الالتفات الذكي إلى القرن الإفريقي بدلا من التعويل على دول الخليج
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 13 يوماً
الأحد 12 أكتوبر-تشرين الأول 2008 11:29 م

تشكل اليمن بسكانها البالغ 25 مليون نسمة تقريبا سوقا حيويا لمنتجات دول الخليج ولا يشكلون هم سوقا لنا إلا في أحسن ما لدينا كالعسل واللحوم وبعض الفاكهة اليمنية، ولهم كل الامتيازات لدينا ولا نجد لديهم سوى الترفع علينا والاستهانة بنا وليس أدل على هذه الاستهانة من الزواج السياحي، كما أن فائض الميزان التجاري يميل لصالحهم وليس لصالح اليمن ، ولهم في ذلك كل الحق فقديما قال المتنبي وكأنما ما قاله يعنينا : من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام.

لاحظ وأنت داخل أي بقالة أو متجر في السوق اليمني ستجد معظم المواد الغذائية والمشروبات ومنتجات أخرى هي خليجية بنسبة عالية أو عابرة إلينا عبر الخليج ويوهمك صاحبها على أن المنتج السعودي أو الخليجي أفضل من المنتج اليمني ، وما تشتريه ليس منتجا لأي منا بل منتج لشركة عالمية، ويوهمك أن الكوكاكولا السعودية أفضل من الكوكاكولا اليمنية ، والمنتج في النهاية ليس سعوديا ولا يمنيا بل لشركة عالمية، نحن وإياهم بالنسبة لهذه الشركة وكلاء تسويق فحسب، وتتراجع الصناعات اليمنية لتنزوي يوما بعد آخر بسبب وهم التفاضل الذي يحمله إلينا المسوقون والعائدون من دول الجوار بحكم إقامتهم الممتدة . وكم خسارتنا جراء ذلك سواء في تقليص فرص العمل أو التوسع في الاستثمار الصناعي تحديدا.

إن اليمن اليوم حكومة وشعبا وقيادة بحاجة ماسة إلى مزيد التفكير حول التشبث بجدوى الانضمام الوهمي إلى مجلس التعاون الخليجي، وبدلا من التعويل على هذا الوهم والسراب ينبغي الالتفات إلى بدائل أخرى وهي كثيرة.

البديل الأول والغائب والمهمل عندنا هو اتجاه اليمن غربا نحو إفريقيا بدءا من القرن الأفريقي ( جيبوتي، الصومال، السودان إثيوبيا، اريتريا، كينيا ) يتجاوز عدد سكان هذه الدول مائة وأربعين مليون نسمة حسب الترتيب(1م ، 10م، 30م، 60م ، 6م 30م ) وفقا لإحصائيات قديمة.

إننا سنجد أسواقا واعدة لفوائض منتجاتنا ورفع كميات الإنتاج التي لا نجد لها رواجا في المنظومة الخليجية أو العربية أو العالمية، إننا سنجد لديهم حاجاتنا من الثروة الحيوانية والغذائية الطبيعية، ونستطيع أن نستثمر عندهم في الزراعة وإعادة تصديرها نحو العالم بسبب الجودة وانخفاض الثمن.

ولمن لا يعلم فإن معظم استهلاك فرنسا مثلا من اللحوم والتجارة بها عبر العالم باسم فرنسا نحو العالم هي من أفريقيا ، لأن لفرنسا مسالخ متكاملة في أكثر من دولة افريقية ولها طائرات على شكل ثلاجات معدة لغرض نقل اللحوم يوميا وتوزيعها على الأسواق المحلية ومحلات بيع اللحوم ،وإعادة توزيع الفائض نحو الأسواق العالمية تحت اسم فرنسا.

باستطاعتنا اليوم أن نتخلى عن أغنامنا لصالح دول الجوار ما دامت مرغوبة لديهم، لكن ليس على حساب حرمان المجتمع اليمني من خيراته، إذ ليس باستطاعة الفرد اليمني شراء الكيلو اللحم بألفين ريال، ولكن بالإمكان توزيع كيلو اللحم من الغنم الصومالي بخمسمائة أو ثمانمائة ريال ، إن منتجات يمنية كالسمن والصابون والمواد الغذائية والمنزلية ومواد البناء وبغض المواد الأولية والتجارة العابرة من أسواقنا قد تجد رواجا كبيرا في دول القرن الأفريقي، وبوسعنا أن نكون محطة ترانزيت لمنتجات عالمية هم بحاجة إليها.

وبدلا من أن يفروا إلينا غرقا وفائضا سكانيا نسعى إليهم، ونستطيع أن نسعى إليهم ونساعدهم على النهوض ليكونوا رصيدا لنا، نستثمرهم بدلا من أن يكونوا عالة علينا. ثمة وسائل ذات جدوى فائقة تمكننا من تطبيق هذه المصالح والبدائل مع دول القرن الأفريقي .

أولا: التعليم ونشر الثقافة العربية والإسلامية (المدرسة العربية مدخلا ثقافيا):

إن الصومال دولة عربية وعضو بجامعة الدول العربية والناطقون من أهلها باللغة العربية عدد محدود ، إن باستطاعة اليمن أن تنشئ في كل مدينة صومالية كبرى مدرسة من الروضة حتى الثانوية العامة تكون تابعة لوزارة التربية والتعليم اليمنية ، وأن ننشئ جامعة يمنية في العاصمة الصومالية تكون تابعة لوزارة التعليم العالي اليمنية ، إن الثقافة والعلم والمعرفة هي سلاح متعدد الأغراض فهي اقتصاد واعتقاد وأمن واندماج وتداخل وتبادل متعدد .

فإنشاء مدارس في المدن الكبرى نرسل إليها فائض من القوى التربوية الفائضة والعاطلة وجامعة يمنية ، سيؤدي إلى تعريب العرب الصوماليين من جديد، وإشعارهم بأنهم إخواننا، وتخصيص منح مجانية في الجامعات اليمنية الحكومية والخاصة لعدد محدود منهم سنويا، سيجعل اليمن في مخيلتهم هي الدولة العظمى التي يقلدون لباسها وسلوكها الغذائي والاجتماعي، وقبلتهم التجارية التي منها يشترون احتياجاتهم وإليها يبيعون، كما هو حال المغتربين اليمنيين الذين يرجعون إلينا بسلوك الخليجيين، ولعل مشروع الجسر البحري إن أنجز فعلا سيقرب الفجوة ليس بين اليمن وجيرانها ولكن بين القارتين : آسيا وإفريقيا لتصبح اليمن ممرا عالميا للتجارة الحرة بدلا من تجارة البخور والملابس. ولكن علينا أن نستبق ذلك فعليا بتبادل المنافع.

ثانيا : الاستثمار الاقتصادي

لو اتجه رجال الأعمال اليمنيين والتجار بتشجيع من الحكومة اليمنية التي تسهم في خلق نوع من التفاهم الاجتماعي والسياسي مع جيبوتي والصومال وإثيوبيا واريتريا والسودان وكينيا في خلق مشاريع تفيدنا وتفيدهم ، لنعمل كما يعمل فاعل الخير عند بناء المسجد يحصل على تسهيلات الاستيراد لحاجات البناء من الحديد والاسمنت بفائض يفوق احتياجات المشروع ويعوض تبرعه من فائض التسهيلات ، لنمنحهم ما يحتاجون ونخفف هجرتهم إلينا ، لنبني الخيام التي نستقبلهم بها هناك ونخفف عليهم أعباء الهجرة والغرق والتشرد ونقدم لهم المعونات إلى ديارهم بتوطينهم في مواطن آمنة وبعيدة عن الحرب ومع هذه التجمعات ستنشأ الأسواق وستتزايد الاحتياجات.

سيؤول الحال إلى بناء مشاريع اقتصادية توفر لهم سوق العمل وتوفر لنا إنتاجا رخيصا، فماذا لو أنشئ هناك مصانع اسمنت وحديد وبناء سدود للاستثمار الزراعي بأيديهم لنجني معا.

ثالثا : الاستثمار الزراعي والحيواني

لم يكن مستغربا أن نقرأ في الصحف اليمنية أننا نستورد بما قيمته ثمانية مليارات من اللحوم ، ولمن لا يعلم فإن معظم مخابز ومطاعم الشيباني يستوردون اللحوم من الصومال ويبيعونها للمستهلك باعتبارها منتجا يمنيا ، ولا نلحظ الفارق ، بسبب أن الماعز المربى على المرعى الطبيعي من الحشائش الخضراء تكون لها نفس المذاق الطيب، وبدلا من أن تكون هذه التجارة حكرا على قلة من التجار واستغلال المستهلك اليمني ، ليصبح لدينا شركات خاصة تنافسية تلبي احتياجات السوق اليمني من اللحوم الأفريقية بما في ذلك السودان ولن يبلغ سعر الكيلو أكثر من خمسمائة ريال إذا وضعت اتفاقيات تبادل تجاري مع هذه البلدان، ولمن لا يعلم فإن سعر لحم الضان الصومالي في عدن مول لا يتعدى ألف ريال ( رأيت هذا قبل ثلاثة أشهر) وذلك بسبب تجارته المحدودة. أما إذا اتسع الاستهلاك وازداد العرض فإن السعر سيقل بلا شك.

إن لديهم في أراضيهم منتجات زراعية وحيوانية كثيرة مما نحتاجه ، ولدينا من منتجاتنا وصناعتنا وتجارتنا كثير مما يحتاجونه، إذا اتجهنا غربا نحو إفريقيا - حكومة وقطاع خاص فلن نفكر يوما بحاجتنا للتسول والإلحاح المذل للدخول في مجلس التعاون الخليجي الذي أوصد الأبواب في وجوهنا منذ ما يقترب من الثمانية وعشرين عاما.

العمل الخيري:

الأقربون أولى بالمعروف ، ليكون فعل الخير متجها صوب الصومال والقرن الأفريقي عموما ، وتحديدا العمل الخيري المنتج ، وتأهيل الأسر وضحايا الحروب إلى العمل المهني المنتج ، بما في ذلك جر الإغاثة الدولية بكل صنوفها إليهم بدلا من اليمن. ويدخل ضمن ذلك بناء مشافي أو مراكز صحية وفرق تلقيح ضد الأوبئة لأن العدوى تنتقل من هناك عبر الرياح وبدلا من معالجة الأمراض العابرة إلينا نستبق تنظيف المنابع. إن الدبلوماسية الفعالة لن تكون كذلك دون يد بيضاء على هؤلاء.

إن فرق التبشير المسيحي تنشط بكثافة فائقة في هذه البلدان وهم جيراننا وعليهم حق علينا ، وليس بالضرورة أن يكون حضورنا دعويا في مواجهة التبشير ولكن للمنفعة المشتركة ، وسيتراجع التبشير – تلقائيا - في وجه الثقافة العربية الإسلامية الأقرب إلى فطرة هؤلاء الإخوة في الإنسانية والعقيدة والجوار والمصالح المتبادلة.

لست أدري هل للحكومة برامج انفتاح نحو إفريقيا والقرن الإفريقي تحديدا؟ وهل لوزارة الخارجية برنامج دبلوماسي نشط نحو هذه البلدان ؟ وهل لوزارات أخرى كالاقتصاد والزراعة تفكير في تلبية الاحتياجات من هذا الجوار بدلا من الصين والهند؟ وهل السلطة السياسية تبحث لليمن عن بدائل أخرى مجدية وممكنة أم أنها تتمترس حول هدف العبور إلى دول الخليج وكفى؟ وهو سراب بعيد المنال.

مشاهدة المزيد