آخر الاخبار

أول أيام عيد الفطر 2024.. تحديد يوم رؤية الهلال بالحسابات الفلكية اليابان تقر ثاني أكبر ميزانية لها والإنفاق على الدفاع أبرز المؤشرات الولايات المتحدة تعرض 10 ملايين دولار مكافأة مقابل معلومات عن القطة السوداء بعد التوترات في البحر الأحمر.. سفن حربية روسية تدخل على الخط معارك شرسة في غزة ليلاً... والضربات الإسرائيلية تسقط 66 قتيلاً بعد 6 مجازر خلال 24 الساعة الماضية .. غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة القصف الإسرائيلي رئيس مقاومة صنعاء الشيخ منصور الحنق يوجه مطالب عاجلة للمجلس الرئاسي بخصوص جرحى الجيش الوطني .. والمقاومة تكرم 500 جريح تفاصيل يوم دامي على الحوثيين في الضالع وجثث قتلاهم لاتزال مرمية.. مصادر تروي ما حدث في باب غلق بمنطقة العود اليمن تبتعث ثلاثة من الحفاظ لتمثيل اليمن في المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته بجيبوتي قصة موت جديدة تخرج من سجون الحوثيين.. مختطف في ذمار يموت تحت التعذيب ومنظمة حقوقية تنشر التفاصيل واحصائية صادمة

الأراضي الضالة
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 6 سنوات و 10 أشهر و 12 يوماً
الإثنين 15 مايو 2017 09:24 م
 

في صيف ٢٠١٤ خرجت حشود في صنعاء تطالب الرئيس هادي باتخاذ خطوات جسورة تجاه الحصار الذي تفرضه جماعة الحوثي على العاصمة. ولم يمض سوى وقت قصير حتى كانت حشود أخرى تخرج في شارع المطار، صنعاء، تطالب الحوثي بالخطوة التالية، الجسورة.

استطاع صالح، منذ ذلك الوقت وحتى الآن، إخراج حشود كبيرة في وسط العاصمة صنعاء، تطالبه بالمزيد من كل شيء، وبأشياء كثيرة لا تعلم عنها الجماهير شيئاً. ومؤخراً قفز أحد قادة الحراك الجنوبي إلى المسرح، مسدلاً على الستارة على كل المسارح الجوالة في الجنوب، بأبطالها وممثليها الكلاسيكيين. كالثلاثة السابقين حصل الزعيم الجديد، عيدروس الزبيدي، على جماهير تطالبه بالحسم.

ضل كل حشد طريقه، وصار اليمن على نحو متسارع أرضاً للشعوب اليمنية المتناسلة. لا يعلم الزبيدي إلى أين سيقود شعبه الخاص. البيان رقم واحد الذي أذاعه قبل أيام، عن إدارة الجنوب بعيداً عن الحكومة اليمنية، دفعه إلى مصادمة المحيط الإقليمي، جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، على الأقل وفقاً للإدانات الصادرة عن الجهات الثلاث.

ربما، على نحو ما، استطاع الزبيدي أن يحرك القضية الجنوبية إلى الأمام، لكن هذه المرة كقضية متمردة. مثله فعل الحوثي من قبل، فقد حمله شعبه على الأكتاف لمقاتلة كل الناس. مات جزء كبير من "شعبه اليمني العظيم"، وذهبت عشيرته "المقدسة" تشيع المقاتلين والجنائز. ما من طريق معين سيسلكه شعبا الرجلين، سوى ما يتوفر حالياً وهو طريق الصراع ومزيد من الحروب.

 أصبحت عدن هي العاصمة دي فاكتو، الفعلية. وهو امتياز بمقدوره أن يدفع إليها الأموال الطائرة من الخارج والداخل. خلال أشهر يمكن لعدن أن ترى السقالات وقد ارتفعت في جهاتها الأربع. فهي في وضع جاهز لخلق الوظائف، والصعود إلى الأعلى كما ينبغي لمدينة ذات ذاكرة تاريخية، خبرة حضارية، وتقع على البحر. يختزل الزبيدي كل التاريخ في جملة واحدة: الاستقلال. وهي فكرة غامضة تعني الحرب.

الاستقلال الزبيدي يفهم في كل اليمن هكذا: زعيم جماهيري يريد أن يقتسم جزءاً من البلد ويذهب به بعيداً. البلد هُنا هو اليمن بمعناه التاريخي. يوغل الزبيدي في مغامرته قائلاً إن جنوب اليمن ليس جزءاً من اليمن، وأن لا علاقة لشعبه ولا أرضه باليمن.

هذه السخرية من التاريخ ومن الهوية، معاً، تُفهم بوصفها إعلاناً لموجة جديدة من الحرب في بلد غارق في الحروب. تعليقاً على "البيان رقم واحد" قال ناطق الحوثيين إن "الشعب اليمني" سيقاتل الاستعمار في الجنوب. يعتقد كل العالم بواحدية اليمن، بخلاف الزبيدي. الحروب التي ستنشأ حول مشروع الاستقلال ستكون مرة. على الجهة الأخرى سيلتقي صالح والحوثي وهادي، وسيصبحون رفقاء سلاح لأول مرة، وغالباً سيبدي العالم تفهماً لحروب الوحدويين. هذا السيناريو الكارثي ممكن.

المشروع الذي يقدمه الزبيدي يحوي بداخله كل أسباب الصدام. فهو لا يرى سوى شيء واحد، غير آبهٍ بما سيفعله الآخرون: استقلال الجنوب. يتشكل اليمن من الجزء الجبلي والجزء البحري. فكرة الزبيدي تقوم على استقلال الجزء البحري كدولة، وترك ٧٠٪ من السكان في الجبل. يطلق الزبيدي على الجبل اسم اليمن، ذاهباً بعيداً بالجزء الآخر، بعيداً حد تجريده الشامل من يمنيته.

يقدم الزبيدي مشروعاً غامضاً ورومانسياً، ويجد لمشروعه شعباً. كما يقدم الحوثي مشروعاً تدميرياً عن الصمود والبطولة ومواجهة الأعداء، ويجد له شعباً. بين الرجلين يتحرك شعب صالح، وهو توليفة من نظامه السابق ومنظومة عسكرية رثة. الطريق الذي أراده صالح، منذ البداية، كان هو طريق العودة إلى الحكم، وقد أصبح ذلك الحلم بعيد المنال. لذلك ما من مشروع لدى صالح حالياً سوى خوض المزيد من الحروب بشعبه حتى يحقق وضعاً أفضل، ولا يبدو أنه يمتلك تصوراً واضحاً عن ذلك الوضع الأفضل الذي يريده. وذلك هو ما بحوزته من مشروع.

ثمة شعب في الشتات، شتات الداخل والخارج، وهو شعب الجمهورية اليمنية، أو شعب هادي الجمهوري.هادي رئيس منتخب ليس لديه صورة عن الشكل الذي يمكن أن ترسوا عليه الحرب، ولا عن زمن ما بعد الحرب. وهو، وشعبه، ضل الطريق أيضاً.

الشعوب الأربعة تريد خوض مزيد من الحروب الغامضة، الحروب التي لم تعد تفهمها. أراد الحوثي المُلك، لكنه أفاق الآن من الحلم، بلا مُلك، وبالكثير من السلاح، وضل طريقه. فلم يعد قادراً على المضي قدماً، ولا على الخروج من الحرب. كذلك صالح.

أما مشروع الزبيدي في الجنوب فهو يريد تجريد ٦٠٪ من الأرض من يمنيتها، أولاً، قبل أن يغير واجهتها السياسية. قد يتسامح اليمنيون في الشمال مع فكرة استقلال جنوب اليمن، على أن يستقل كيمن آخر، لا ككيان مجرد من هويته اليمنية. مشروع الزبيدي يذهب إلى اقتطاع الجزء الأكبر من اليمن وإخفائه كلياً، ثم استبداله بكيان جديد لا علاقة له بتاريخ اليمن ولا بمستقبله، ولا يضمر له أي قدر من الود.

من الصعب القول إن شعباً ما، أي شعب، سيختار الحياد أمام مثل هذا الخسف التاريخي لهويته أولاً، وحقيقته ثانياً. التاريخ، كما الحاضر، يعج بنماذج مدمرة من حروب الأرض، وحروب الهوية. مثل شعب الحوثي لا يبدو أن شعب الزبيدي مستعدٌ لفهم المأزق على هذا النحو. وكما عثر شعب الحوثي على الأغنية النازية "مانبالي ما نبالي"، وتلك دفعتهم إلى المحرقة، فقد عثر شعب الزبيدي على أغنية شبيهة. وقبل أيام كتب نائب الزبيدي، وهو إمام جامع التحق الكثير من طلبته بتنظيم القاعدة، يقول إنهم سيشكلون مجلساً عسكرياً و"لن نبالي".

يقول الزبيدي إنه يريد دولة ما قبل ١٩٩٠، ويتجاهل حقيقة أن تلك الدولة كان اسمها "جمهورية اليمن". في الواقع هو لا يريد دولة ما قبل الوحدة، بل كياناً غامضاً يحكمه الصراع والضغينة مع ما يتبقى من اليمن، من جهة، ومع نفسه ثانياً. ربما ألمحت بعض دول التحالف العربي إلى قادة الجنوب عن تفهمها لطموحاتهم، وربما قالت إنها قد تدافع عن خياراتهم الراديكالية بقواعدها العسكرية. غير أن دولة ما، حتى أميركا، ليس بمقدورها أن تستزف نفسها وسمعتها في صراع طويل المدى على النحو الذي سيفضي إليه مشروع الزبيدي: حرب السكان ضد السكان، والأرض ضد الأرض، والتاريخ ضد التاريخ البديل، وأن يحدث كل ذلك في ركن معزول من العالم.

فيما لو أدار التحالف ظهره لفكرة "اليمن الموحد"، فإن إيران ستقدم وعودها للشمال باستعادة الجزء المقتطع من الأرض. قبل عام قال المرشد الإيراني إن وحدة الأراضي السورية خطٌ أحمر. وهي الفكرة نفسها التي سيعرضونها في شمال اليمن. ليس لدى "الثورة الإسلامية" الإيرانية من مشروع سوى الحصول على مزيد من الأرض والماء. كان قادة الفرس، قبل ألفي عام، يردون على أسئلة الشعوب المحاصرة بالقول "نريد الأرض والماء". وهم مستعدون، حالياً، لخوض حروب بالوكالة حتى أبعد مدى، فإذا لم يكسبوا الأرض والماء فهم لم يخسروا الحرب.

لا خيار لليمن، وللآخرين، سوى في استقرار هذا البلد. ولا بد من صيغة ما تعيد وضع الشعوب الأربعة في شعب واحد، وتسمح للأجيال الجديدة بالنسيان. فاليمن الذي سيستمر لآلاف السنين في المستقبل لا يمكن اختزاله في رجال أربعة زائلين.