ماذا يجري داخل الحزب الحاكم؟
بقلم/ عبدالحكيم هلال
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر
الثلاثاء 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 08:09 ص

 
 

في الاجتماع الاستثنائي لـ"اللجنة الدائمة"، وقف عبد السلام العنسي، ليلقي خطابه الاستثنائي أمام الرئيس. بدا كمحارب قديم لم يعد يمتلك من شيء سوى النصيحة، شجاعة يدخرها بين الحين والآخر لمثل هذه المواقف. وجه قوسه نحو الرجل الأول في النظام، وبدأ بتصويب سهامه.

- كان الجو مفعماً بالحساسية والترقب، في محفل أراده الرئيس جسراً انتقاليا من الكمون والعجز، إلى الشرعية الداخلية والانطلاق كيفما كانت التحديات. غير أن الرجل العجوز الممتلئ بالخبرة، ذو التاريخ السياسي والحزبي، أرادها أن تكون خطوة مدروسة تحيط بكل المتغيرات.

"سيقولون لك أن المعارضة مازالت ضع يفة، وغير قادرة على شيء.. غير أني أقول لك أن الأوضاع تغيرت عما كانت عليه في السابق" ربما كانت هذه الكلمات ليست بالضبط هي ذاتها المصاغة في رسالة الرجل. غير أن بعض من حضروا الاجتماع أشاروا إلى ما يقترب من المعنى الكلي لل عبارة.

برر المحارب الجذل أهمية خيار تأجيل الإنتخابات، وقدم للرئيس مبررات تجعل من هذا الخيار مقبولاً بحكم السياسة والمنطق.. غير أن الرئيس لم يستسغ الأمر، فكان كمن يحاول اتقاء سهامه بتعمد إهمال النظر إليه، محاولاً التقليل من شأن ما يقوله، غير أن المحارب القديم، كان بين الفينة والأخرى يتوقف، طالباً منه حسن الإصغاء إليه، وفي المعنى: الانتباه لاستقبال تلك السهام.

لم يصمد الرئيس طويلا، فأراد أن ينهي المعركة بتحويلها إلى مسرح هزلي. طلب من الرجل الجلوس: خلاص ياعبدالسلام ما حد صفق لك.. هيا أجلس..!!. غير أن المحارب العنيد، لم يجلس إلا وقد أفرغ ما في كنانته.

لعبة الولاءات

كان العنسي أحد أركان النظام ومن أبرز مؤسسي المؤتمر الشعبي العام. وشغل فيه مواقع عليا. كان رئيساً للهيئة التنفيذية، يقود المؤتمر بمثابة الأمين العام. في المؤتمر العام السادس – تقريباً – أزيح من مواقع صناعة القرار، وفي المؤتمر العام السابع فرض الرئيس أسماء الأمناء العامين المساعدين، بحسب ما أشيع حينها، لتفويت الفرصة على بعض من كانوا ينوون الترشح، مثل العنسي وأحمد الأصبحي، لاعتبارات متعلقة بالخلفية، والطبيعة الناقدة.

في العدد الأخير من صحيفة الشارع كتب أحمد الشرعبي – عضو اللجنة الدائمة – عن بدائل الرئيس، وأختتم مقالته القصيرة بالتساؤل: واليوم على أي بديل يتكئ "صالح" غداة تقرض الفئران حصيرته وتدمر الولاءات الضيقة بداياته الطيبة، وينفض الصادقون من حوله..؟ حتماً كان هذا المحارب المقيد اليوم أحد أولئك.

أفرزت نتائج المؤتمر العام السابع(ديسمبر 2005م عدن)، عن تغيير ملحوظ في خارطة القيادة في الحزب الحاكم. تم الإطاحة ببعض من ذوي الولاءات الوطنية، وتعزيز دور ذوي الولاءات الضيقة. وبشكل طبيعي كان من شأن تلك العملية الجراحية لتضييق دائرة الولاء، أن رافقتها مضاعفات جانبية طالت المفهوم العام للولاء الوطني، ليصبح مرتبطاً قبل كل شيء بالولاء للفرد، وبحيث يحظى الأكثر ولاء للرئيس، بالقرب والحظوة القيادية. على أن العملية برمتها أثرت تدريجياً على تماسك الحزب الحاكم وبالتالي على الوطن ككل.

لم يدرك عبد القادر باجمال، لعبة الولاءات تلك فحسب، بل كان يدرك أيضاً أن الرئيس أحوج ما يكون لولائه، وهي فرصة لا يمكن تأمينها إلا في مثل هذه الظروف، تحت ضغط الحاجة لرجل من المحافظات الجنوبية، لتجميل وجه النظام في تلك المناطق التي كانت تشعر بالاختلال الحاصل في اتفاقية الوحدة كنتيجة لحرب صيف 1994. وعلى ذلك، رفض باجمال فكرة الدخول في منافسة مع صادق أمين أبو رأس على الأمانة العامة للحزب، وهدد بتقديم استقالته من الحكومة إن لم يتم تزكيته كأمين عام للحزب، أسوة بتزكية الدكتور عبد الكريم الأرياني نائباً للرئيس. بعد تزكية باجمال، برز صراعاً آخر حول انتخاب الأمناء العامين المساعدين. وتماشياً مع الوضع السابق، فُرضت خمسة أسماء على القاعة وهم: عبد الرحمن الأكوع، سلطان البركاني، صادق أمين أبو رأس، يحيى الراعي، أمة الرزاق حمد. بعدها برز خلاف آخر إذ كان كل من الأكوع والبركاني يتجاذبان على قطاع السياسة. وانتهى الأمر بإسناده للأكوع، وتسليم البركاني قطاع الثقافة والإعلام.

منذ ذلك الحين بدأت تتشكل خناداق داخلية أخرى في الحزب، لتفرز حالة صراع دائمة، كانت تتجسد نتائجها بين الحين والآخر بشكل تغييرات داخلية في الحزب وأخرى متصلة، بالحكومة. كان الرئيس يفرض تلك التغييرات تحت ظروف ومتغيرات خاصة،غالباً ما كانت ترتبط بشيئين: قدرة هؤلاء على حبك المؤامرات والإيقاع بأولئك، وتصيد عثراتهم، والقدرة على تلحين المسوغات والمبررات. وحتى يحافظ على ولاءات كافة الأطراف، كان الرئيس يجري تلك التغييرات، بشكل دائري. مرة يرضي هؤلاء، وأخرى يعود لإرضاء أولئك.

الأيام الذهبية لـ" باجمال

جاءت التغييرات الأخيرة في قيادة الحزب الحاكم – الأربعاء الماضي – حسب مصادر في اللجنة الدائمة كحاجة ماسة لما آلت إليه الأوضاع الداخلية بدرجة أساسية، والمحيطة بدرجة ثانوية. إذ كان عبد القادر باجمال- أمين عام الحزب – مايزال مريضاً يتلقى العلاج في الخارج.. فيما ظل عبد الرحمن الأكوع – القائم بأعمال الأمين العام – عاجزاً عن السيطرة على تلك الخلافات التي اشتدت مع تعيينه في هذا الموقع في (مايو الماضي). ومؤخراً قدم ياسر العواضي، استقالته من رئاسة اللجنة الفنية، يأتي ذلك في وضع بالغ الحساسية بدنو موعد الاستحقاق الانتخابي القادم في ابريل 2009م. وبسبب تلك الخلافات لم يستطع الحزب إعداد خطته لدخول الانتخابات القادمة أو بعث همم أعضائه استعدادا لهذا الاستحقاق، فيما الأزمة متصاعدة مع المحيط السياسي والاجتماعي مع المعارضة، وحركة أبناء الجنوب الرافضين كليهما – كل له مبرراته الخاصة - الدخول في الانتخابات القادمة، وإحياء جذوة الديمقراطية الانتخابية.

أمام تلك المتغيرات، قرر الرئيس إصلاح الوضع الداخلي، بتعيين اللواء عبد ربه منصور، أميناً عاما للحزب، إلى جوار موقعه الحزبي السابق كنائب لرئيس المؤتمر، وموقعه التنفيذي الحالي، كنائب لرئيس الجمهورية. أما باجمال فقد تم استحداث موقع جديد له، كنائب لرئيس المؤتمر، إلى جوار الدكتور عبد الكريم الأرياني، وعبد ربه منصور. بدا الأمر وكأنه محاولة لإصلاح الخطأ الذي وقع فيه الرئيس حين عين الأكوع قائماً بأعمال الأمين العام. وهو التعيين الذي أعتبر– حينها – بمثابة استهداف لأنصار باجمال، الأمر الذي زاد من حدة الخلاف وأعاق أعمال الأمانة العامة ولجانها. هذا التغيير الذي وافقت عليها اللجنة الدائمة،على ما فيه من اللا توقع، الواضح فيه أن الرئيس كان يريد من خلاله التوقف عن صب الزيت في النار، غير أنه يصبه في المكان الأخر الذي كانت جذوته قد خبت، قبل أشهر..!! (كان الرئيس قد عين الأكوع قائما بأعمال باجمال في مايو بعد أن دخل الأخير في حالة مرضية خطيرة نهاية أبريل. شكل هذا التعيين مشكلة بالنسبة لأنصار باجمال، فيما أعتبر نصراً بالنسبة لآخرين).

بالعودة إلى جذور المشكلة التي برزت بفعل المؤتمر العام السابع – الدورة الأولى. فقد تتالت ردود الفعل على تلك النتائج، واصطفت الشخصيات المتضررة من باجمال في إطار عملي ومصالحي واحد، لينجح هؤلاء في إزاحته من موقعه في رئاسة الوزراء في 2007م. حيث طالبوا بتفرغ الأمين العام لموقعه الحزبي، وبالمثل تمترس باجمال حول ضرورة تفرغ الأمناء العامين المساعدين لأعمالهم الحزبية، وأصر على إخراج كل من: صادق أمين أبو رأس – وزير الإدارة المحلية – وعبد الرحمن الأكوع – وزير الشباب والرياضة - من حكومة الدكتور مجور، للتفرغ. الأول كأمين عام مساعد للشئون التنظيمية، والثاني لقطاع السياسة. اعتكف الرجلان تعبيراً عن عدم رضاهما. وفيما تم إرضاء أبو رأس بمحافظة تعز لقضاء فترة نقاهة على وعد بإحداث تعيينات قريبة، رحل الأكوع إلى القاهرة، لقضاء فترة استجمام طويلة. ومع مطلع عام 2008، استطاع باجمال تحقيق نقطة إضافية إلى رصيده، حين أقنع الرئيس بأن غياب الأكوع يؤثر على قطاع السياسة في الحزب، وعلى ضوء ذلك استطاع أن يجري تعديلا بإسناد تلك المهمة إلى البركاني (وهي المهمة التي تجاذب مع الأكوع بشأنها أثناء المؤتمر العام الخامس، ورست على الأخير). كما واستطاع باجمال – في سياق ذلك - أن يحصل على مبتغاه الأخر بالاستحواذ على القطاع الإعلامي الذي كان شغوفاً به.

بدا باجمال وكأنه نجح إلى حد كبير في مواجهة خصومه مستنداً إلى دعم الرئيس، بفعل الفرصة الذهبية التي فرضتها ظروف البلاد المضطربة. تلك النجاحات فتحت الشهية أمام الرجل، ليقدم على خطوات أكثر تهوراً. فبعد أن أعتقد أنه تخلص من الكبار، وسيطر على إعلام الحزب، كان يستعد لتنفيذ عملية تغيير كبيرة في بنية الدوائر الانتخابية وقياداتها. غير أنه واجه معارضة شديدة، واتهم بالسعي لتطهير الحزب من التيار القديم الذي ورثه عن الدكتور عبد الكريم الأرياني، لفرض أنصاره في خطوة خبيثة للسيطرة على تكوينات الحزب، و ولاءات الأعضاء. أثناء ذلك وبشكل طبيعي، بدأ اتجاهان بالبروز إلى السطح بوضوح. الأول يقف مع الأمين العام الجديد ويدعم ما يعتبره إصلاحات هيكلية وتنظيمية. والثاني، يقف في وجهه ضد ما يعتبرها عملية تطهير داخلية، ومحاولة للسيطرة على الحزب.

وعلى ذلك النحو اتجهت الخلافات لتتوسع عبر عمليات استقطاب داخلية حادة مبنية على ما كان المؤتمر العام السابع للحزب قد بدأ بتأسيسه: تضييق دائرة الولاء. وهو الأمر الذي – وعلى شاكلة المضاعفات الجانبية التي تنتج عن عمليات زراعة الأعضاء - أفرز مجموعة ولاءات تسلسلية أخرى، تحولت مع المدى لتبتعد – إلى حد ما عن المركز الرئيسي [الرئيس]. الأمر الذي طبع تأثيره على الحوار مع المعارضة. فقد كان الطرف الذي يقف ضد باجمال، يسعى بجهد كبير إلى إفشاله حتى لا يحقق أي نجاح يمكن أن يحسب له. وبالمثل، كان أولئك يقومون بنفس الدور حين ينتقل الحوار إلى يد الطرف الآخر. وهو ما انعكس على أداء إعلام الحزب فكان يضخ تصريحات متناقضة حول سير الحوار والاتفاقات.

الرئيس نفسه، كان بين الحين والآخر يعزز لجنة الحوار التابعة لحزبه بشخصيات جديدة كان يهدف من خلالها إحداث عملية توازن بين أطراف الخلاف الداخلية في حزبه. وهناك معلومات أخرى تقول إن تلك التغييرات في شخصيات الحوار، كانت تتم بمقترحات من المعارضة نفسها.

الأيام البرونزية للأكوع

وحين تعرض باجمال للمرض في مايو الماضي، حاول الرئيس إعادة القوة في مصلحة الاتجاه الآخر، ربما ليحاول هذا الطرف استعادة توازنه من جديد، وبالتالي يظل محافظاً على ولائه للرئيس. ربما كان ذلك هو ما حدث بالفعل. عين عبد الرحمن الأكوع قائماً بأعمال الأمين العام. واشرف على الانتخابات المحلية للمحافظين وسط اتهامات – غير موثقة – من القوة الأخرى بفرض أجندته وبعض مناصريه في تلك الانتخابات. وحصل الأكوع على موقع تنفيذي هام كأمين للعاصمة. كما تم إعادة صادق أمين أبو رأس إلى أعلى المناصب التنفيذية كنائب لرئيس الوزراء.. وصل الاتجاه الذي يتبع باجمال إلى مرحلة الضعف، باستهداف أبرز رموزه.

لكن سريعاً ما حاول الرئيس إحداث عملية توازن أخرى لمصلحة الطرف المتضرر، وعين بعض الشخصيات المحسوبة على تيار باجمال في رئاسة لجان الأمانة العامة. الأمر الذي بسببه اشتدت الخلافات حتى وصلت إلى حالة الكمون الحركي. حيث توجد قوتان، ولكن كل قوة بالاتجاه المضاد وهو ما يؤدي - في علم الطبيعة – إلى السكون والتوقف عن الحركة. برزت تلك الخلافات على السطح حين تم تسريبها وتناولتها الصحافة بشكل كشف حدتها. تلقى الأكوع ضربات من داخل الأمانة العامة، حين شن عليه هجوما عبر الصحافة بالوقوف ضد عملية صرف المخصصات للجان الأمانة العامة، واتهمت أطراف مناصرة للأكوع، شخصيات في الأمانة العامة أنها تسعى لعرقلة عمله، بتقديم ميزانيات خيالية، لوضعه في موضع حرج. بالمقابل كان النجاح الذي حققته عملية الحوار مع المعارضة بالتوصل إلى اتفاق حول مشروع تعديلات قانون الانتخابات، قد حسب لمصلحة التيار الأخر (تيار الأرياني/ الأكوع) غير أن الاتجاه الآخر، حقق نجاحاً بإسقاط المشروع في مجلس النواب..

بعدها تم الإعلان في أحد اجتماعات اللجنة العامة عن تعيين حافظ معياد قائما بأعمال اللجنة الفنية، حيث كان ياسر العواضي قد قدم استقالته منها قبل أشهر عقب الخلاف مع الأكوع حول المخصصات المالية. بعدها بأيام غادر العواضي إلى القاهرة لأكثر من شهر.

مرحلة جديدة للاسترخاء

الأربعاء الماضي، لوحظ أن التعيينات الأخيرة التي أصبح عبد ربه منصور بموجبها أمينا عاما وباجمال نائباً للرئيس.. لوحظ أنها جاءت لتعيد ترتيب الوضع من جديد. وبهذا الصدد تفيد المعلومات أن الرئيس كان حريصاً هذه المرة أن يختار على رأس الأمانة العامة شخصاً يصحح به الوضع الخاطئ. فكان اللواء عبد ربه منصور، بمثابة مفاجأة جاءت على حين غرة، أمام توقعات أخرى كانت نسبة كبيرة منها تشير إلى الدكتور رشاد العليمي، ونسبة بسيطة منها تشير إلى أحمد بن دغر الأمين العام المساعد لشئون الثقافة والإعلام . ومع أن منصور – من ناحية نفسية بحته - لا يتفق مع باجمال، كونه جاء لينازعه في حضوته الجنوبية، ويأخذ من نصيبه الكثير. غير أنه أيضاً لا يتبع تيار الأرياني بأي من الأحوال. على أن النقطة الأكثر جوهرية في هذا التغيير من وجهة نظر التيار الذي كان متضررا قبل هذه التغييرات، أن الأكوع لم يعد له أي صفة قيادية في الحزب. وأن باجمال لم يذهب بعيداً في موقعه الجديد، بل أكثر قرباً من صانع القرار. أما بالنسبة للقوة الأخرى فالتغيير كان ضرورياً لحلحلة الأمور والبدء في العمل والانطلاق، وهو بهذه الصورة كان أكثر واقعية. وتفيد المعلومات – على عكس ما استقر في أذهان البعض – أن الأكوع كان - قبل هذا القرار- قد قرر التفرغ لعمله التنفيذي في قيادة أمانة العاصمة، غير أن "المصدر" علمت من مصادر مقربة في الأمانة العامة، أن فتوى صدرت من هيئة الرقابة الداخلية للمؤتمر، خلصت إلى أن موقعه الحزبي كأمين عام مساعد ما زال قائماً له كحق قانوني بفعل نتائج الانتخابات في المؤتمر العام السابع، وحتى لا يتم الإخلال بقرارات الأمين العام السابق[باجمال] الذي أسند قطاع الشئون السياسية للبركاني، باعتباره حقاً يتمتع به الأمين العام، فإن الفتوى، أشارت إلى ضرورة أن يستمر الأكوع في موقعه المنتخب كأمين مساعد، ولكن بدون أي قطاع. وبهذه الفتوى تكون الأمور قد رست إلى وفاق بين القوتين المتجاذبتين، أملاً بالدخول في مرحلة استرخاء طويلة.

ربما بالنسبة للرئيس، كان اختيار عبد ربه منصور مدروساً بعناية فائقة. فهو إلى جانب كونه حلاً وسطاً، فقد كانت هناك عدة اعتبارات أخرى أهمها انتماء الرجل للمناطق الجنوبية، إلى جانب قدراته الإدارية في العمل الحزبي بناء على خلفيته الحزبية. وهناك ربما أمر آخر: يعتقد البعض أن هذا التعيين مع كونه سيعمل على حل مشكلة داخلية في الحزب، فهو أيضاً سيمهد الطريق لإعفائه من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وهو ربما سيكون القرار الذي ينتظره عقب الانتخابات النيابية القادمة.

الحاجة إلى محاربين قدامى

في كل الأحوال فإن هذه الأحداث والاختلافات الداخلية، والحلول، لا يبدو أنها ستنتهي إلى الأبد بقدر أنها فقط ربما ستدخل في مرحلة استرخاء قد تكون قصيرة إلى ما بعد الانتخابات النيابية القادمة، أو أنها ربما تطول حتى المؤتمر العام الثامن للحزب (أواخر 2009). وذلك لما ترافق معها من شروخ داخلية كبيرة واستقطابات واسعة تم بناؤها على أساس تضييق دائرة الولاءات الشخصية، بعيداً عن الولاء للوطن. وهو الأمر الذي لا يمكن إلا أن يزيد من شره النزعات الإنسانية المرتبطة بالحاجة للاستحواذ على السلطة والقيادة والأمر والنهي، وترتيب المصالح الشخصية. وهو صراع طويل، لا يمكن إيقافه إلا بإعادة اعتبار مفهوم الولاء ليكون للوطن لا للفرد.

مع المدى سيحال الكثير من هؤلاء إلى منازلهم، بفعل الشيخوخة، وانتهاء فترة الصلاحية. غير أنه – وعلى هذا النحو – لن يزخر الحزب بمحاربين قدامى يقولون كلمة حق أساسها الولاء للوطن، كما قالها المحارب الجذل عبد السلام العنسي.