آه كم نفتقدك يارؤوفة
بقلم/ فتحي أبو النصر
نشر منذ: 10 سنوات و 11 شهراً و 17 يوماً
الثلاثاء 30 إبريل-نيسان 2013 08:09 م
 

مرت سنتان على رحيل الرائدة الدكتورة رؤوفة حسن .. ولعل الصحفيين يتذكرون كيف كانت تدير مؤتمراتهم العامة كعلامة مشرقة على المستويين الإنساني والتقني…  وفي الوسط الثقافي والسياسي -حيث تزدهر المكايدات والتخوينات- استطاعت الراحلة القديرة انتزاع صدارة الذين لا تهبط معنوياتهم؛ إذ لم تكن أحلامها هباءً في تحقيق الاتساق الذاتي بين الفعل والممارسة والاختيار الحر، بل إن رؤيتها الموضوعية والعقلانية للأشياء تمثل قيمتها التاريخية والأدبية والرمزية، مهما كان حجم اختلافنا معها… عني لا أعرف -إلا قليلاً- أنموذج مثقفة يمنية بلا تحيزات مناطقية مثل رؤوفة حسن، كمثال وطني وصل إلى كل اليمن باستحقاق النبل والعطاء والرؤى الجديدة والفكر المتجاوز وهموم المواطنة المتساوية (أكاد أؤمن أن بيتها في سقطرى وأسرتها في صعدة وحارتها في عدن وقريتها في حضرموت ومدينتها في شبوة وقبيلتها في تعز)… قبل عامين هزني خبر رحيلها المفاجئ جداً؛ لأنها مخزون البشاشة، وسمو النزعة المثالية المرتبطة بالعلم والتعلم، فيما متعتها الأكاديمية الرفيعة مثلت رغبتها في إثبات الوجود في ظل مظاهر يمنية سيئة محكومة بالمحو لأي فتاة تغامر للعيش بذهن منفتح وجيد… من أروع فضائلها: عطشها اليومي ليمن جديد (متآلف ومدني وخلاق)… لذا بممارسات لها مدلولاتها، ممارسات لا تحصى ضد قيم شوهت عقل اليمني طويلاً، توجهت رؤوفة حسن منذ  البدايات الصعبة إلى حس التقدم في الشعب، مهما كان ضئيلاً ومحبطاً، كما قدمت بممارساتها المعرفية التحديثية تجربة نسوية فريدة في واقع صعب للغاية كالواقع اليمني، في حين تمكنت من الإسهام بطلاقة لأجل إسقاط النظرة المدنسة للمرأة في المجتمع…

كان المنحى التطوري يتطلب ذلك، ولقد سبرت أغواره الراحلة الكبيرة على نحو مدهش وخلاب واستثنائي… رؤوفة الإيجابية التي رفضت وصاية السلبيين بتكوينها الثقافي المكترث بالانفتاح، الانفتاح الممنهج على الإبداع والثقة وتعميد قدرات المرأة في واقع يعمل ضدها… تقول سيرتها الذاتية الممهورة بتجاوز دوائر الخوف والانغلاق والتجهيل إنها استطاعت بتفوق تام مضاعفة احترامنا للمرأة اليمنية (المرأة هنا كفحوى للوطن، وبالتأكيد يمثل تفوقها دلالة على فاعلية المجتمع رغم شدة الظروف القيمية المحبطة)… على أنه التحول الاجتماعي الذي يضفي على اليمنيين استعادة روحهم الحضارية الموءودة بالطبع، ساهمت الدكتورة رؤوفة حسن في صياغته بمسؤولية إنسانية عالية، ومشاعر دؤوبة على عدم الاستسلام، إضافة إلى جماليات اختراق الوعي الرث بالوعي المستقبلي… وخلال خمسة وثلاثين عاماً لم تكتفِ بالندب، بل بالمقاومة المبهرة… كما صاغت ملحمتها الشخصية الثرية بهدوء حكيم، رغم الضجيج المنتشر وكل المتاعب الأخرى… أيضاً لطالما حثت طلابها على استمرار التفكير من جديد… وإذ اختلفت مع نخبويين على قاعدة الجدل في ميادين الاختلاف والمفهوم الأصيل للحرية، فإنها اتفقت مع كثيرين أيضاً… لكنها كانت لا تطيق مظاهر التدين الزائف، ولذلك ظلت -باعتدادها كمثقفة عصامية- تنتقد سلوكيات التناقض والازدواجية والتدليس وكل ما لا يمت لجوهر الدين… ففي دلالة اسمها، تستدعي الرؤوفة مجمل السلوك المنسجم وراحة بالها وضميرها، مثلما الاستيعاب الأمثل للالتباسات والتعقيدات المجتمعية التي تتطلب الاختراق المفاهيمي الواعي… أما بطبيعتها المميزة والشقية والماهرة والدقيقة، فقد كانت الرؤوفة جداً كملمح للعنفوان داخل تجربة حياتية فاعلة -كحياتها- تثير اشمئزاز التقليديين، في الوقت الذي أثارت فيه مباهج الإبداعيين بمختلف اتجاهاتهم… لكل هذا بدت مثالاً ساطعاً باتجاه الجلال الكفاحي نحو التنوير، ومثله لتنظيم كل الجهود النسوية الحيوية في مواجهة التصلب الذكوري الأحمق..

آه كم نفتقدك يارؤوفة خاصة في هذه الأيام .