من هو شافيز ولماذا يقف مع العرب
بقلم/ عبدالله القاسمي
نشر منذ: 15 سنة و شهر و يومين
الأحد 22 فبراير-شباط 2009 04:27 م

لا تكاد تسمع هذه الأيام إلا تمجيدا للرئيس الفنزويلّي هيقو شافييز والذي تحول إلى بطل لدى كل الشعوب العربية ترفع صوره في المسيرات ويتحدث عنه الخاصة والعامة في المقاهي ويهتفون باسمه لكن اغلبهم لا يعرفون من هو هيقو شافييز وكيف صعد إلى السلطة في فينزويلا ولماذا يكره أمريكا ويقف ضد إسرائيل ويساند العرب في حرب لبنان سنة 2006 و يطرد السفير الاسرائلي في الحرب على فلسطين .

. لم يكن الفينزويلي هيقو شافاز البالغ من العمر 46 سنة معروفا في فينزويلا سنة 1999 ،لكنه سيصبح الرئيس الأكثر شعبية في أمريكا الجنوبية وربما في العالم وفي نفس الوقت المكروه رقم واحد في الولايات المتحدة الأمريكية. 

هو قائد في الجيش برتبة مقدّم وصاحب أول محاولة انقلاب سنة 1992 ثم انتخب رئيسا لفينيزويلا في ديسمبر سنة 1998 . ومنذ تسلمه مقاليد السلطة وبدعم من القوى اليسارية ومن المحرومين بدأ " ثورة ديمقراطية سلمية " أربكت كل دعاة العولمة . إن هذه الإرادة في تغيير كلّ شيء تعتبر ترجمانا لسخط أغلبية المواطنين الفنزوليين على حالة الفوضى والفساد السائدة منذ أربعين سنة والتي يتحمّل مسؤوليتها " الحزب الديمقراطي المسيحي " والحزب الاشتراكي الديمقراطي " اللذان تقاسما السلطة طوال هذه الفترة . ورغم طابعهما الديمقراطي فقد سمحا ببناء احد أكثر المجتمعات فسادا وطبقية في العالم مما اوجد هوة سحيقة تفصل بين أقلية من الأثرياء وباقي الشعب . ويصبح الأمر أكثر غرابة عندما نعلم أن فينيزويلا رابع مصدر للنفط في العالم ، حيث جنت في السنوات الخمس والعشرين الماضية من مبيعات المحروقات حوالي 300 مليار دولار أي ما يعادل عشرين مرّة قيمة مشروع مرشال لكن أكثر من نصف السكان يعيشون في الفقر وربع القوة العاملة تعاني من البطالة وثلث الناشطين يعيشون بصعوبة . و الاقتصاد غير مهيكل وأكثر من مائتي (200) ألف طفل يتعاطون التسول .

فهل تعدّ إذن مفاجئة أن يهزم الحزبان التقليديان في الانتخابات الرئاسية ويتحصّلا على اقل من 9 في المائة من الأصوات مقابل 57 بالمائة لبرنامج السيد شافاز الذي دعا إلى لتكوين جمعية تأسيسية مكلفة بصياغة دستور ينظم البلاد ؟

و في مكتبه في القصر الرئاسي يسرد السيد شافاز عن ظهر قلب كلمات المفكر اليساري قرامشي " نحن نعيش مرحلة موت وولادة في الوقت نفسه :موت نموذج متهرئ مريض ومكروه ، وولادة مسار سياسي جديد ومختلف يحمل أمل شعب . فالقديم يتأخر في الموت والجديد لم يتبلور نهائيا بعد لكن هذه الأزمة تؤكد ثورة "

فما طبيعة هذه الثورة ؟ يقول السيد شافاز " إلى جانب الأزمة الاقتصادية عرفت فينزويلاّ أزمة أخلاقية بسبب انعدام الحسّ الاجتماعي لحكّمها فالديمقراطية ليست فقط المساواة السياسية أنها كذلك المساواة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ... أني أريد أن أكون رئيسا للفقراء ، يجب علينا استخلاص الدرس من فشل الثورات الأخرى مؤكدين على نبل أهدافها التي وقعت أما خيانتها أو مواصلتها لكن على حساب الديمقراطية التي وقع دوسها في الأثناء ."

وقد بادرت بعض وسائل الإعلام العالمية مثل " ذي نيورك تايمز " ... اتهام السيد شافاز ب "المتسلط..ذو الجذور الاوتقراطية " والقيام " بانقلاب ذو شكل عصري " وكل جريمته انه يحاول ان يعيد توزيع الثروة في بلد هو خامس منتج للنفط في العالم وغالبية شعبه من الفقراء .

 فبالرغم من الجو المشحون الذي تعرفه فينيزويلا ، حيث تكثر النقاشات والمشادات السياسية لم تحدث حتى الوقت الحاضر عمليات عنف خطيرة ، وليس هناك أية ضحية أو أي نوع من الرقابة على المعارضة السياسية والصحفيين ووسائل الإعلام التي لا تتردد في نقد الرئيس الجديد شافاز بشدة وعنف .

ويرى السيد شافاز " أن هذه الاتهامات مؤسفة لأنه بعكس ما قيل عنّا نريد المرور من الديمقراطية التمثيلية ـ التي لا نعاديها بالضرورة ـ إلى ديمقراطية تشاركية مباشرة تتميز بتدخل اكبر من الشعب في كل مستويات السلطة كي نتمكن من التصدي بنجاعة لكل انتهاك لحقوق الانسان ".

إن مشروع الدستور الجديد الذي يدعو إليه السيد شافيز ينص على إعطاء مزيد من السلطة والاستقلالية للبلديات والعمل بالاستفتاء على المبادرة الشعبية ، وإخضاع كلّ المنتجين ومن ضمنهم رئيس الجمهورية إلى انتخابات جديدة بعد مرور نصف هذه المدة النيابية إذا أراد الشعب ذلك . كما ينص الدستور الذي اقرّه على الشراكة بين الرّجال والنّساء والاعتراف بحق الأقليات وتثبيت سلطة أخلاقية مكلّفة بمحاربة الفساد وكل أنواع التجاوزات واستغلال النفوذ .

أما على المستوى الاقتصادي يريد الرئيس شافاز الابتعاد عن النموذج النيوليبيرالي والعولمة مضيفا . " يجب علينا البحث عن نقطة الالتقاء بين السوق والدولة والمجتمع وتجمع اليد الخفية للسوق واليد الجلية للدولة في فضاء اقتصادي يوجد داخله السوق حسب الإمكان والدولة حسب الضرورة .

فالملكية الخاصة والاستثمارات الأجنبية تبقى مضمونة لكن في جدول المصلحة العليا للدولة التي ستحافظ على ملكية ومراقبة القطاعات الإستراتجية وكل بيع لهذه الأخيرة يعني بالضرورة التفريط في جزء من السيادة الوطنية" .

فبمجرد الإعلان عن هذه المشاريع قدّم الرئيس شافاز كشيطان هو وثورته المناهضة لليبرالية وسعت الولايات الأمريكية إلى إسقاط حكمه ودبرت انقلابا ضده إلا انه تمكن بفضل إيمان شعبه به أن يعود إلى السلطة أقوى مما كان لأنه نال شرعية اكبر منحها له الشعب دون أن يطلبها . وأدرك آنذاك السيد شافييز أن أمريكا التي تعادي حرية شعبه تعادي حرية شعوب العالم وأعاد النظر في كل القضايا بما فيها القضايا العربية التي اقتنع بأنها قضايا تحرر من الهيمنة الاستعمارية فكان موقفه الداعم للعراق ولحزب الله في لبنان . وليس غريبا أن يبادر إلى طرد السفير الاسرائلي بعدما كان قد طرد سابقا السفير الأمريكي . وهذا يعود إلى اديولوجية شافيز اليسارية الأممية ولإيمانه بمبادئ المحررين في أمريكا الاتنية من أمثال سيمون بوليفار .