خواطر في فلسفة الحب والزواج
بقلم/ منير الغليسي
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
السبت 24 يوليو-تموز 2010 05:54 م

مفتتح

حين شرعت بكتابة هذه الخواطر الأدبية المتنوّعة في موضوعاتها فيما يدور بين كثير من الأزواج ، و رُمْت إحالتها من فكرة مجردة إلى قضية اجتماعية ، على المجتمع - أفراداً وجماعاتٍ ومؤسسات - أن ينهض بها ؛ هممت بنوعية القارئ ، فهناك صنف من الناس سيسيء الفهم ، و سوف يعاتبني لتحيزي إلى صف المرأة الزوجة عن الرجل الزوج ، و له الحق في ذلك إن كان التحيز لمجرده .

لكن ، ينبغي له أن يعلم أنني ما قصدت الوقوف مع كل النساء ؛ فإن منهنّ من يكفرْن العشير و الإحسان ، حتى لو أُحسن إليهن الدهر كما ورد في الأثر . كما أنني بالمقابل لم أقصد الوقوف ضد كل الرجال ؛ فإن منهم رجالاً أكْفاءَ ، قائمين على أسرهم حق القيام .

إنني ما أردت (بذلك) إلا تلك الزوجة الصالحة َ الواعية ، التي تعرف حقوق زوجها و بيتها :

الزوجة التي تتعب ليرتاح زوجها و أولادها ، تشقى ليسعدوا ، تأرق ليناموا . . . و ليس بالضرورة أن تتعب و تشقى و تأرق كل التعب و الشقاء و الأرق ، إلا أن ذلك منها تفان ٍ و إخلاصٌ لا يعدلهما أو يزيد عنهما أيُّ تفان و إخلاص ، إلا من عبدٍ مخلص لربه في عبادته ، أو رجلٍ بارٍّ بوالديه ، خافضٍ جناحه رحمةً بهما .

أردتُ الزوجة َ القريبة من القلب والعقل والروح ، لا البعيدة . . الأليفةَ ، لا النّافرة . . الزوجةَ الصابرةَ المصابرةَ . . الأنثى لا المستأنثة . . الزوجةَ (الأم) ، و الزوجةَ (الحبيبة) .

الزوجةَ التي تؤسس لبناء الأبناء – ذكورا و إناثا- و تضع لبِنَةَ الأساس ؛ أملاً في أن تفتتح و زوجُها أهمّ مشروع تربوي أسري في حياتهما ، لكنك تجد أنها هي تفتتح و هو يغلق ، هي تقصّ من ناحيتها شريط التربية و الإرشاد ، و هو من جهته يقص شريط التسيّب و اللامبالاة و الإفساد ! !

هي مثال للمواطن الصالح العادل ، و هـو أنموذج لحكومـة فاسدة ظالمة . هـي ترعى الصلاح و الرشاد ، و هو يرعى الخراب و الفساد ! !

تلك الزوجة التي يقابل زوجُها كلّ فضل منها بجحوده ، و كل و اجب تقوم به و خدمة تسديها له ولبيته بنكرانه وصدوده ! !

تسعى لتوطيد أواصر القربى ، و توثيق عرى المحبة الزوجية ، و يسعى لحلحتها و خلخلتها . هي تبني ، و هو يهدم ! . هي كالنحلة ، و هو كدودة الأرضة : الأولى تبني و تنتج ، و الأخرى تستهلك و تخرّب ! !

لسان حالها :

(( متى يبلـغ البنيـانُ يوماً تمامَهُ . . . إذا كنتَ تبنيه و غيرُك يهـدمُ )) ؟ ! !

الزوجة التي تعطي عطاءً بلا حدود ، مقابل نكران و إساءة و جحود ! !

***

عجباً لهم ! !

كثيرون هم الأزواج - الذكور- المشاكسون العَنَدَة ، الذين يأبـَون إلا أن يعيثوا في أسرهم فسادا ! , و أن يعيشوا بعيداً عن السكينة و الاستقرار الأسري ، اللذَين لا يريدونهما لا لأنفسهم و لا لأولادهم و أهليهم ! ! فعجباً لهم .

إن هؤلاء مثَلهم كمثَل اللّص الأحمق ، مَن أدمن السرقة ، و الذي لا يغمض له جفن ، و لا يهنأ أن ينام إلا و قد سرق أي شيء ، حتى لو كان المسروق تافها ! ! فإنه إن لم يجد مبتغاه ، يغمـض عينيـه و يسـرق قرشـاً من أحـد جيـوبه ؛ ليضعه في آخـر !... حينئذ ينام قرير العين ، هادئ البال ، مطمئن الضمير!

و هؤلاءِ الطائفة ُ من الأزواج هم لصوص ، لكنّهم ليسوا سوى لصوص قلوب تحمل عطاءً في عطاء : حباً ، إخلاصاً ، وفاءً ، و بذلاً . . . فيبيعونها في سوق الكره و الغدر و الخيانة و حبّ الأنا . و ما أكثرَ مثلَ هذه الأسواق التي بائعـوها و مروّجـوها و مشتروها على السواء ، قد خلعـوا عنهم ضمـائرهم ! - إن كان لديهـم ضمـائر - و أصبحوا أشكالاً آدميـةً مفرغـة من معانيها ! !

***

إن حياةً زوجيةً قائمةً من طرَف ، و لا يسودُها الودّ إلا من طرف ، لهي أشبه بحبل عقده صاحبُـه من طرف واحد- أيضا- و أراد أن ينشر عليه ملابسَه ! !

لذلك جهل أو تجاهل هؤلاء ، و نسَوا أو تناسَوا قول المشرّع - تعالى - فيما يخصّ ارتباط العلائق الزوجية ، وأنها لا تقوم إلا بالمودّة و الرحمة بين طرفي الزواج : ﴿وجعل بينكم مودة و رحمة﴾ .

فإذا لم تجد المودّةُ و الرحمة إلى قلبيهما طريقاً معبـّدة بالألفة و الانسجام ، فأيّ طريق أخرى ينتظران هما عبورها ، إلا أن تكون موصلةً إلى هُوّة من الفوضى و التشرّد و الضياع الأسري ؟ ! !

و إذا كان أحدهما أو كلاهما لم يفقه ذلك ، فلمَ لا يفقه هو : ﴿فإمسـاكٌ بمعـروف أو تسـريح بإحسـان﴾ . على أن الطـلاق قرار من الصعب بمكان أن يخطر على قلب رجل عاقل ، أو على عقل رجل له قلب ؛ لما يترتب عليه من مآس ٍوخيمة على الزوجين كليهما ، و على الأطفال و الأبناء ، لاسيّما المآسي النفسية .

لكن تلك المعاناة َ ، و تلك الآثارَ المترتبة على الطلاق ، لن تكون أكثر منها في حال البقاء على زواج ، بيته أوهن من بيت العنكبوت ، و لو ادّعى من ادّعى أنه من حديد و حجارة وإسمنت ! !

و مادام ذلك كذلك ، فإنّ البيت سينهار على من فيه ، و الانفصال واقع لا ريب فيه ، إذا لم يكن عن رضاً ، سيكون بما لا يحمد عقباه – عياذا (1) .

و إذا كان الطلاق أبغض الحلال عند الله ، فإنه - في نظري- و الحال هذه ، من الواجبات ، بل القُربات ، و إلا لم يقرّه الشارع سبحانه . ودعوتي للطلاق ليس على إطلاقها ألبتة ؛ فإنه إن لم ينفع علاج الطبيب الماهر لمرّة وثانية وثالثة ، حيناً بالتلميح والإشارة ، وحيناً بصريح اللفظ والعبارة ، ولم يجدِ معهما حَكَم من أهله وحَكَم من أهلها مؤتمنان في تحكيمهما ، لا مراوغان ولا مزايدان على زيجة ديمومتها قد تكون أكثر فشلاً ، وعواقبها ونتائجها أكثر جرماً وبعداً ونُفرةً وخراباً ، وأكثر ظلماً . . إن لم ينفع ذلك ؛ فإن آخر العلاج وأنجعه هو (الكيّ) . وليس بالضرورة أن يأتي متأخراً بعد عديد سنيين تكون قد أتت على الأخضر من عمرهما ، ثم لا يأتي (الكيّ) إلا على جلدةٍ أكثر سخونةً وأشدّ حرارةً منه ! !

***

فإلى طائفة الخواطر الحوارية بين زوجين ، وهما أنموذج لغيرهما من الأزواج ، على أنني تناولت مادة الحوار فيها بأسلوب مترفّع عن الإسفاف ، وإلا فإن أيّ حوار – إن صحّ تسميته - في الواقع يدور بلغة مُسفّة ، وطريقة عنيفة . . إلا ما رحم ربك ، وقليلٌ ما هم .

- 1-

( قلب فضائي ! )

قالت : يا قرة عيني ، و يا سعادة قلبي ، روحي بروحك قد مزجت ، فصرنا جسدين بروح واحد ،

أينما ذهبت كنتُ معك : علوتَ جبلاً أو هبطتَ وادياً ، مشيتَ في برّ أو سريت في بحر . . .

إنني معك أسمع و أرى ، أفرح و أترح ، آلم و آمل . . .

لطالما نأيتَ بعيداً في سفر ؛ إذ أشعر بوعثاء سفرك يدبّ في جسدي ،

و أحسّ نفسي تكاد تستل من جسدي ، بل من نفسي ! و أنا المقيمةُ المنتظرة رجوعك ،

وكأنني أنا المسافرة لا أنت يا عزيزي !

قالت : أوَ تذكر يوماً قدمتَ فيه . . . و أنت عبوس الوجه ، مكلوم الفؤاد ؛ إذ فاجأتكَ بما جرى لك في عملك،

و حاولت أن أمسح عن وجهك غمامة حزنك السوداء بماء السماء : لا تحزن ، إن الله معك...

فذهلتَ : كيف لي أن أعرف ذلك ، وقلتَ : لا يمكن لأحد أن يصف ما حدث لك هذا الوصف

وهو لم يرك و لم يسمعْك ، إلا أن يكون نبياً , أو وحياً من عند الله ،

أو أن يكون الواصف من الجان ! أعاذك الله من شر الشيطان .

فرددتُ عليك : أن لا نبي بعد محمد و لا وحي ، ما أنا إلا زوجك ، أتنبأ عنك بفِراستي ..

و نفسي أنت وحيُها ، يا وحيَ نفسي و إيحاءَها !!

فلئن كنت قد تواريتَ عن عينيِّ رأسي ، على بعد ما بيني و بينك من مسافات وحواجز تحول دون رؤيتكك ،

فإني أراك وبجلاء بعيني فؤادي ، و أسمع هديرك عبر ذبذباته التي تستقبله ،

حيثما وجهت وجهك : قبل المشرق أو المغرب .

و حيثما كنت فولّ وجهك ... فإنّ لي( قلبا فضائيا) يراك و يسمعك ..

آه ! أيها الحبيب ...!!

 ***

قال : دعيني من هلوساتك ! و من خيالك المجنح في فضاء الشعوذة ،

لابد و أنه قد أصابك طائف من الشيطان .

أعوذ من شيطانك و منك إن كنتِ كذلك !

إن ثرثرتك لا تسمن و لا تغني من جوع بطني . إنها تتضور جوعاً ، هاتيني لقيمات ،

و اتركيني يا عابدة الخيال أعيش مع ( أعشابي الخضراء) (2) ،

فإن لها نضارةً و رواءً و رونقاً ليس كمثله عند أجمل جميلات العالم !

هي معشوقتي منذ صباي ، و ستظل كذلك مادمت حيّا !

دعيني معها و لها ، و لا تقطعي عليّ (كيفي) معها و بها ، بنزغاتك الشيطانية !

و إلا سأضطر إلى أن أرقيني بأذكار الصباح و المساء ؛

حتى لا تتخبطيني أنت و شياطينك بمسّكم أيتها الشيطانة !

سأرقيني ، و حينها لن تهتدي إليّ سبيلا !!

***

- 2-

( جـدل )

قالت : ما أجمل صوتَ المؤذن و أعذبَه ! كأنه ملَك من السماء ينادي

قائلا : يا أهل الأرض ، من يُرد الجنة فليلبّ النداء (( حيّ على الصلاة)) (( حيّ على الفلاح )) .

بل كأنه يخصّنا بهذا النداء ! ما رأيك أن تذهب و معك أحمد إلى المسجد ! ؛

ليتعلّم كيفية الصلاة ، و يتعرف على أهل الصلاح . . . بدلا من أن يسرح هو مع رفاق السوء ،

الذين ما برحوا يجرّرونه من نادٍ إلى آخر ؛ حتى لكأني به قد تغيرت أخلاقه ، و ساءت تصرفاته ،

و كأني أراه غدا شابا ضائعا مائعاً لا يحسن ألا مشط شعره ، و انتقاء ملابسه و عطره !

قال : دعي الخلق للخالق ! . . . و اتركي ولدك في نزقه ! و لسوف يكبر عقله ، وتمتاز الأمور لديه .

قالت : و أنت . . ماذا عنك ؟ !

قال : أنا . . . أمّا أنا . . . ! لا . . لا شأن لكِ بي !

ثم . . . ثم من أنتِ حتى تحاسبينني ؟ ! و ثم ليس كل شيء صلاة !

دخول الجنة التي تنشدينها برحمة الله !

ردّت : و من قال لك أيها العزيز : أن كل شيء صلاة ؟ !

و ثُمّة كيف تريد أن يرحمك الله و أنت لم ترحم نفسك ؟ !

إن نفسك لو أن لها قدرةً على أن تخرج منك لفعلت ذلك رحمة بك و بها !

ردّ عليها حانقاً : هيّا اذهبي ، و صلّي ، و ادخلي الجنة ،

و اتركيني أيتها الشيطانة مع (وريقاتي ) ! و إلا سأطردك بأذكار المساء !!

ثم لا تنسي أن تعدّي العَشاء ، و تغسلي الثياب ، وتكنسي . . . !

و تتركيني بعد ذلك أنام حتى الظهيرة ، و إلا فأنتِ طــــــــــــــــــــــــــــــــــــالق ! ! (3) .

الحاشية:

(*) كنت قد شرعت بكتابة هذه المادة قبل بضع سنوات ، عندما اتفق اجتماع العقل والقلب والروح ، على أن أجعل منها وحدة متكاملة تتناول كثيراً من موضوعات الخلاف والاختلاف الدائرة بين كثير من الأزواج ، لكنّ نواحيَ الحياة ومناحيَها حالت دون ذلك ؛ فبقيت محفوظة حتى اليوم ، ثم بدا لي من بعدُ أن أضيف لها موضوعات الاتفاق والتوافق عند طائفة منهم ، سواء أكان عرض ذلك بطريقة الحوار أو السرد ، وقد ارتأيت أن أبدأ بنشر ما تيسّر منها ، ومتى ما أتيح للعقل أن يجتمع بالقلب والروح من جديد أكمل ما بدأت إن شاء الله.

1- الشواهد على ذلك عديدة . ما أن تتصفح مجلة أو صحيفة خبرية إلا وتقرأ وترى ما تشمئز منه النفوس ، و تتأوّه له القلوب ، و تدمع له المقل ؛ سواء في مثل قضيتنا هذه ، أو قضايا اجتماعية سواها .

2- الشجرة الملعونة في القرآن ، هي شجرة الزقوم ، التي تنبت في أصل الجحيم ، لا أرى توأماً لها ملعونة ً عند أهل الأرض ، وتنبت في أصل الأرض وأعاليها ، غير شجرة القات ، الأولى ورد في وصفها أنها مرّة المذاق ، كريهة الرائحة ، قبيحة المنظر ، طلعها كأنه رؤوس الشياطين . . والأخرى مرّة المذاق ، وإن لم تكن كريهة الرائحة ، وقبيحة المنظر ، فإنها بذاتها شيطان مارد . فالشيطان يوحي لأوليائه موَسوساً ونافثاً شرّه في العقد ؛ ليضل الناس عن طريق الهدى . . وشجرة القات - التي ابتلي بها اليمنيون - توحي لأوليائها في سويعات من النشوة الشيطانية السحرية بأن الحياة المثلى أمام ناظريهم ، وأن مقاليد أبوابها بأيديهم ، ما عليهم إلا أن يفتحوا هذه الأبواب غداة أن ينفضّوا من جلستهم ، بل تخديرتهم . . أصلُها ثابت في عروق مدمنيها ، وفرعها منتشر في سلالتهم حتى حين . كم أخربت من بيت ، وشرّدت من أسرة ، وأفقرت من غني ، وأذلّت من عزيز ، وأمرضت من صحيح ، وشيبت من شاب . . . ! ! 

3- يحتار المرء في أمر كثير من الرجال ، أيّ عقول يحملونها ، كلمة (الطلاق) في ألسنتهم أسهل من شرب كأس الماء ، تجد الواحد منهم لأي سبب لا يرعوي في رميها ، أمام زوجه وأولاده ، أو أمام قرنائه ، أو أمام عامة الناس أو خاصتهم ، في أيّ مكان ، في بيت ، أو في سوق ، في مكان عام أو خاص . حين يتقدم للزواج من الفتاة تراه يركض بخيله ورجله ، ويريد أن يُتم الزواج في أقرب سانحة ، ويأتي بالوسطاء ، وعلى استعداد أن يقدّم مهجته فداءً للحبيب المرتقب ! ! ، وما أن يأويا إلى مأوى السُّــكنى والطمأنينة ، حتى يسفر عن مخبوء لسانه وقلبه ! ! وحين يجدّ الجدّ تراه يقسـم الأيمان المغلظة ما قالها ولقـد قالها . . نسي هذا المغفّل أو تناسى أنهما قد أخذ على نفسيهما من الله ميثاقاً غليظا .

عودة إلى تقاسيم
تقاسيم
ابو الحسنين محسن معيضقبل رمضان : رسالة إلى نبع الحنان
ابو الحسنين محسن معيض
د.عبدالمنعم الشيبانيقصيدة هندية من بنجلور
د.عبدالمنعم الشيباني
محمد مصطفى العمرانيأشياء غريبة تحدث !!
محمد مصطفى العمراني
د.عبدالمنعم الشيبانيأخي الحصان ثلاثة نصوص
د.عبدالمنعم الشيباني
مشاهدة المزيد