اليمن...أوراق في سلَّة الجنوب
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 20 يوماً
السبت 06 يونيو-حزيران 2009 08:19 م

أوراق عجيبة غريبة في السلة، التناقضات تتناغم هناك ، أقصى اليمين وأقصى اليسار التقيا، تصافحا في عناق سينمائي عجيب في العربية السعيدة. ترى ما هي الحكاية؟ وكيف نتتبع خيوط القصة؟

الحوثيون أصحاب التوجه الطائفي، القائم على النظرة الاستعلائية المبنية على كون سلالة من السلالات فيها عنصر نبوي يؤهلها لما لا تصلح له غيرها، الحوثيون يتناغمون مع القيادات الانفصالية في الحراك الجنوبي وينوهون بعدالة قضية الجنوب. ترى هل وراء أكمات صعدة ما وراءها، وماذا يدور داخل الكهوف التي يختبيء فيها الذئب الإيراني؟

وماذا بعد؟

الجهادي القديم طارق الفضلي، سليل أسرة السلاطين إبان الحكم البريطاني، الجهادي الذي حارب تياره الماركسيين الروس في أفغانستان وعاد إلى الوطن ليتحالف مع الرئيس اليمني لمحاربة "الماركسيين اليمنيين" أبان حرب 1994م، طارق الفضلي اليوم يلقي بأوراقه دفعة واحدة في سلة زعماء الحراك الذين كان تياره يحاربهم ويستحل دماءهم ويحرض عليهم إن بدافع ديني أو بدافع الانتقام لسلطان أسرته الذي ضاع على أيديهم بعد خروج قوات الاحتلال البريطاني من عدن .

ترى ماذا يدور في رأس الفضلي وماذا يريد بحركته تلك تجاه الحراك، وهو الذي عوَّدنا على تغيير مواقفه السياسية بين الفينة والأخرى؟ وهل هناك رابط بين ما يدور في رأس الفضلي وما يدور في دهاليز الكهوف المظلمة في جبال صعدة؟

ثم ماذا؟

علامة استفهام أخرى يثيرها أبو بصير الوحيشي الزعيم القاعدي الذي لا تشبه زعامته إلا زعامة صاحبه أبي عمر البغدادي في دولة العراق الإسلامية .

ماذا أراد أبو بصير باقتحامه القوي لخطوط التماس الملتهبة في اليمن؟ أبو بصير القاعدي يمد يده للانفصاليين ويعلن دعمه لمطالب "الماركسيين الكفار" حبكة هوليودية مثيرة ومحيرة. أليس كذلك؟

والأدهى من ذلك فإن الحوثييين الطائفيين اليوم يمدون أيديهم إلى القاعديين! ما الذي وفق ما بين النقيضين، ما الذي جعل "الحوثي" يمد يده إلى "العوفي" الذي سلم نفسه لأجهزة الأمن السعودية وكشف عن تفاصيل مثيرة ومحيرة وعروض للتعاون من طرف الحوثيين مع القاعديين لضرب المصالح الوطنية للبلدين الشقيقين: اليمن والسعودية .

كيف تختلط الأوراق وتتناغم المتناقضات على هذا الشكل العجيب في اليمن؟ هل يكشف تنقل القاعديين بين أفغانستان والعراق عبر أراضي وتسهيلات الجار الشرقي لبغداد، هل يكشف ذلك عن شيء من المخطط الذي تديره عمائم الملالي لينفذه المقاتلون الجوالون من القاعديين، والذي سيكون مسرحه بلاد العرب ووقوده الشباب في العراق واليمن والسعودية وغيرها من البلدان العربية؟

وعودة إلى موضوع الانفصال، ما فائدة انفصال جنوب اليمن-لو حدث- لكل من الحوثيين والقاعديين ودعاة الانفصال؟

لا نملك تفاصيل الإجابة عن هذا السؤال، غير أن بعض الاستنتاجات يمكن عرضها بشكل مختصر في هذه العجالة :

دعاة الانفصال في الحراك يريدونه لأغراض مختلفة ترجع بعضها إلى ثارات حرب 1994م، وبعضها إلى أحلام أسرية في العودة إلى واجهة الحدث السياسي في الجنوب، ويرجع بعضها إلى رواسب ثورية تمتد إلى حقبة المد "التقدمي" لمواجهة الأنظمة "الرجعية" في المنطقة .

أما الحوثيون فإنهم يعرفون جيداً حقيقة حجمهم في الشارع السياسي اليمني، إذ لم يحصل تيارهم الطائفي إلا على مقعدين من جملة ما يزيد على ثلاثمائة مقعد في البرلمان اليمني في انتخابات 1993م. تقسيم اليمن-إذن-يفيد الحوثيين كثيراً بتخليص مشروعهم من المناطق الجنوبية والشرقية التي لا تنتمي مذهبياً إلى تيارهم، وسيعجل-في نظرهم-بعودة الشمال "الزيدي"-في نظرهم- إلى حكمهم. يعلم الحوثيون جيداً أنهم بحكمهم العنصري المذهبي لن يستطيعوا حكم اليمن من صعدة إلى عدن وأن الجنوب سيشكل عبئاً كبيراً على مشروعهم الذي يعد امتداداً لمشروع أكبر يتجاوز حدود اليمن إلى خارجها. الأفضل للحوثيين أن تذهب عدن إلى البحر حتى تتمكن صعدة من إرجاع صنعاء-عن طريق الخلايا النائمة والصاحية-لحكم "آل البيت" الذي استمر ألف سنة قبل عام 1962م في بلاد اليمن .

ولكن ماذا عن أبي بصير، ما هي حصته من صفقة الانفصال؟

هو الآخر يعلم أن جو الصراع المسلح والفوضى العارمة هي التي ستهييء لجيوشه فرصة الانقضاض على سلطة "المرتدين" الذين وضعوا أيديهم في أيدي "التحالف الصليبي اليهودي". غياب السلطة في اليمن يعني في فلسفة القاعدة بيئة ملائمة لزرع الأفكار ومحاربة المرتدين وإقامة إمارة قاعدية في هذا الجزء من الوطن العربي كي تنضم إلى غيرها من الإمارات في أفغانستان والعراق والصومال .

بقي القول إن تأييد الحوثي "الشمالي" صاحب شعار "الوحدة الإسلامية" التي تتنافي مع مبدأ الانفصال، وتأييد الوحيشي صاحب شعار "الخلافة الإسلامية" التي تدعو إلى أن يكون للمسلمين خليفة واحد، وكذا تأييد الفضلي صاحب الماضي الإقطاعي السلاطيني، تأييد هؤلاء المتناقضين لانفصال الجنوب إنما يشير إلى استغلال رخيص لمعاناة البسطاء لتحقيق أهداف سياسية لا يجمعها إلا أنها بعيدة كل البعد عن طموحات هؤلاء البسطاء في التخلص من الفقر والفساد في بلد إذا أطلَّ حاضره على تاريخه انكمش حياءً وخجلاً .

*كاتب يمني مقيم في بريطانيا

- نقلاً عن الشرق الأوسط اللندنية