اليمن اليوم
بقلم/ زيد علي باشا
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 11 يوماً
الإثنين 03 أكتوبر-تشرين الأول 2011 07:33 م

اليمن اليوم ولاية جائرة و ثورة حائرة و جماهير متفرجة و أعين متربصة. اليمن اليوم تخلف عن التخلف وجهل على الجهل و عمى البصيرة. اليمن اليوم مؤهل للإنهيار بامتياز. اليمن اليوم قد أصبح كئيبا من طول الحزن و شدة البؤس. اليمن اليوم أسوأ مما كان عليه قبل خمسين سنة .

اليمن اليوم يدخل عهدا جديدا إلا أن ثمة صراعات سياسية شرسة و عداوات عمياء و عصبيات نتنة و خذلان و تباطئ و تثاقل تحول بين وصول السفينة إلى بر الأمان الذي هو على مرمى البصر. و نخشى ألا تتحمل السفينة هذه الأمواج المتلاطمة أو أن تضيع في عرض المحيط فنهلك جميعا. اليمن اليوم يدخل عهدا جديدا يمكن أن يكون عهد رخاء و ازدهار و أمان .

علينا جميعا أن نكون أكثر وطنية و ألا نختزل تحديات هذه المرحلة الإنتقالية في أطر ضيقة حزبية أو مذهبية أو شخصية أو مناطقية و أن نوسع آفاقنا و صدورنا لتسعنا الأرض فما ضيق الأرض إلا من ضيق الصدور. كنت أظن أن الرئيس و من معه هم وحدهم من سلكوا هذا المسلك الضيق بتخليهم عن المصلحة العامة إلا أن الثوار و من ورائهم و من أمامهم قد سلكوا نفس المسلك بتخليهم عن الحنكة و الحكمة و جعلهم أصابعهم في أذانهم و هم يرددون شعارات ثورية انفعالية انتقامية. و آسفاه .

نقدر أن جور الحاكم و فساده هو و من معه قد ضيع البلاد و العباد إلا أنه يجب التنويه إلى أن ما نجنيه اليوم هو حصاد السكوت و التقاعس الطويل و إلى أهمية الواقعية في التعامل مع الحياة. و الواقعية سمة لديننا. أما رأيتم كيف تعامل الإسلام مع ظاهرة الرق و العبودية مثلا و كيف تخلص منها تدريجيا؟ و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة في حنكته السياسية و تسامحه و تدرجه في الوصول إلى مآربه. أوَ يسير غاندي و مانديلا على خطى الحبيب و نغرق نحن أهل الإيمان و الحكمة في أحقادنا؟ ليس هدف الثورة محاكمة الرئيس أو إعدامه. أليس فيكم أيها الثوار رجل رشيد؟

كما يجب التنويه إلى أن الثورات تصنع و لا تستنسخ و أنه يجب أن تستمد الثورات شرعيتها من الداخل لا من الخارج لتكون ثورة شعبية حقيقية. ما لنا و مال أمريكا و الاتحاد الأوروبي و غيرهما؟ ما لنا نستجديهم و نحرص على مباركتهم و تأييدهم للثورة؟ هذا عهد جديد رضي من رضي و سخط من سخط. نريد ثورة يمنية شعبية لا تسعى وراء تحقيق مكاسب حزبية و نريدها بقيادة رشيدة حكيمة تضع الأمور في نصابها و تجعل لكل حدث حديث. نرفض العفوية و الرعونة و التحدي. لا بد من تصحيح مسار الثورة الحالي نحو الأهداف التالية :

أولا، القضاء على الفساد المالي و الإداري بجميع صوره و على كل المستويات بما في ذلك احتكار السلطات و المناصب في مؤسسات الدولة و على رأس ذلك رئاسة الجمهورية .

ثانيا، توطيد دعائم مؤسسة القضاء و تفعيلها .

ثالثا، الحفاظ على وحدة الأرض و الشعب و عدم التفريط بنضال الشعب اليمني و تضحيات شهدائه إيمانا بأن يد الله مع الجماعة و تقديما للمصلحة العامة في سبيل تحقيق آمال و تطلعت الأمة .

 

رابعا، العمل بمبادئ العدالة الإجتماعية و الحريات الإنسانية التي نصها علينا ديننا القيم و التي يؤيدها دستور بلادنا و هي مبادئ واسعة راسخة ممتدة جذورها في عقولنا و قلوبنا تستوعب وجهات نظرنا جميعا و توفر لنا قاعدة عريضة للعمل الوطني. و يترتب على ذلك إدارة البلاد و مواصلة مشروع بناء دولة اليمن الحديثة ضمن شراكة وطنية تراعي اختلاف وجهات النظر و تجارب الناس و خلفياتهم الثقافية و الإجتماعية دون إقصاء أو تهميش أو تحيز و بعيدا عن التطرفات المذهبية و العصبيات القبلية .

أما والينا فلا بارك الله في شعب هو قائده و لا بارك الله فيمن زيف له الحقائق من حوله و أعلى شأنه حتى كاد أن يكون سادس الخلفاء الراشدين بما في ذلك العلماء الذين تتقلب أهوائهم بتقلب مزاج الوالي و مواقفه. دعوا عنكم حديث الشرعية الدستورية فهو حديث هراء و كلمة حق يراد بها باطل. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. يجب أن نوفق بين تعاليم ديننا و ألا ننظر لحديث أو آية نظرة مجردة. ليست طاعة الوالي مطلقة أو مستقلة فليس ذلك إلا لمحمد بن عبد الله. إن طاعتنا لعلي عبد الله صالح مرهونة بطاعته لله فينا و اتباعه لهدي رسول الله. هي طاعة مشروطة مقرونة و ليس الناس عبيدا لأحد لتكون له طاعة مطلقة. اليوم نعلنها ثورة على آلِ الأحمر كما أعلناها على آلِ حميد الدين من قبل فشرعية هذه كشرعية تلك. ألا بعدا للظالمين .

قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير

و أما الجماهير المتفرجة و هم كثير جدا أو أولئك الذين انضموا إلى الثورة على استحياء و أظن أنني منهم فعلينا أن نترك الأعذار الواهية و ألا نخفي مخاوفنا وراءها بحجة أن من هم أدهى و أمر قد تسلقوا الثورة و أننا لن نستبدل عليا بعلي و أحمرا بأحمر. لو عملنا بهذه القاعدة لما قامت لدولة الإسلام في المدينة قائمة و لما كان بين المسلمين خالدا سيفا من سيوف الله التي نصر الله بها المسلمين يوم مؤتة و يوم اليمامة و يوم اليرموك. و لو عملنا بهذه القاعدة لما غزا رسول الله بجيش يعلم أن فيهم أمثال عبد الله بن سلول زعيم المنافقين. لم نؤمر بأن نشق صدور الناس و الحذر واجب لكن دون إسراف معيق للتقدم. بل أمرنا أن نقف مع الحق و ألا نخذله و سيميز الله الخبيث من الطيب. فلنحرص على أجر الآخرة بالمسارعة إلى نصرة الحق دون تردد أو استحياء و برباطة جأش و لنشعل شمعة بدل أن نلعن الظلام .

هذا عهد جديد فلنجعله عهدا مشرقا. و الله ولي الهداية و التوفيق. اللهم إن علمك بالحال يغنيك عن السؤال و قد ضاق الحال و أنت أرحم الراحمين .