جامعيون أوروبيون ضيوف أسر يمنية
بقلم/ علي سالم
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 15 مايو 2007 09:06 م

في منزل أروى ومنصور في شارع الرياض في صنعاء، يلاحظ الاستغراب واضحاً على الألمانية إستريد (24سنة) وزميلتها الهولندية لوتيه (23سنة) لقدومنا، زميلي المترجم وأنا، من دون موعد مسبق.

وبدا أن برنامج العيش المشترك مع عائلات يمنية الذي بموجبه أتت إلى اليمن الطالبتان في جامعة «أولدن بورج» الألمانية إستريد ولوتيه، لم يغير في طباع هاتين الفتاتين الغربيتين اللتين ما لبثتا أن أظهرتا مرحاً لافتاً، خلال حديثهما. واستغربت الشابتان أن «الأسرة في اليمن تسكن في منزل واحد بينما الفرد الغربي يستقل بصورة مبكرة». وأضافت إحداهما: «كنا نتصور أن النساء معزولات فقط عن صنع القرار وليس أيضاً في الحياة العامة مثل حفلات الزفاف».

في حديث استريد ولوتيه ما يذكر بتلك النظرة المتعالية التي حملها الخطاب الاستشراقي. وهما قالتا ان المارة والأطفال قابلوهما بنظرات مستغربة وكلمات ربما كان بعضها بذيئاً: «ربما ظنوا أننا متحللتان». وعلى هذه النظرة الفلكلورية تمضي الغرابة باستريد الطالبة في مجال العلوم الاجت ماعية وزميلتها لوتيه التي تدرس الاقتصاد والعلوم السياسية، اللتين عبرتا عن شعورهما بالشفقة على أطفال لا يرغبون بالذهاب إلى المدرسة. وقالت استريد: «ربما كان ذلك بسبب سوء المدرسة. فمع خلو بعض المدارس من مكتبات كيف يمكن أن تجري الدراسة»؟

وفي المقابل كانت مريم ابنة منـــصور وأروى، والتي تبلغ السادسة من عمرها، تركت دميتها منذ وصول استريد ولوتيه «بعدما وجدت في لوتيه ذات الشعر الأشـــقر دمـــية بديلة» على ما لاحظت أمها التي أعتبرت عدم إمساكها جيداً بزمام اللغة عائقاً حال دون مزيد من التفاهم. ولم يقيض للوتيه واستريد المشاركة في اعداد الوجبات التي بقيت اروى تعدها طبقا لذوقهما باعتبارهما نباتيتين.

وتندرج زيارة استريد ولوتيه اليمن في إطار برنامج تطبيقي جامعي يستهدف التعرف الى طبيعة المجتمع اليمني من خلال المشاركة المباشرة فيه والعيش مع أسر يمنية. لكن الواضح أن الأسر التي عاشت لديها الفتاتان الغربيتان في كل من تعز وصنعاء تعاملتا معهما كضيفتين. فعلى رغم توكيد أروى أن تعاملها مع استريد ولوتيه بقي من دون «كلفة»، ذكرت أنها غيرت مواعيد خروجها المعـــتادة في الصـــباح لتــنتظر نهوض الفتاتين. فيما بدت هند (18سنة) أكثر انســـجاماً مع ضـــيفتيها، وقــالت إنها وجدت في العيش معهما تجربة رائعة «وفرصة لممارسة لغتي الانكليزية».

وفي حين لم تستبعد استريد ولوتيه وجود تشابه بين برنامجهما الجامعي والاستشراق الغربي والابحاث الانثربولوجية، لم تخف أروى عدم ارتياحها، وقالت: «ليس مرد ذلك نظرية المؤامرة بل لأن المرء لا يرغب أن يكون موضوع تجارب».

ولفتت أروى وهي واحدة من كاتبات وناشطات تعرضن لحملات إعلامية ضدهن، إلى أنها وزوجها لا يمانعان استقبال شبان ذكور كما استقبلا استريد ولوتيه. واوضحت إستريد ولوتيه أن لزيارتهما صفة تنموية تستهدف التعرف الى طبيعة المجتمعات في العالم الثالث. واشارتا إلى زيارات لهما إلى دول أفريقية.

من جانبها قالت سعاد القدسي مديرة «ملتقى المرأة للدراسات والتدريب»، ان زيارة لوتيه واستريد تقع في اطار برنامج تعاون مشترك بين ملتقى المرأة وجامعة «اولدن بورغ»، بدأ منذ سنتين تقريباً ويتعلق بتبادل الخبرات وتنفيذ دراسات ميدانية مشتركة. واشارت القدسي إلى أن تجربة العيش المشترك تنتمي لعلوم جديدة، موضحة أن عشرات الطلاب من الجامعة المذكورة سبق وزاروا اليمن على فترات مختلفة.

وذكرت القدسي أن بعض هذه المجموعات الطالبية تطوع لجمع تبرعات نقدية لمصلحة بناء مدرسة أطفال في حي تقطنه فئة المهمشين (الأخدام) في مدينة تعز بعدما شاهدوا الحال المهترئة التي عليها المبنى. وفيما اكدت استريد جمع التبرعات قالت القدسي ان السلطات المحلية في تعز لم تبد تجاوباً لاستثمار المبلغ في ترميم المدرسة.

وتزايدت في السنوات الأخيرة البرامج المشتركة بين طلاب عرب وأجانب على خلفية اهتمام الحكومات الغربية بالمجتمع اليمني، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) التي طرحت تساؤلات عدة حول طبيعة البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها شبان الطائرات الانتحارية. وكانت مدرسة المعلمين الفرنسية العليا وجهات فرنسية أخرى شرعت منذ سنوات في إيفاد مجموعات طالبية لتلقي دروس في اللغة العربية في اليمن.

وفتح البحث عن قواسم مشتركة تلتقي عندها الضفتان نافذة ليتعرف الشبان العرب والمسلمون الى طبيعة الحياة الغربية. وقالت القدسي ان عدداً من العاملين في ملتقى المرأة سيسافرون قريباً إلى ألمانيا في إطار البرنامج القائم بين الملتقى وجامعة اولدن بورغ بهدف الاطلاع على المجتمع الألماني واكتساب الخبرات.

وقالت استريد ولوتيه: «طبقاً لنمط العائلات التي عشنا معها فان هناك امكانية للعيش المشترك بين غربيين ويمنيين». لكنهما اعتبرتا أن هذا «ربما ارتبط بطبيعة هذه العائلات التي عشنا معها فهي منفتحة ومن صنف الأسر التي تتمتع بقدر عال من التعليم والثقافة ولديها افكار متحررة، بينما يتسم المجتمع اليمني عموماً بارتباط كبير بالدين الإسلامي». وأضافتا: «معظم الذين قابلناهم وتحدثوا عن الدين كانوا يتحدثون عن دينهم فقط ولم يحدث أن سألونا عن ديننا».

ومن بين ما ذكرته الطالبتان الغربيتان استيقاظهما فزعتين على صوت مكبر الصوت في المسجد المجاور فقد اعتقدتا أن ما يصدر عن ميكروفون المسجد قبل صلاة الفجر «صفارة إنذار». وسبق للسلطات المختصة لا سيما في العاصمة صنعاء أن أصدرت تعليمات للقائمين على المساجد بعدم فتح مكبر الصوت الخارجي قبيل أذان الفجر لا سيما في الأماكن التي يكثر فيها الأجانب.

وقالت استريد ان الحياة في اليمن بطيئة والطبيعة جميلة، «إلا أن المواعيد هنا لا معنى لها».

المصدر / حياة