لا للموت يا أهلنا في حضرموت
بقلم/ د.كمال البعداني
نشر منذ: 11 سنة و 3 أسابيع و 3 أيام
الأحد 03 مارس - آذار 2013 05:44 م

خرج شقيقي لشراء ماء للشرب وأثناء عودته اعترضه عدد من عناصر الحراك كانوا يستقلون دراجات نارية ومعهم مجاميع أخرى ، وبمجرد أن عرفوا أنه من أبناء المحافظات الشمالية قاموا بضربه حتى أُغمي عليه ثم قاموا بقطع أُذنيه الأولى قُطعت بالكامل والثانية قُطعت من النصف ، ثم قاموا بصب كميات من البترول عليه وأشعلوا فيه النار وهو مغمى عليه ، بعدها قاموا بسحبه الى مكان قريب للقمامة هناك وقاموا بتغطيته بالكراتين، ثم غادروا المكان وهم يتضاحكون) الحديث السابق يا سادة ليس على لسان أحد الشبان الفلسطينيين وهو يصف ما حدث لشقيقه في إحدى المستوطنات الصهيونية على يد اليهود في فلسطين المحتلة، وليس كذلك في رواندا بين قبائل الهوتو والتوتسي الإفريقية ، نعم ليس الحديث على لسان هؤلاء وإنما جاء هذا الحديث على لسان شقيق الشاب محمد غالب البحري من أبناء مديرية عتمة محافظة ذمار والذي تعرض للإعتداء والحرق والسحب في مدينة سيئون على يد عناصر الحراك المسلح بمحافظة حضرموت اليمنية ، هذه المحافظة التي لا يوجد أحد من أبناء اليمن من هم منتشرون في جميع أنحاء العالم مثلما هم أبناؤها، فهم في كل بلدان العالم تقريباً وفي كل بلد ينزلون فيه تكون لهم اليد الطولى في التجارة وإدارة رأس المال هناك، لذلك فإن ما يجري في بعض مناطق حضرموت هذه الأيام من اعتداء وتخريب للممتلكات وإحراق للبشر والحجر من قبل عناصر (الهلاك) يجعلنا في حيرة من أمرنا ، كيف يحصل منكم هذا يا أهلنا في حضرموت؟ كيف تضيقون ذرعاً بصاحب بسطة أو ببائع متجول لمجرد انتمائه الجغرافي؟ رغم أنه مسلم ويمني من أبناء جلدتكم، بينما لم يتضايق الآخرون منكم في بلدانهم وأنتم تقودون الإقتصاد ورأس المال في تلك البلدان ، والذي لاشك فيه أن الكثير من هؤلاء التجار قد بدأوا حياتهم التجارية من الصفر وربما كان أحدهم في بداية حياته العملية بائعاً متجولاً كهذا البائع المسكين الذي يتم الاعتداء عليه ومطاردته في شوارع المكلا وسيئون.. وغيرها من المدن في محافظة حضرموت ، فهلاّ وسعكم يا أهلنا ما وسع غيركم؟

لقد قيل قديماً بأن الفضل بعد الله في انتشار الاسلام في أندونيسيا وشرق آسيا كان للتجار اليمنيين من أبناء حضرموت ، والذين كانوا تجّاراً ودعاة في نفس الوقت فقد كان تعاملهم وأخلاقهم رديفاً لدعوتهم فدخل الناس بسبب ذلك في دين الله أفواجاً ، وإني هنا أتساءل واقول: ماذا لو شاهد أحد مسلمي شرق آسيا اليوم ما حصل لذلك الشاب المسكين في مدينة سيئون على يد البعض منكم يا أهلنا في حضرموت وما حصل لغيره بالإضافة الى الاعتداء على المحلات ونهبها والهجوم على مقرات الاحزاب وإحراقها، فماذا سيكون موقفه ؟ أعتقد جازماً أنه سيقول الحمد لله الذي هدانا للإسلام على يد أجداد هؤلاء قبل أن نعرف تصرفات هؤلاء، وإنني هنا أتساءل وأقول: ما هذا الصمت المطبق من قبل الغالبية العظمى من أبناء حضرموت والذين لاشك أنهم يرفضون تلك الأعمال؟ غير أن صمتهم سيحسب عليهم ، أين دور علماء حضرموت مما يجري هناك، باعتبار حضرموت هي معقل العلماء في المناطق الجنوبية والشرقية ؟ فما لنا لا نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزا ؟ نحن لا نريد منهم محاضرة في أبو ظبي بل موعظة في المكلا أو سيئون ، موعظة تقول بأن المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، نريد منهم أن يوضحوا للشباب حديثي السن والمغرر بهم من قبل عناصر (الهلاك) بدفعهم الى شوارع المدن ، نريد منهم أن يوضحوا لهؤلاء بأن أبناء حضرموت لم يكونوا في الماضي القريب يعيشون في جنات وعيون وزروع ومقام كريم كما تصور لهم تلك العناصر ، وضحوا لهم أيها الأحباب كيف كانت تصادر الممتلكات ؟ وكيف كان يتم سحل العلماء في الشوارع ؟ وكيف كان التدين تهمة ودليلاً على التخلف والرجعية والظلامية ؟ اشرحوا لهم كيف عبر الكثير منكم الحدود الشطرية السابقة ووصلوا الى صنعاء الحضن الدافئ لكل اليمنيين هرباً من الوضع القائم في جنوب البلاد وأملاً في الاستقرار أو الحصول على جوازات سفر تمكنهم من الهجرة خارج اليمن طلباً للرزق وجمعاً للثروة بعد أن كان يستحيل عليهم ذلك في ظل النظام الشمولي السابق؟

يا علماءنا الأجلاء في حضرموت نريد منكم أن تدافعوا عن الاحياء قبل الأموات وعن الوحدة قبل دفاعكم عن القبور والأضرحة ، فلولا الوحدة ما اعتليتم المنابر بسهولة وما ظفرتم بدار المصطفى والأحقاف ، لولا هذه الوحدة ما ظهر نجم الحبيب ولا عاد أبو الحبيب ! ولولاها ما خطب بن حفيظ، ولولا الوحدة ما استطاع الأستاذ محسن باصرة من إطلاق لحيته بسهولة والوصول الى قبة البرلمان ومع ذلك نجده اليوم يداهن عناصر الحراك ويبرر أفعالهم ولم يتمعر وجهه غضباً لما حصل لذلك الشاب من أبناء عتمه عند إحراقه ، ولم نسمع له استنكاراً لما يحصل من اعتداء على الممتلكات ومقرات الأحزاب والذي يرأس هو أحد فروعها في حضرموت، نعم لم نسمع له استنكاراً بل إنه هرع إلى عدن لمقابلة رئيس الجمهورية للدفاع عن عناصر الهلاك ومقابلة كبيرهم الذي علمهم الدمار (حسن باعوم) والذي تحول ومن معه الى (حسن باعو) تقدم الأستاذ محسن باصره بمبادرة إلى فخامة رئيس الجمهورية دعاه فيها إلى عدم الحسم العسكري ورفض المظاهر المسلحة من مدن حضرموت وإطلاق المعتقلين، سامحك الله يا أستاذ محسن وهل لو كان هناك وجود للقوة العسكرية أو حتى الأمنية كان سيحرق صاحب عتمة على مقربة من قسم الشرطة دون أي تدخل بل وقطع الطرقات أمام أعين أفراد الأمن أنفسهم ولم يتدخلوا خوفاً من اتهامهم بأنهم يريدون الحسم العسكري ؟ كنت أتوقع منك أستاذ محسن أن تتضمن مبادرتك إلقاء القبض على من قاموا بإحراق الشاب في سيئون وإحراق المحلات ونهبها بدلاً من المطالبة بإطلاق المحرضين لهم داخل السجون بل ويوجد منهم مشاركون في ذلك، فمهما تقربت يا أستاذ الى هؤلاء العناصر فلن يرضوا عنك فأنت مصنف عندهم في خانة أخرى وسوف يصفون حسابهم معك وأمثالك فيما لو صفا لهم الجو بعد ذلك، فحاضرهم كماضيهم حالك السواد .

 

فيا علماءنا الكرام نحن لا نطلب منكم أن تدافعوا عن أصحاب السلطة ولكن الدفاع عن أصحاب البسطة ، ونفس الكلام نوجهه هنا لإخواننا التجار من أبناء حضرموت في الخارج والذي يدعم البعض منهم   ( عناصر الهلاك ) ضد وحدة الوطن فنقول لهم اتقوا الله في أنفسكم فما هذا الجحود ؟ فهذه الوحدة هي التي مكنتكم من العودة الى أهلكم وذويكم بعد عقود من الانقطاع عنهم بسبب الوضع القائم آنذاك ، لقد كان الكثير منكم يحن الى مسرح الطفولة وملاعب الصبا في حضرموت ويشتاق الى رؤياها ولم يتحقق له ذلك إلا مع إطلالة فجر الثاني والعشرين من مايو 1990م ، والذي يسعى البعض الآن بغباء الى وأده وإسدال ستار النسيان على ذكراه ، لقد كان الكثير منكم يسكنون الفلل الفخمة في بلدان المهجر ويشيدون القصور العامرة ويركبون السيارات الفارهة ومع ذلك إن سُمح لأحدهم بزيارة أهله في الداخل فإنه لا يستطيع أن يحمل معه ابريقاً للشاي لأنه إن فعل ذلك اتُهم بالبرجوازية، ولا يستطيع أن يبني له داراً يليق به لأنه سيكون بين خيارين التأميم بحجة محاربة الرأسمالية أو المشاركة في السكن تحت شعار العدالة الاجتماعية ، هذه الحقيقة التي تعرفونها جميعاً، فما لكم كيف تحكمون ؟

أيها الخيرون في حضرموت وأنتم الكثرة أيها الشرفاء وأنتم الغالبية لا تتقاعسوا عن قول الحق والنهي عن المنكر ولا تسمحوا للماضي بالعودة اليكم فستندمون حيث لا ينفع الندم وليتخيل كل واحد منكم أن ذلك الشاب الذي تم احراقه وسحبه في سيئون هو ابن له فماذا سيكون موقفه وهو يتخيل ابنه يُسحب ويُحرق في شوارع سيئون وهذا الابن يلتفت يمنة ويسرة ويقول هل من مغيث هل من منقذ ؟ بل لعله قد استثار نخوة ( السلطان الكثيري ) والذي جرى كل هذا أمام قصره العامر في سيئون ، ولعل من رحمة الله بهذا الشاب أنه قد أغمي عليه قبل أن يتم إشعال النار في جسده ، ولو كان ما يزال في وعيه لرتل قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ) فلا للموت يا أهلنا في حضرموت ونعم للحب كما قال الملك الشاعر الكندي الحضرمي امرؤ القيس وهو يطل على قريته دمون في حضرموت بعد فترة انقطاع :

تطاول الليل علينا دمون

دمون إنا معشر يمانون

وإنا لأهلنا محبون

هكذا كان يفتخر بأصله اليمني وبمحبته لأهله في اليمن ، فهلاّ أحببتم أهلكم في اليمن كما أحبهم الملك الشاعر الجاهلي امرؤ القيس .

والله من وراء القصد .