وسائخ الإعلام العربي
بقلم/ محمد يحيى موسى
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 18 يوماً
السبت 28 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 04:37 م

لايختلف اثنان ولاتنتطح عنزتان على أن مصطلح الإعلام يرتبط غالبًا بمفردتي (وسائل) أو(وسائط)؛ ولكني ونتيجة للأحداث التي واكبت (معركة) مصر والجزائر حاولتُ أن استولد مصطلحًا جديدًا بعد العجز عن إيجاد مايتطابق لفظًا ومضمونًا مع ماجريات تلك الأحداث ؛ ولم أجد أكثر جهوزية وأليق تموضعًا من مصطلح (وسائخ) ، وما أدري ماتسمى هذه الصيغة الجمعية في علم اللغة ، ولكن ذلك لايهم بقدر الاهتمام بتصوير الاستياء الذي ولّدته أقدام الأشقاء !

فالمتعارف عليه في أنحاء المعمورة أن الرياضة بمختلف أشكالها ومسمياتها وسيلة للتقريب بين الشعوب وإزالة الغشاوات التي من المؤكد أن للسياسة الدور الأكبر في تأصيلها ، ولعل عودة الحرارة إلى العلاقات الأميركية - الصينية في سبعينيات القرن الفائت أو كما سميت (دبلوماسية البينج بونج) أبينُ دليل على ذلك ، وهناك الهند وباكستان ومابينهما من المشاكل والاحتكاكات المستمرة ؛ لم يمنع كل ذلك من التنافس الشريف بين رياضيي البلدين وخلع مخلفات السياسة عند بوابات الملاعب ، أيضًا كوريا الجنوبية والشمالية ولقاءاتهما التي لاتوحي أبدًا أن هناك منغصات وحزازات بين البلدين ، وكلًا في بابه .

وفي الوطن العربي مهبط المتناقضات ومستودع الصراعات ، يحدث بين الأشقاء ما لايمكن أن يحدث في مكانٍ آخر ، من كان يصدق أن تتحول مباراة في كرة القدم إلى مباراة في فنون الخروج عن المألوف ، من كان يصدق أن العرب أنفسهم سيخوضون منافسة شرسة في التصديق على عبارة ( العرب عبارة عن قطيع من الهمج ) والتي يروجها الإعلام الغربي في أفلامه ومسلسلاته ، ثم تكون الطامة الكبرى حين تدخل إسرائيل وتطلب من الطرفين التعقل وضبط النفس ، إنها قمة المهزلة والاستخفاف ، فإسرائيل بذلك تريد أن تبدو أمام العالم رزينة وغير متهورة كما يتهمها العرب والدليل جليّ وواضح؟!

وقد كان لإعلام البلدين وخصوصا الإعلام المصري دور البطولة في هذا المسلسل عبر الشحن الزائد والمتواصل وتعبئة الجماهير المكونة أساسًا من المراهقين والعاطلين عن العمل بسيلٍ من الأخبار التي أجّجت الوضع واختزلت أحداث العالم كله في هذه المباراة ، فلا حديث إلا عن المباراة ولا نقاش إلا عن المباراة وهلم جرًا ونصبًا ، وتم التجييش ونصب المتاريس وإعلان حالة الطوارئ في جميع هذه الوسائل المرئية والمكتوبة والمسموعة عبر البث المباشر للأغاني الوطنية والعاطفية ، وتصوير الفوز على الجزائر والتأهل لكاس العالم بأنه قضية وطن ومصير شعب ، وكذلك ربط هذه المباراة بكرامة الإنسان المصري والحفاظ على ريادته في الوطن العربي ، وكان للقنوات الفضائية المصرية الخاصة نصيب الأسد في افتعال هذه المعركة أو الموقعة – كما أطلق عليها – عبر برامج التوك شو ، التي وصل بها الأمر إلى استخدام ألفاظًا وأوصافًا أقل مايقال عنها أنها (قلة أدب) ، أمّا الإعلام الجزائري فقد شارك بدوره في هذا الوهم ولم ينغمس كليًا كما فعل الإعلام المصري ؛ بل ترك الأمر لصحيفة الشروق لخوض هذه المهزلة ، التي نجحت في إدارتها واستفزت المصريين برغم إمكاناتها البسيطة بالمقارنة مع الإعلام المصري ، وذلك عبر الإثارة الصحفية ونشرها أخبارًا صحيحة ولكنها غير دقيقة في معظم الأحيان ، ولجوئها إلى التهويل في صياغة الأخبار كما حدث في نشرها خبر مقتل ثمانية جزائريين في القاهرة ، الأمر الذي أدّى إلى توّعد الجزائريين بالثأر في السودان ، ليتضح بعدها أن هؤلاء الثمانية أصيبوا فقط ، ويحسب لوسائل الإعلام الجزائرية الأخرى عدم الانجراف وراء هذه المهاترات والبلطجة الإعلامية والتعامل معها بنوع من (تكبير الدماغ) والانشغال بإقامة المحافل لاستقبال بعثة المنتخب المتأهل إلى نهائيات كأس العالم .

لقد كان من المؤسف أن ينزلق الإعلام المصري المخضرم إلى هذه الهاوية ويتحول إلى سلاح بيد مجموعة من الدخلاء على هذه المهنة وغير المتخصصين (كالطفل حين تعطيه مفتاح سيارة ليقودها) ، وكانت الصور ومقاطع الفيديو الحقيقي منها والمفبرك وقود هذه المعركة الوهمية .

وفي وسط هذه الأجواء البائسة شُيّعت المهنية الإعلامية بصمت ، وتداعى آخر أساس في جدار المصداقية الذي بدأ بالتصدع في نكسة يوينو 1967 ؛ عندما أوهم أحمد سعيد المصريين من راديو صوت العرب أن طائرات العدو تتهاوى مثل الجراد ليفاجئوا بعد ذلك بمرارة الهزيمة التي أطلق عليها تخفيفًا نكسة .

وبين هذا وذاك كان الخاسر الأكبر في كل ذلك هو الجمهور المتحسر على تمييع هذه الوسائل التي جُعلت لخدمته ومسخها إلى أدوات لمنهجة الأوساخ وإدارتها ومن ثم بثها لهذا الجمهور .