مصادر خاصة تكشف لمأرب برس عن شركة صرافة يتولى ارادتها سراً أرفع قيادي عسكري في المليشيات مدرج ضمن قائمة العقوبات الدولية السعودية تستضيف مباحثات مستقبل غزة بحضور امريكي وبريطاني وعربي تفاصيل لقاء اللواء سلطان العرادة بالسفير الصومالي .. ملفات وقضايا مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل لجنة السلم المجتمعي وزارة الداخلية تقر آلية صرف رواتب منتسبيها وتوقع عقدا مع بنك الإنماء اللجنة الأمنية بتعز تناقش الإجراءات المتعلقة بتعزيز الحماية للمنظمات الدولية ثورة الجامعات الأمريكية.. تربك التيار الصهيوني ... الشرطة الأمريكية تعتقل 93 طالبا مؤيدا لفلسطين بجامعة كاليفورنيا وزاره الدفاع الإسرائيلية توجه بسحب أحد ألويتها العسكرية من قطاع غزة تهديد أميركي يستهدف تيك توك ويتوعد بقطع علاقاته تصفيات المونديال..: قطر تنفرد بصدارة الأولى… وثنائية لليمن في نيبال
ضاقت بها الشقة, تنقلت بين حجراتها.. امتدت على السرير.. بارداً كان.. نقَّلت عينيها في أرجاء الغرفة.. بدا لها كل شيء غريباً.. فقدت جو الألفة مع كل ما حولها.. رمت بمجلة مصورة كانت بين يديها على الأرض.. كم هي الوحدة قاتلة!.. خرجت إلى شرفة الشقة.. الزقاق مشحون بالسكون, يتمدد باستسلام تحت عمود نور يتيم بضوئه الشاحب.. حدَّقت في اتجاه الشقق المواجهة لها.. الهدوء يضرب بمطرقته على رأسها.. أصاخت السَّمع, لم يكن هناك وراء الستائر البيضاء سوى الظلام.
قطع تأملها مواء قِطَّين.. مزَّق شرنقة السكون القاتل.. حرَّكت رأسها وعينيها.. ثبتتهما على صندوق القمامة في طرف الزقاق, ومن داخل الصندوق قفزا.. جريا.. لامس أحدهما الآخر.. واصلا الجري.. شيء من الدعابة في جريهما, ذلك لا يخفى على النظر.. توقفا تحت عمود النور.. مواؤهما لمن يتوقف.. عض القط الكبير الأصغر في رقبته.. تقلَّبا على الأرض.. قاما سريعاً.. خف مواؤهما.. تمدد الصوت.. صار مبحوحاً, تنهدت, التفت القط تجاه الشرفة, قرفصت قبل أن يراها.. تسارعت دقات قلبها.. رفعت رأسها بحذر.. سكن القطان وعاد الهدوء إلى منبته, وتوزعت الوحشة على الزقاق والشرفة.. خشيت أن يقطع القطان ممارسة طقسهما الجميل, برهة, عاد القطان للمواء.. انتصبت.. جَريا.. اختفيا تحت الشرفة, مدّت رقبتها, لم ترهما.. تنهدت. مواء القطين يزداد ومعه يزداد الشجى ودقات قلبها, يتناقص المواء تدريجياً.. ابتلعاه مع لعابهما, أعاد السكون سيطرته, وعادت هي إلى الغرفة, أطفأت النور.. تمددت على السرير وبدأت تموء.
ق.. ح
- مع قبلاتي الحارة.
رددها مرتين, وضعها في ميزان ذهنه كما يحب أن يردد دائماً.
حرك قلمه بطريقة استعراضيَّة وبنشوة.
(ق.. ح)
كتبها في ذيل رسالته, ضاغطاً على النقطة, مط شفتيه وقال:
- هذا أفضل.. معقولة, غامضة, مفهومة والأهم من ذلك أنها قابلة للتأويل.
صوب نظرة تجاه الزاوية العليا من ركن الغرفة.. التقطت عيناه سحلية تتحرك بتؤدة.
وضع القلم على الورقة.. بهدوء قام على أطراف أصابعه, التقط فردة حذاء.. ثوان والسحلية على الأرض وعليها الحذاء.
- قتلها حلال.
كررها:
- قتلها حلال (ق.. ح).. يا إلهي أي شؤم هذا.
شعر بالضيق, حرك رأسه يُمنة ويسرة, ليطرد العبارة من ذهنه.. جف ريقه.. اتجه نحو الثلاجة بحركة عصبيَّة.. وقال محدثاً نفسه:
- أرغب في قرطاس حليب.
بعد صمت, قال باستغراب:
- ماذا؟!.. قرطاس حليب.. (ق.. ح) أيضا!!
ازداد ضيقاً.. ألقى بنظرة إلى جوف الثلاجة.. ليس في أحشائها سوى وعاءً معدني يبتلع ما تبقى من غذاء الظهيرة وقارورتين من الماء.
عاد إلى مقعده.. قبل أن يضع فتحة قارورة الماء في فمه, أغمض عينيه.. ابتسم.. وقال:
- أجعلها- اللهم يا رب- قارورة حليب.
وبحركة سريعة أبعد القارورة عن فمه.. وضعها على الأرض.. وبمرارة قال:
- قارورة حليب.. (ق.. ح) أيضاً.
بضجر فتح التلفاز وصدم بالصوت:
- (هذا وقد ألقيت على المدينة عشرات القنابل الخارقة).
قالها المذيع رافعاً كلمة المدينة.
شتم المذيع بعصبية.
- عشرات القنابل الحارقة.
رددها بسخرية وهو يقفل التلفاز:
- قنابل حارقة.. (ق.. ح).
هجمت يداه على الرسالة.. مزقها بأسنانه ويديه.. نثرها قطعاً على المنضدة. خال مزق الرسالة تتحرك أمامه كذيل السحلية التي ودعت الحركة في ركن الغرفة قبل لحظات.
رمى برأسه على كفيه وفي بحر الشرود غاص.
أفاق على نداء صديقه من الشارع.
- قاسم حسن.. ها.. قاسم حسن.. أنا قاسم حسن.. (ق.. ح) أيضاً.
جال بنظرة على الطاولة, لم ير أمامه سوى ورقة ممزقة وقلم حبر نائم.
موسكو 1988م
*من مجموعته القصصية "طفل.. الليلة قبل الأخيرة".