ما تعرض له مشروع الأشغال العامة (الغارة غارة والمقتول عُسيق)!
بقلم/ علي عبدالملك الشيباني
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 10 أيام
السبت 15 يناير-كانون الثاني 2011 05:56 م

عنوان المادة، مثل بلدي متداول في محافظة تعز، وأظنه من الوضوح ما يعفيني عن شرحه عدا تسمية "عسيق" وتعني الثعلب، تذكرته وأنا أتابع ما تعرض له مشروع الأشغال العامة بجهازيه الإداري والفني من حملة إعلامية ظالمة وهو الذي لم يتعرض من قبل لأي نقد ولو على مستوى لقطة صحفية بالنظر إلى تميز أداؤه وحضوره التنموي في كل مديريات الجمهورية!

تمثلت الحملة في نشر مقالة في عدد من المواقع الإلكترونية بناء على رسالة تقدمت بها إحدى الأخوات المهندسات إلى منظمة "صحفيات بلا قيود"، تضمنت ما تعتبره فساداً ارتبط بتنفيذ حاجزين مائيين في محفاظة المحويت وتحذر في ذات الوقت من إمكانية انهيارهما لعدم التزام المقاول بالمواصفات الفنية وواصمة كل مشاريع الأشغال بالفساد والفشل.

بالنقر عند نهاية المقالة، لمعرفة المزيد، تظهر المهندسة بالصوت والصورة في مقر المنظمة المذكورة متحدثة بإسهاب وعارضة لما قالت إنها وثائق تؤكد صحة ما ذهبت إليه في هذا الشأن، ليس هذا فحسب بل شاهدنا نفس المادة على قناة العقيق الفضائية.

ما يلفت النظر، سرعة التجاوب وتجاوز الحملة لما هو تقليدي في التعاطي مع هكذا قضايا، بغض النظر عن صحة التهم من عدمها، غير أن قيام منظمة مجتمع مدني تنشط في مجال الحريات الصحفية بتبني مسألة فنية هي خارج اختصاصها وعلى ذلكم النحو المبتذل هو الأكثر لفتاً للنظر وإثارة للدهشة، لا أرى فيه شخصياً سوى محاولة لتسجيل حضور في غير مكانها، وليس كما اعتبرها بعض الزملاء المهندسين استدراراً لضروع الجهات الدولية الداعمة لمثل هذه المنظمات.

أتابع نشاط رئيسة المنظمة في مجال الحريات الصحفية وحقوق الإنسان، كتاباتها ولقاءاتها الصحفية وتجمعنا بها كل ثلاثاء ساحة الحرية دفاعاً عن مهجري الجعاشن، وإذ أحيي فيها بروح التضحية، جرأة القول وسلامة الموقف، أؤكد تسرعها في مسألة التعاطي مع ما تقدمت به الأخت المهندسة، وإن اتصالاً بإدارة المشروع، أو بمن تعرفهم من المهندسين، كان يمكن له أن يهذب المادة الإعلامية الصادرة عن منظمتها ويكسبها الموضوعية والمصداقية المفترضة، وإن كانت في مجملها لا تخرج عن إطار المثل آنف الذكر.

للمرة الأولى أجد نفسي أكتب على غير العادة التي عرفني بها القراء، وأنا هنا أدافع بقناعة عن مساحة ضوء في هذا البلد لا أجد غيرها في كل مرة أخلع فيها نظارتي السوداء، بحسب النصيحة الرسمية، مثلت تجربة متميزة تستحق مدادنا ودفاعنا عنها بما يؤدي إلى تعزيزها وتعميمها في الأداء الرسمي العام المثقل بكل أنواع الفساد.

أكتب عن تجربة ناجحة انطلاقاً من معايشتي لها كمهندس استشاري منذ سنوات، وموظف حكومي مغضوب عليه مطلع بالمقابل في جهة عمله على الكثير من قضايا الفساد وعشرات المشاريع الفاشلة.

على عكس ما هو سائد، اتبع الأشغال العامة طريقة عمل فنية وإدارية شفافة وبعيدة عن البيروقراطية ومداخل الرشى، وبها استطاع إنجاز آلاف مشاريع البنى التحتية في مجالات التعليم والصحة والمياه والطرق الريفية ومراكز الأسماك والألسنة البحرية.

فنيا وزع المهندسين إلى مجموعات بحسب التخصص، ويتم اختيارهم للدراسات والتصاميم والإشراف بعد خوضهم تنافس تقديم العروض الفنية والمالية، أما على مستوى مناقصات التنفيذ المتعلقة بالمقاولين، فقد سلك المشروع عكس ما تعمل به الجهات الحكومية من اعتماد شروط مبالغ فيها، خاصة في ما يتعلق بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، لذلك لا غرابة حين يتقدم للمشروع الواحد أكثر من 20 مقاولاً، يرسو في النهاية على أقل العروض وينفذ بأقل مما هو في الجهات الحكومية وبفارق لا يقل عن 100% وفي حالات أخرى يتجاوز هذه النسبة.

إن هذه الآلية أهلت الكثير من المقاولين وخلقت فرص عمل كثيرة للمهندسين والفنيين والعمالة الماهرة وغير الماهرة، وقد جسد بها الأشغال أحد أهم شروط وجوده والمتمثلة في امتصاص جزء من حالات الفقر والبطالة الناتجة عن الجرع السعرية المتتالية.

إدارياً نأى المشروع بنفسه عن البيروقراطية الإدارية المسيطرة على كل أجهزة الدولة في كل ما يتعلق بعمله، ويكفي القول إلى أن مستحقات المقاولين والاستشاريين تُورَّد إلى حساباتهم بعد عشرة أيام من تاريخ تقديم الطلب أو إعداد المستخلص، ولهذا يؤكد المقاولون على أن ما يحصلون عليه من نسب ربح بسيطة، هي أبرك مما يمكن الحصول عليه في المناقصات الحكومية المرتبطة برحلة معاملة طويلة وحلقات ابتزاز لا تنتهي.

لقد شكل الأشغال العامة إحراجاً شديداً للجهات الحكومية، وكاشفاً عن هول الفساد الذي يمارس فيها، فمدرسة الثلاثة فصول مثلاً التي تنفذها التربية بـ12 مليون ريال لا تكلف عندهم مع المرافق أكثر من 5 ملايين وهو ما ينطبق على بقية المنشآت مع فارق الجودة وتوفر الجدوى، وهو ما دفع بالجهات الدولية المانحة عند تقديم مساعداتها وقروضها إلى اشتراط إيكال المهمة للأشغال العامة.

ولا بد من الإشارة هنا، إلا أن مشروع الأشغال العامة في اليمن صنف ضمن أنجح أربعة مشاريع مشابهة على مستوى العالم بموجب معايير البنك الدولي والدول المانحة إضافة إلى العديد من الشهادات التقديرية الدولية والمحلية لست معنياً بالرد على زميلتنا غير أن 200 إلى 300 منشأة يجري تنفيذها في وقت واحد، لابد وأن خلفها تقف إدارة مقتدرة، ولنتخيل حجم الجهد المبذول في ما يتعلق بإدارتها خاصة عندما نعلم أن فريق العمل الفني والإداري لا يتجاوز عدده فرعاً من فروع الصندوق الاجتماعي العشرة، والذين لا عمل لهم غير "الحشوش" على عباد الله، ولا يفرقون بسلوكهم في شيء عن أي وسط نسائي قروي، وسأكتب عن هذا حال اكتمال حلقات فساد مرتبط بمشروع ما زال قيد التنفيذ بطلها "ن. ش"، وتشرفت بالاستقالة من الاستمرار في الإشراف عليه على الرغم من إنجازي لـ50% منه.

لقد كان الأحرى بالأخت المهندسة اللجوء إلى الجهات الرقابية المختصة، بدلاً من حملة التشهير الإعلامية غير المبررة والتي لم يقصد منها في اعتقادي سوى التشهير والإساءة الشخصية وظهرت فيها قاسية إلى أبعد الحدود.

أما منظمة "صحفيات بلا قيود" فإذا ما أرادت الخوض في هكذا قضايا، فإن البلد مليئة بملفات فساد متورط فيها كبار مسئولي الدولة، ولن يكون آخرها صفقة بيع الغاز التي خسرت البلد بموجبها 56 مليار دولار على مدى 25 سنة قادمة.

لا يعني ما سبق أن تجربة بهذا الحجم لم تشبها أخطاء من نوع ما، لكنها بكل تأكيد لا تتعلق بالذمة ونظافة اليد، منها أن اختيار الاستشاريين يعتمد على أقل العروض المالية، بينما وثائق الدعوة تشير إلى أن العرض الفني والتخصص والخبرة تمثل 70% من عملية التقييم، وهذا ابتعاد عن معايير التقييم الحقيقية وانعكاس ذلك سلباً على عملية الإشراف.. من الملاحظ أيضا أن بعض من فشلوا في أداء مهامهم الإشرافية في منطقتين من المناطق الأساسية الثلاث، قد يتحول إلى الثانية ليصبح بين ليلة وضحاها "سيد المهندسين" ومعلمهم.

ويعود ذلك في اعتقادي إلى أن بعض المدراء يستحلون ما يصدر عن هؤلاء من نفاق وعلاقات مبتذلة لا يفترض بها أن تكون محل اعتبار وتشكل بديلاً لما هو مفترض من المعايير، ولكأن المناطق مجتمعة لا تخضع لمرجعية إدارية واحدة.

مما يمكن أن يطرح في هذا الجانب أن التوظيف في المشروع لا يخضع للتنافس، بل يعتمد على ترشيح وتزكية المدير المختص وفقاً لمعاييره الشخصية و"سيكلوجيته" وأن الاستمرار في هذا العرف لا بد له أن يقود على المدى القريب إلى تشكل اصطفافات وولاءات يذوب فيه الشعور العام بالانتماء للمشروع طالما هناك "ولاة نعم" للتوظيف من ناحية أخرى برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة تطاول بعض المقاولين على المهندسين الاستشاريين ما يستوجب موقفاً حازماً من إدارة المشروع تجاه هؤلاء للحفاظ على كرامة المهندس وتعزيز حضوره الفني الإشرافي، فهناك من المقاولين من بات يدعي الانتماء للأمن القومي أو السياسي وآخرون يهددون بالاختطاف وأساليب أخرى كثيرة تجد طريقاً لها لدى من يبدي ضعفاً من المهندسين.

هي أيضا مناسبة للتقدم بمقترح إلى إدارة المشروع يتمثل في عقد لقاء موسع يختار له عينة من المهندسين والمقاولين ومشرفي المواقع وحتى المستفيدين، للاستماع لهم واستخلاص ما أمكن من النتائج لتعزيز ما هو إيجابي وتجاوز ما هو سلبي واعتبار ذلك عملية تقييم لسنوات عملهم الماضية.