فمن الجهل الإقدام على الجريمة ذاتها التي تؤدي إلى تفاقم الأوضاع وتفشي ظاهرة الثأر , ومن الجهل أيضاً ردة الفعل والذي عادةً ما تزيد على حجم الحق المأخوذ أو المسلوب أو الظلم الواقع ومن الجهل الاقتصاص بعض الأحيان من غير الجاني . فبعض الأحيان يُقتل غير القاتل فهم يقولون أن وجدت الغريم. أو ابن عمه أو ابن قبيلته . وهذا نتيجة الجهل , ومن الجهل أيضاً التباهي والتفاخر. فكل فرد وكل قبيلة تتفاخر وتتباهى بنسبها وحسبها وقوتها وشدتها في ردة الفعل. وهذا ما نجده في معظم أشعار شعراء الجاهلية وحتى شعراء اليوم فقد قال الشاعر في الجاهلية:

ألا لا يجهل أحد علينا *** فنجهل فوق جهل ألجاهلينا والدليل على أن الجهل من العوامل المؤثرة في انتشار ظاهرة الثأر العصر الجاهلي كان أخصب الأزمان والأوقات لهذه الظاهرة فقد كانت في أعتا مراحل عنفوانها فقد كانت مجتمعات وقبائل ذلك العصر تقيم الحروب على أتفه الأسباب وتنشأ المشكلة من لا شيء بسبب بسيط ونتيجة الجهل يكون الأخذ بالثار والاقتصاص , فقد أمرنا أن السن بالسن والعين بالعين والأذن بالأذن والجروح قصاص ويأتي علاج هذا الأمر من خلال التمسك بتعاليم ديننا الحنيف والتمسك بالقيم والتعاليم الإسلامية السمحاء والتوعية العامة ومحو الأمية ونشر الثقافة التي تساعد على كشف الجهل ومحوه من أوساط المجتمع ونبذ العنف وذم النخوة الجاهلية العمياء التي تقود الأفراد والمجتمعات إلى التهلكة .

2.ومن العوامل المؤدية ظاهرة الثار:ـ وجود الظلم وضعف العدالة فكلما ضاعت العدالة من أي مجتمع من المجتمعات كلما تزايدت ظاهرة الثأر , فلو كانت العدالة موجودة لما أقدم الجاني على فعلته , ولما أقدم المنتقم على انتقامه أو على الأخذ بالثأر , ولتركوا الأمر للعدالة والعدالة ستأخذ مجراها وتنصف المظلومين من الظالمين والاقتصاص من المذنبين , ولكن ضعف الدولة وانتشار الرشوة والتلاعب بقضايا الناس من قبل الحكام والمحاكم جعلت الناس يعتمدون على أنفسهم في أخذ الثأر لأنفسهم بأنفسهم , مما أسهم في انتشار ظاهرة الثأر وتفشيها في المجتمع .

وإذا أردنا أن نستدل على أن الظلم وضعف العدالة من العوامل المؤدية إلى انتشار ظاهرة الثأر نرجع إلى العصر الجاهلي كدليل وكبرهان لصحة هذا الكلام فقد تميز العصر الجاهلي بانتشار هذه الظاهرة , فعندما ضاعت العدالة وانتشر الظلم في ذلك الحين انتشر فق المقابل تفشي ظاهرة الثأر ونجد علاج هذا الأمر في إرساء قواعد العدالة وتقوية الأجهزة الأمنية للدولة , فنجد معظم القبائل اليمنية يحملون السلاح وعندما تسألهم عن السبب أو عندما تطالبهم الحكومة بوضع السلاح يكون جوابهم (وفِّــروا لنا الأمن وسوف نضع السلاح) ولكنك تجد القاتل يَقتل في العاصمة , وأيضاً من العلاج لهذا الأمر نبذ الرشوة ومحاسبة المرتشيين وحسن الاختيار للقضاة النزهاء المتولين قضايا العامة , وتنفيذ الأحكام العادلة ضد المجرمين.

3.ومن العوامل المؤدية إلى انتشار ظاهرة الثار الفقر:- فالفقر يعتبر أحد العناصر المهمة والمؤدية إلى انتشار ظاهرة الثأر, فالفقر يولد السارق ويولد القاتل ويولد قاطع الطريق , وهذه العناصر تصبح من المسببات في وجود ظاهرة الثأر في المجتمع وبين أفراده وكافة شرائحه المتعددة , فقاطع الطريق يسلب وينهب ويقتل من أجل إشباع جوعه , وبعد هذا يأتي رد الفعل المعاكس والمتفاوت , والسارق كذلك والقاتل كذلك , وكل هذا نتيجة الفقر وكل هذه المسائل لها تداعيات مؤثرة في انتشار ظاهرة الثأر.

4.ومن العوامل التي تساعد في انتشار ظاهرة الثأر البطالة:- فانتشار البطالة ينتج عنه أعمال التخريب والفوضاء ونشوب الفتن وإشعال الحروب والمشاكل بين أفراد المجتمع وبين القبائل ويرجع السبب إلى أفراد يعانون من فراغ قاتل يشغلون أوقاتهم بأعمال عادة ما تكون لها آثار سلبية على الفرد والمجتمع وتكون النتائج تفشي الثار وانتشاره ويأتي علاج هذا الأمر من خلال توفير فرص العمل لكل العاطلين وشغل أوقاتهم بالعمل.

5.ومن العوامل المؤدية إلى انتشار ظاهرة الثأر:- العصبية القبلية , وعادات وتقاليد المجتمعات ذات التركيبة القبلية والأسلاف والأعراف المتعارف عليها بين القبائل , فهناك قوانين تعتمدها القبائل فيما بينها لحل الخلافات والنزاعات , وعادةً ما يكون لهذه القوانين آثار سلبية ينتج عنها تزايد ظاهرة الثار , ومن آثار التعصب القبلي الأعمى انتشار ظاهرة الثار , فعندما يتعرض أي فرد من أفراد القبيلة لظلم أو قتل أو غير ذلك تكون الصلاحية مخوله لأي فرد من أفراد القبيلة في الأخذ بالثار ولو كان من غير الجاني كما أسلفنا سابقاً أن بإمكانك الاقتصاص من غير الجاني وهذا يشجع الأشرار بين أفراد القبائل في تغذية الفتن , وهذا كله نتيجة العصبية القبلية التي تساعد في عملية انتشار ظاهرة الثار ويأتي علاج هذه العوامل من خلال الدراسة الدقيقة والشاملة ووضع الحلول المناسبة ومع مرور الزمن نستطيع محو هذه الظاهرة بتعاون وتكاتف الجميع.

وفي الأخير يمكن لنا إيجاز ما سبق ذكره في مجموعة من البنود نعتبرها خلاصة ونعتبرها علاج ضد تفشي ظاهرة الثار وهذه البنود هي كالآتي:

1-محو الجهل بكافة السبل والوسائل والتربية الصحيحة القائمة على التعاليم الإسلامية السمحاء ومحو الأمية ونشر التعليم إلى كل المناطق وإتاحته للجميع دون خصخصة . بحيث أنه لا يستطيع الفقراء من الشعب تعليم أبناءهم في المدارس الخاصة , وإنشاء مدارس لتحفيظ القرآن والتربية الإسلامية كون المناهج اليوم أصبحت نادرة منها التربية الإسلامية إلا بنسبة بسيطة جداً وهذا من مظاهر الغزو للإسلام والمسلمين.

2-تفعيل دور الراعي سواءً كان الراعي حكومة أو رئيس أو شيخ قبيلة أو عشيرة ولكن بشرط أن يكون هذا التفعيل متوازي مع العدالة وليس تفعيل هذا الدور مع غياب العدالة كما هو موجود اليوم , فعندما ترسى قواعد العدالة وتتوفر للجميع دون أن يشوبها شائبة ونبذ الظلم وردع الظالمين بالأحكام الصارمة والتي تكون درس لكل ظالم .

3-التكاتف والتضامن الاجتماعي لتقليص ظاهرة الفقر وهنا يكمن دور الدولة , فيجب على الدولة دعم المواطنين بكافة الطرق والوسائل. مثل دعم المزارعين بأدوات الزراعة وبأسعار ميسرة وتقديم القروض دون فوائد للمواطنين بحيث يستطيع المواطن من خلال القرض أن ينشئ له مشروع يعتمد عليه في النهوض بمستواه المعيشي ودعم الحرفيين وتشجيع الحرف ودعم كلاً في مجال عمله وتخصصه , وبهذه الصورة نقلل من مستوى الفقر, وبذلك نقلل من ظاهرة الثار.

4-توفير فرص العمل في كل المجالات للشباب والشابات . فمثلاً الشباب المتخرجين من الجامعات والمعاهد يجب أن يكون تنسيق من قبل الجامعات والكليات مع الوزارات لاستيعاب المتخرجين .. فمثلاً تنسق جامعة الطب مع وزارة الصحة, وكلية الشريعة والقانون مع وزارة العدل وهكذا ... وتشجيع المبدعين وتشجيع الحرفيين وإقامة المصانع لتنمية مواهبهم وأخذ العمال لمرافق العمل مع الدولة والقطاع الخاص واستقطاب كل يد عاملة وشغلها بالعمل وكلاً في مجال عمله ومجال تخصصه , وبهذه الصورة نقلل من البطالة بين أفراد المجتمع , وبذلك نقلل من ظاهرة الثار.

5-محاربة العادات والتقاليد السيئة والنخوة الجاهلية والعصبية القبلية من خلال التوعية وإنشاء النوادي الثقافية ويكمن هنا دور وزارة الشباب والرياضة , وأيضاً تكون هناك دورات توعوية من قبل الدولة للشخصيات الاجتماعية المؤثرة مثل المشايخ والأعيان والذين لهم تأثير كبير على أفراد القبيلة والمجتمع وتثقيفهم وذم العادات السيئة المتوارثة جيلاً بعد جيل بسبب العادات والتقاليد القبلية , ومن خلال أيضاً خطباء المساجد الذين لهم تأثير كبير على المجتمع لنبذ ما هو ذميم ودعم ما هو حسن من هذه التقاليد.