التغيير بالصدمة ومراكز القوى
بقلم/ عارف الدوش
نشر منذ: 10 سنوات و 11 شهراً و 7 أيام
السبت 20 إبريل-نيسان 2013 10:42 ص

في الـ 6 من مارس 2012م كتبت مقالاً في صحيفة «الجمهورية» بعنوان "الرئيس هادي، التغيير بقص الأجنحة"، تناولت فيه بعد الشرح لنموذجي التغيير بالصدمة وبالتوافق بيان أن التغيير بالصدمة الذي يؤدي إلى التغيير الجذري غير مسموح به في اليمن، وأن الرئيس هادي خلال المرحلة الانتقالية التي تنتهي في فبراير 2014م سينتهج أسلوب التغيير بالتوافق ضماناً لوصول السفينة إلى بر الأمان وحينها قلت : وما على الذين يطالبون الرئيس عبدربه منصور هادي بسرعة اتخاذ قرارات قوية وعاجلة تأخذ شكل الصدمة إلا أن ينتظروا مثل هذه القرارات فهي في تصوري غير واردة، ويبدو واضحاً أن التغيير سيأخذ أشكالاً متعددة ومنها "قص الأجنحة" لكن كل أساليب التغيير التي ستكون متنوعة سوف تنتج عن توافق ورضا بين الموقعين على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

 وكان واضحاً حينها أن أمريكا والغرب ودول الخليج ترغب في التدخل الهادئ لتخفيف نفوذ أقارب الرئيس السابق "صالح" في قيادة الجيش والأمن قبل إزاحتهم، وذكرت صحيفة «الواشنطن بوست» في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة تريد أن تلعب ببطء تدريجيا لكي تزيح أقارب صالح من قيادة قوات الجيش والأمن والانتقال إلى جيش أكثر احترافاً وهذا ما تم بالفعل بعد عام وشهر بالتحديد في10 أبريل 2013م، فجاءت قرارات استكمال هيكلة الجيش تقيل ما تبقي من أقرباء صالح وتعينهم في مناصب دبلوماسية أو مستشارين لتؤكد ما ذهبنا إليه استناداً إلى «الواشنطن بوست».

لقد كانت سياسة التغيير"بقص الأجنحة" ضرورة قبل عام كون المؤسسة العسكرية والأمنية منقسمة والسلاح منتشراً بشكل مخيف والقوات الضاربة بيد أقرباء صالح وكان هناك توجس من إعادة الأمور إلى المربع الأول وانفجار الوضع في أي لحظة، أما اليوم بعد صدور قرارات الهيكلة فإن التروي والتأني والتأخير في اتخاذ قرارات التعامل بحسم وجدية مع المجرمين والخارجين على القانون يفتح شهية القوى المتربصة بالتغيير والتي تهادنه للقيام بممارسات أكثر جراءة في إضعاف السلطة والدولة.

لم يعد اليوم التغيير "بقص الأجنحة" مجدياً بعد أن فتحت قرارات الرئيس هادي الشجاعة بهيكلة الجيش الطريق أمام اليمن للتعامل مع مصادر التهديد مثل استهداف الكهرباء والتقطعات في الطرق والإختلالات الأمنية في المدن بجدية وحسم وأصبح أسلوب "التغيير بالصدمة" هو المفيد والمجدي مع المجرمين والخارجين على القانون ومراكز القوى التي تقدم لهم الدعم اللوجستي والمساندة المعنوية والمادية.

لقد تمت الإساءة للمؤسسة العسكرية والأمنية بشكل كبير خلال فترة حكم الرئيس السابق وأصبح دورها سلبياً ومدمراً ومعيقاً لبناء المشروع الوطني الجامع نظراً لسيطرة الأهواء والعصبيات القبلية والمنطقية والأسرية على مفاصل قيادة الجيش والأمن بل ضاقت دائرة القيادة العسكرية والأمنية لتنحصر في أسرة واحدة فكانت قرارات هيكلة الجيش ضربة معلم انتظرها أبناء اليمن طويلا كونها أعادت الاعتبار للجيش وفتحت الباب لبنائه على أسس علمية ووطنية بحتة بعيدا عن الولاءات والانتماءات الضيقة وكذلك باعتبارها خطوة مهمة لتعزيز أجواء ومناخات إنجاح الحوار الوطني الشامل.

ويمكن الجزم أن قرارات هيكلة الجيش قد أربكت مراكز القوى وأصابتها "بالدوخة والصداع المؤلم"، صحيح أنها جاءت عبر التوافق لكنها أحدثت الصدمة مما جعل مراكز القوى في حالة إرباك وتشتت والتروي والتساهل وعدم الحسم وإتباع أسلوب التغيير بالصدمة مع الإخلال بالأمن في المدن والمباغتة والجدية في التعامل مع من يستهدف الكهرباء أو أي إعاقات تمس حياة الناس ومعاشهم وأرزاقهم سيمكن مراكز القوى من التخلص من حالة التشتت والإرباك وستخرج من "دوختها " وستعيد ترتيب أوراقها واستعادة حيويتها التي فقدتها بفعل صدمة قرارات هيكلة الجيش.

إن تأكيد الرئيس هادي خلال الاجتماع الأول لهيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الشامل وأمانته العامة على ضرورة التصدي الحازم للأعمال المخلة والخارجة عن النظام والقانون المتمثلة بالإخلال بالأمن سواء من خلال تفجير الكهرباء أو أي تصرفات تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار هذا التأكيد القوي يعتبر توجيهاً صريحاً لقادة المناطق العسكرية السبع الجدد بضرورة القيام بواجبهم وكذلك الأجهزة الأمنية وقوات وزارة الداخلية ولا عذر لأحد بعد اليوم، فالجيش والأمن في بلد كبلادنا اليمـن كان ولا يزال هو الضامن في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة لتواصل عمليات التغيير الجذري والشامل لأوضاع البلاد وواقعها المتردي من خلال قيامه بالدور الإيجابي لتأمين مسيرة التغيير باعتباره حامياً للمشروع الوطني الهادف إلى بناء كيان يمني وطني ديمقراطي مدني.

أخيراً : يمكننا الجزم بكل ثقة بأن القوى السياسية ستتحاور في مؤتمر الحوار الوطني بعد قرارات الهيكلة في ظل مناخ حر وديمقراطي وستأتي مخرجات الحوار الوطني ملبية لطموحات الشعب وستلقى طريقها إلى التطبيق دون أي ضغط من مراكز القوى التي كانت تحتكر السلطة والدولة والجيش والأمن والمطلوب فقط هو التعامل بحزم وقوة مع الخارجين على النظام والقانون.