اليمن في الجيوب
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 29 يوماً
الجمعة 27 أغسطس-آب 2010 10:58 م

عندما تريد أن تنصح شخصا ما تجده مقصرا في أمر ما كالصلاة -مثلا- يرد عليك قائلا: الصلاة في القلب، والإيمان في القلب، وعندما تجده يقصر في حق والديه وتنصحه بأن يبر بهما يرد عليك بالقول نفسه، وكأن القلب أصبح وعاء لكل المعاني الجميلة الحب / البر / الطاعة / الولاء / المواطنة. وما دام القلب عامرا بظاهر القول بكل تلك المعاني السالفة وغيرها؛ فلا يهم الفعل والسلوك؛ إذ لا يبقى -برأي القائلين بذلك- للواقع الملموس أهمية تذكر.

وإذا ما أردنا من مقولة (اليمن في القلوب) المعنى نفسه فلا بأس في ذلك؛ وحينها لا يبقى ثمة فرق بين قول: الإيمان بالقلب واليمن بالقلب، ولا تهمنا بعد ذلك عبارة (وصدقه العمل) حتى لا ندخل في مظنة الرياء والسمعة.

وإذا ما حُصر اليمن تقدمه واستقراره ونهوضه وحبه في القلب فليس لأحد –أيا كان- أن يطلع على أسرار القلوب فيسأل عن تردي الأوضاع؛ حيث إن للقلوب أسرارها وغاياتها التي لا يطلع عيها ملك فيكتبها ولا بشر فيفسدها، وما أكثر البشر الذين يريدون إفساد علاقة الحب بهذه الصفة وقد أكون أحدهم برأي البعض. إذ نريد أن نفتش ونطلع على أسرار القلوب التي هي من حق الله وحده، ثم من يملك السر، هذا من ناحية.

ومن ناحية ثانية فإن (مقولة اليمن في القلوب) تحتمل معنى مجازيا؛ إذ هي مقولة أقرب إلى المجاز منها إلى الحقيقة؛ وعندها يكون قصد القائل من ورائها الكناية؛ حيث كنى بالقلوب -وهي المعنى القريب- وأراد الجيوب وهي المعنى البعيد؛ لعلاقة بينهما هي المجاورة؛ إذ الجيوب تكون في الجهة التي تلي القلوب مباشرة في الأغلب الأعم، وعلاقة المجاورة هي إحدى علاقات المجاز المرسل التي تخرج باللفظ عن ظاهره لغرض دلالي/ بلاغي هو هنا الحياء أو الاستحياء من قول الحقيقة وهي (اليمن في الجيوب). إذ يثبتها السلوك ويصدق عليها الحال فلا خلاف عليها ولا جدال.

وحقيقة اليمن في الجيوب نلمسها من الواقع المعاش، إذ كيف يكون اليمن في القلوب، واليمنيون يقتلهم الجوع ويقض مضاجعهم، وكيف يكون اليمن في القلوب، ومئات اليمنيين يغادرون اليمن إلى الخارج يتلمسون الدواء إذ لا يجدونها في بلدهم، لقلة الأدوات والأجهزة الطبية الحديثة. وكيف يكون اليمن في القلوب والكهرباء تغلق تيارها على اليمنيين كل يوم حمس مرات على الأقل؛ بحيث لم تبقِ من آمالهم شيئا؛ بل تزيد آلامهم برؤية الظلام الذي يخلع صورته في كل شيء. وكيف يكون اليمن في القلوب والجُرَع - الذي تشعر الرعية بالجزع والراعي بالعجز- مستمرة في مواصلة مشوارها الذي لا يقف ولا يكل؛ إذ هي في تقدم مستمرة لا يهدأ لها بال ولا يقر لها قرار. وأكتفي بهذه الأمثلة -وهي كنقطة في بحر من تردي الأوضاع- للتدليل على أن اليمن في الجيوب لا في القلوب إلا عند إرادة المجاز لا الحقيقة.