عن الفيلم المسيئ"وغبائنا "السيء" !
بقلم/ عبد الله قطران
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 9 أيام
الأحد 16 سبتمبر-أيلول 2012 04:27 م

شاهدت الفيلم القبيح الذي عمد به منتجوه إلى الإساءة للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وللدين الإسلامي، ولا أخفيكم القول بأني ما إن فرغت لحظتها من مشاهدته إلا وقد اكتظت مشاعري بجرح نفسي غائر وعميق لم يسبق لي أن شعرت به وبألمه وحرقته من قبل، جرح ترافق مع حالة بركانية من الغضب الشديد بداخلي ورغبة جامحة في إحراق وتدمير كل سفارات الغرب المسيحي في صنعاء، لكني مع كل هذه الغضبة الكبرى التي داهمتني، لم أفقد بعد السيطرة على قناعتي الراسخة بأن اللجوء إلى العنف كما حدث في بعض عواصمنا، ليس هو الرد أو التعبير الصحيح والمشروع عن الغضب تجاه هكذا إساءات للمقدسات تكررت من قبل وستبقى مرشحة للاستمرار والتكرار.

• يبدو هذا الفيلم سيئ الصيت، من الناحية الفنية ومن حيث الأداء التمثيلي والتصوير والمونتاج والإخراج، عبارة عن مادة سينمائية رديئة للغاية وعملاً تلفزيونياً بدائيا وفاشلاً، ويظهر ذلك من أول دقيقة في الفيلم الذي يستمر قرابة 14 دقيقة وقام بتمثيل أدواره مصريون أقباط وأنتجه منتج يهودي إسرائيلي في أمريكا، وركزت كل مشاهده وحواراته باللهجة المصرية على توجيه إساءات مقززة وبالغة الوقاحة للدين الإسلامي والقرآن الكريم ولشخص النبي الكريم سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كما تضمن الفيلم الإساءة كذلك لزوجات النبي وللصحابة وخصوصاً لشخص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً.. وهو ما يعني أن من يقف خلف هذا العمل المشين هي عصابة دولية قامت بتنفيذه على عجل لافتعال مشكلة دولية وتوسيع الحاجز الديني والنفسي بين شعوب العرب والمسلمين وبين شعوب الغرب الأوروبي والأمريكي، بالإضافة إلى التأثير على الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي باراك أوباما لصالح منافسه الجمهوري الذي سارع إلى استغلال حوادث الاعتداء على السفارات الأمريكية في القاهرة وصنعاء وقتل السفير الأمريكي في ليبيا، متهما إدارة أوباما بالتساهل وتشجيع الثورات العربية التي أعطت السلطة للمتشددين الإسلاميين المعادين لأمريكا على حد وصفه،

• من يتمعن في خلفيات هذا الحدث وتوقيته وتداعياته التي أخذت تتوسع وتكبر سريعاً مثل كرة ثلج متدحرجة، يمكنه القول بأن ثمة أطراف مستفيدة من عودة القطيعة والعداء بيننا كعرب ومسلمين وبين شعوب وحكومات الغرب عموما والأمريكيين خصوصاً، وإبقاء منطقتنا في حالة متأزمة بشكل يؤدي إلى إرباك عمل الحكومات الجديدة التي جاءت بها ثورات الشعوب..

وهؤلاء المستفيدون هم الذين وجدوا أنفسهم متضررين بطبيعة الحال من صحوة الشعوب الثائرة في دول الربيع العربي التي أطاحت بأنظمة الاستبداد وجاءت بحكام جدد منتخبين ينتمي بعضهم للتيار الإسلامي،، ويتمثل المتضررون في فئتين أو جهتين -مختلفتين في الشكل وفي نوعية الهدف لكل منهما-،: أما الجهة الأولى فهي التي تتمثل في عصابات \"اللوبي الصهيوني\" التي تدعم وتمول بقاء دولة الكيان الإسرائيلي في أرض فلسطين المحتلة، بينما تتمثل الجهة الأخرى في بقايا وفلول الأنظمة العربية الديكتاتورية سواء المخلوعة منها والتي خسرت مواقعها ونفوذها ومصالحها، أو تلك الأنظمة التي ما زالت تنتظر دورها وتترقب متوجسة اندلاع ثورة شعبية لخلعها في أية لحظة، هؤلاء تجمعهم مصلحة واحدة في ضرب ذلك التعاطف الأمريكي والغربي تجاه ثورات الربيع العربي ضد أنظمة القمع والظلم والاستبداد والتوريث البائدة ،،

• ومن خلال ردود الأفعال والأفعال المضادة التي تكشفت خلال الأيام القليلة الماضية على خلفية هذه القصة، يظهر جلياً أن الذين صنعوا لعبة الفيلم المسيء في هذا التوقيت، قد سعوا في محاولة لإقناع الشعب الأمريكي قبل انتخابات البيت الأبيض بأن إدارة أوباما الديمقراطية قد ارتكبت خطيئة كبرى لا تغتفر حين أبدت دعمها وتعاطفها مع ثورات شعوب الربيع العربي.. إنهم يسعون لضرب حالة التقارب النفسي التي تنامت مؤخراً بصورة نسبية بين شعوبنا وبين الأمريكان في أعقاب ثورات الربيع العربي، إنهم يستغبوننا –كالعادة- ويستثمرون فينا وجود هذا الحب العظيم الذي يجري مجرى الدماء في نفوسنا وعقولنا وأرواحنا معشر المسلمين تجاه مقدساتنا الإسلامية وفي المقدمة منها رمز هذا الدين الحنيف ورسول الرحمة والهداية حبيبنا النبي الصادق الأمين والرسول الكريم\"محمد بن عبدالله\" الذي نفديه كلنا بأرواحنا وأولادنا وأموالنا صلوات الله وسلامه عليه.

• لست بصدد مناقشة الوسائل التي يمكننا التعبير بواسطتها عن مواقفنا أو إبداء غضبتنا تجاه أي إساءات أو سفاهات تطال ديننا أو أنبيائنا أو أحد مقدساتنا، لكني كثيراً ما أتأمل في غبائنا المفجع الذي يجعلنا نكرر الخطأ الواحد عشرات المرات من دون أن نملّ منه رغم وضوحه وسهولة اكتشافه .. ولكم أيضاً بأن تتأملوا، حجم الغباء الشديد هذا الذي نتحلى به منذ مدة في التعامل مع الأعمال المسيئة لمقدساتنا، وكيف ساهمنا بواسطة هذا الغباء العجيب في تحويل بعض السفهاء والفاشلين والأقزام المغمورين إلى نجوم ومشاهير عالميين في الفن والأدب والإعلام وغيره، نحن الذين أهدينا لكل منهم \"فرصة العمر\" وحققنا له أمنيته المستحيلة ورفعناهم إلى القمة وصنعنا منهم أبطالاً وأعلاماً محليين وعالميين، ولم يكن أحد منهم يحلم يوماً بتحقيق ذلك، حيث لم يكن أحد ليعرفهم أو يهتم بهم أو يذكرهم قبل أن يحالف \"الحظ\" بعضهم ويقوده إلينا، أو قبل أن ينتبه بعضهم لغبائنا هذا، حين تلقفنا بعض أعمالهم الفاشلة فحولناها إلى إبداع تتسابق لنشره كبريات المؤسسات الإعلامية في العالم، بعد أن حشدنا التعبئة الشعبية العارمة ضد أوطانهم وشعوبهم والدول التي يقيمون فيها وهاجم بعضنا سفارات بلدانهم وقاطعنا بضائعهم التي نعتمد عليها في مأكلنا ومشربنا وتسيير شئون حياتنا، بدعوى التعبير عن الغضب والرد على إساءاتهم وتطاولهم بحق مقدساتنا،،

• تخيلوا، وهكذا هو حالنا، كم يبدو الأمر مغرياً ومثيراً لشهية الحالمين بتحقيق النجاح العاجل عبر بوابة الشهرة والنجومية السريعة هذه التي فتحناها مشرعة لكل من يشعر بالفشل والإحباط وخيبة الأمل في حياته المهنية، ما عليه سوى أن يبحث في قاموس الشتائم عن كلمة أو عبارة بذيئة يلقيها علينا لعلها تستفز غيرتنا المتأهّبة لكل ناعق أو تشعرنا بأنه قد أساء إلى شيء ما من معتقداتنا ومقدساتنا الدينية بقصد أو بغير قصد، وما عليه إلا أن ينتظر قليلاً ويهيئ نفسه إلى الوضع الجديد الذي سيجد نفسه فيه بين النجوم والمشاهير والشخصيات المثيرة للجدل، وسرعان ما يجد صوره واسمه يتصدر نشرات الأخبار وصفحات الصحف الكبرى، والبركة فينا طبعاً وفي طريقة غيرتنا الخاطئة على ديننا ومقدساتنا وردود أفعالنا الغوغائية!!

• لذلك يبدو أن علينا أن نتوقع الكثير مستقبلاً مثل هذه الإساءات لنا ولديننا ولمقدساتنا من الغرب ومن الشرق، بل وحتى من بعض أبناء جلدتنا المهووسين بحلم الشهرة والنجومية السريعة ولو من باب الإساءة لمقدس ما من مقدساتنا الدينية، ما دام الحال لدينا قابلاً للاشتعال فينا بمجرد أن يرمي أحدهم إلينا بفتيل حيث نهبّ لالتقاطه سريعاً ونقوم نحن بإشعال حرائق ونيران لا تلْتهم غيرنا،،

وما دام الوضع لدينا مهيئاً هكذا لإنتاج ردود الفعل الغوغائية، فلنا أن نتخيل منتجي مثل هذا الفيلم القذر وأمثالهم، كم سيتباهون ويتبجحون ويشربون نخب انتصاراتهم التافهة وكيف سيتحدثون عن غبائنا وسذاجتنا بكل سخرية واستخفاف ونحن نحقق لهم ما أرادوه من وراء مثل هذا العمل الرخيص، ونستجيب لكل من يحاول استفزازنا كما تفعل الثيران في حلبة المصارعة كلما لوّح لها أحدهم بقطعة قماش حمراء !

** صلوات الله وسلامه عليك يا حبيبي يا محمد يا رسول الرحمة والسلام