ما وراء تجدد اتهامات الرئيس لطهران ؟
بقلم/ يوسف الدعاس
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 18 يوماً
الإثنين 08 أكتوبر-تشرين الأول 2012 10:42 ص

منذ الإعلان عن اكتشاف خلية التجسس الإيرانية من قبل السلطات اليمنية في صنعاء وتصريحات الرئيس هادي تتوالى وتتردد في كل اتجاه حاملة رسائل متكررة لإيران من اجل كف يدها من التدخل في شئون اليمن الداخلية ، وزادت تأكيدات الرئيس على حضور الدور الإيراني في اليمن من خلال رفضه الحضور في قمة دول عدم الانحياز المنعقدة في طهران في 30 أغسطس وخطابه في الأمم المتحدة في 25 سبتمبر الذي يؤكد هذا التدخل ورفضه لمقابلة الرئيس احمدي نجاد على هامش اجتماع مؤتمر أصدقاء اليمن في نيويورك ، وزادت تصريحاته قوة في خطابه المشترك مع المستشارة الألمانية ميركل في المانيآ ، كل المؤشرات السابقة تدل على أن الأمر لم يعد مجرد اتهامات وتشكيكات بل اتخذ مسارا آخر لينحو منحى التأكيد الرسمي على وجود هذا الدور وأثرة على الواقع الاجتماعي والسياسي اليمني ، وهذا الدور ليس وليد اللحظة بل ممتد من سنن خلت وكان النظام السابق يغظ الطرف عنه لحسابات إقليمية ورهانات أخرى من اجل انسياب المزيد من الدعم الخليجي والسعودي ، ولكنه بدا أكثر وضوحا الآن وبالتحديد منذ انطلاق الثورة الشبابية وارتخاء قبضة السلطات العسكرية والأمنية بفعل الثورة على اغلب المحافظات وهو ما بدا ظاهرا في صعده ، والجوف ، ومأرب ، وحجة ، أدى الى تهيئة الأجواء أمام النفوذ الإيراني المتصاعد الباحث عن موطئ قدم له في الخارطة السياسية اليمنية عبر أدواته المحلية ( الحركة الحوثية ، وفصيل الحراك المسلح ) ، مستغلا مناخ الفعل الثوري حينذاك الداعي لإسقاط النظام .

ولأن الشيطان يسكن بالتفاصيل دائما فقد بدأ التواجد الإيراني يتحرك في تفاصيل الحراك الاجتماعي والسياسي المصاحب للفعل الثوري والذي وسع من مداه مستغلا انشغال الثورة بمطلب إسقاط النظام وليس سواه .

ولوحظ منذ البدايات الأولى للثورة وتحديدا عند بدء الحديث عن المبادرة الخليجية كحل سياسي وسط وتسوية مناسبة للمرحلة بتجنيب البلد الانزلاق نحو العنف بدأت بوادر استياء الجانب الإيراني من خلال الدفع بالحوثيين وبعض الناشطين بالتصدر للتشكيك ورفض المبادرة الخليجية ووصمها بالمؤامرة على الثورة لمصالح إقليمية وتبنت دعوات التصعيد ضد المبادرة وخطة المرحلة الانتقالية التي تعتبر مسار سياسي طبيعي تعقب أي ثوره في مرحلة انتقالية قبل اكتمال الثورة لتحقيق أهدافها .

ورغم الاستقرار النسبي للوضع السياسي والاجتماعي الذي وفرت له المبادرة الخليجية أرضية مناسبة وسعت الأفق للمسار الدبلوماسي أن يتقدم والعملية السياسية أن تمضي قدما إلى الأمام شكل ازعاجآ و قلقا لأصحاب المشاريع الصغيرة المعتمدة على العنف كوسيلة وحيده للتوسع والطموح غير المشروع كون المرحلة لم تعد ضبابية وإنما قيدت بإطار سلمي أدواته الأحزاب والمشاركة السياسية والعمل المدني بطريقة سلمية وأن البيئة المناسبة لنمو المشاريع المشبوهة والغير وطنية هي باستمرار اضطراب الوضع السياسي والأمني وغياب سلطات الدولة لتحل محلها سلطة جماعات العنف المتمردة على السلطات الشرعية .

بدأ التركيز الإيراني مع مرور الوقت يتجه إلى المدن الثلاث الرئيسية نظرا لتأثيرها على بقية المحافظات ( صنعاء ، تعز ، عدن ) من خلال الاستقطاب والدعم المالي والإعلامي وتنظيم فعاليات ومؤتمرات محلية ودولية بعد اكتمال سيطرة الحوثيين على صعده ومحاولة السيطرة على الجوف وحجة ودخولهم في صراعات مع المواطنين هناك وارتكبوا خلالها أعمال قتل وتشريد كأنهم غزاة يسعون لسحق السكان الأصليين في بادرة تمثل خطرا يهدد النسيج الاجتماعي ومبدأ التعايش السلمي لأبناء الوطن الواحد .

و تعود بنا الذكريات إلى أيام الثورة الأولى وتحديدا عند انحياز الجيش للشعب وتأييده لمطالب الثورة السلمية بعد مجزرة جمعة الكرامة وإعلان المناطق العسكرية وقياداتها أمثال اللواء علي محسن صالح واللواء حميد القشيبي و الظنيين ومحمد علي محسن وغيرهم وما شكله هذا الانضمام من حيوية وزخم كبير في ترجيح كفة الثورة على ميزان القوة العسكرية انعكس أثرة بشكل تلقائي على الحراك السياسي والدبلوماسي باستقالات الدبلوماسيين وبعض الوزراء ووصلت هذه النقلة النوعية للثورة على مستوى الإقليم والمجتمع الدولي وأصبحت قيادة أنصار الثورة هي وجهة السفراء والدبلوماسيين وممثلين المجتمع الدولي للتعامل مع الواقع الجديد الذي فرضته الثورة وأًصبح المعطى الجديد هو دابة الأرض التي أكلت منسأة النظام البالي ، أدى إلى تحرك المجتمع الدولي لوضع حل انزلاق البلد لمربع العنف وبما قد يؤثر به على المنطقة وموقعها الحساس والحيوي جوار المنطقة الغنية بالنفط وخطوط إمداد الطاقة العالمي .

حينها قذفت هذه المستجدات في الساحة اليمنية بالنفوذ الإيراني إلى زاوية الاعتماد فقط على الجماعات المسلحة لتنفيذ سياستها بعد خروجها من الواقع السياسي بعدم مشاركتها في المبادرة الخليجية وايضآ عدم تلمس أي جهد يذكر في محاولة مساعدة البلد اقتصاديا رغم دعوات بعض الدبلوماسيين لإيران أن تشارك في دعم اليمن أن كانت حريصة على لعب دور سياسي وبدا أكثر وضوحا مؤخرا بعدم مشاركتها في مؤتمري أصدقاء اليمن المنعقد في الرياض ونيويورك مما يظهر غياب اللياقة الدبلوماسية الإيرانية ولو من باب المجاملات مما يظهر أن مشروعها في اليمن لا يغذي العنف والتعبئة الطائفية وضرب الاستقرار ولا سواه .

ولمسنا تحول الإعلام الحوثي ونشاطهم في فترة الثورة بدلا من أن يتجه صوب استكمال أهداف الثورة ودعم خطة المرحلة الانتقالية مع كل القوى السياسية وانسجاما مع إرادة الشعب والمجتمع الدولي انحرف أدائه إلى تخوين القوى العسكرية المؤيدة للثورة وقياداتها واختلاق الصراعات مع القوى السياسية ومحاولات التمدد والتوسع الميداني بالقوة وأخيرا إلى اتهام الرئيس الشرعي بالحمق على لسان عبد الملك الحوثي لأنه يرفض تدخلات طهران وأدواتها لزعزعة الاستقرار وهذا تعبير طبيعي عن الجماعة وزعيمها تفصح عن حالة تمرد قائمة قد يؤدي بهم الى مواجهة المجتمع بأكمله بعد التحالف والتنسيق مع بقايا النظام والرئيس المخلوع و استحضار أدوات صراع الماضي وحلمهم بالعودة للسلطة ايمانآ منهم بأحقيتهم بالحكم بطريقة سلالية وبالحق الإلهي باستعباد الناس على حد تعبير اللواء علي محسن 

الواقع اليمني غير الواقع السوري وهذا من حسن حظ الثورة اليمنية إذ أن غياب التوازن العسكري في سوريا هو ما دفع بالنظام هناك إلى البطش والتنكيل وارتكاب جرائم مروعة بحق الشعب وأدى في الوقت نفسه إلى إحجام المجتمع الدولي وأصدقاء الشعب السوري من دعم الثورة السورية بالشكل المطلوب والتدخل الفوري وان رعاية المجتمع الدولي للخطة الانتقالية في اليمن يشكل ضمانا لعبور المرحلة الانتقالية بسلام وبقطع الطريق عن النفوذ الإيراني وسياسته التي ترمي إلى تكرار المشهد السوري في اليمن كتعويض لاحتمال سقوط النظام هناك وانتهاء نفوذها بتاتا معه بإيجاد منطقة نفوذ على خاصرة الدول الخليجية والسعودية تحديدا وورقة ضغط على المجتمع الدولي لتخفيف القيود والعقوبات بسبب برنامجها النووي وازدياد عزلتها الدولية جراء سقوطها الأخلاقي المدوي لموقفها من الثورة السورية وهو ما قد يشكل في المستقبل القريب من انفراط عقد التدخل الإيراني في المنطقة وذبول للمشروع القائم على إحياء التراث الفارسي الآفل .

بدأت صحوة الدول الخليجية والمجتمع الدولي تجاه اليمن انطلاقا من حجم المسئولية ومن واقع المخاطر التي تتهدد اليمن ولو أنها متأخرة تتجه في دعم الاستقرار وانتشال الاقتصاد المتردي من وهدته بعد أن غاب هذا الدور بسبب فساد النظام السابق وعدم ثقتهم به وأصبح من مصلحة الإقليم والعالم وجود يمن مستقر ومزدهر ودعم العملية السياسية وإجراء الحوار الوطني وعلى أن تضع الجماعات المسلحة أسلحتها وتنخرط في الحوار الوطني ولتتحول إلى أحزاب ذات برامج سياسية تسعى إلى إقناع الناس برؤها وأفكارها بطريقة حضارية وحتى لا تتحول إلى عبئ على اليمن وعلى الإقليم والعالم إذا استمرت بانتهاج العنف وبوضعها في خانة المتمرد على شرعية الدولة

Yousifaldaas@gmail.com