من يقف خلف ترحيل الشماليين من عدن؟
بقلم/ نشوان محمد العثماني
نشر منذ: 7 سنوات و 10 أشهر و يومين
الأربعاء 25 مايو 2016 08:17 م

في رسالة عممتها في واتس آب ظهيرة اليوم, كنتُ قد تساءلتُ: من يقف خلف ترحيل الشماليين من عدن؟

 

وإليكم القصّة.

 

***

 

عند الرابعة والنصف فجرًا,امس الثلاثاء, أقدم مسلحان على اقتحام شقة سكنية لطلاب شماليين في مديرية الشيخ عثمان. أحد هؤلاء الطلبة, طالب في برنامج الماجستير في قسم الصحافة والإعلام كلية الآداب جامعة عدن؛ أي أنه زميلي في البرنامج ذاته والقسم ذاته أيضًا.

 

قال لي زميلي هذا إنهم أُمهلوا من قِبَل المسلحَين مدة يومين قَبْل مغادرتهم المدينة.

 

لم يميّز هوية المسلحَين لكنه قال إن الحديث معهما جرى باقتضاب شديد, خلاصته أن غادروا المدينة لأنكم من الشمال. وأحدهما أردف يؤكد: أن غادروا بهدوء واحترام.

 

ينتمي هؤلاء الطلبة, وعددهم 12 طالبًا, إلى كل من الحديدة وتعز وذمار, ويدرسون في مختلف كليات جامعة عدن.

 

***

 

السؤال مرة أخرى: من الذي يقف خلف ترحيل الشماليين من عدن وخاصة الطلاب منهم؟

 

لصالح من ستصب أعمال كهذه في المحصلة النهائية؟

 

***

 

سلوك الدولة يقول: من كان متهمًا وثمة أدلة تدينه بيد الجهات المختصة فلتتم إحالته إلى القضاء. سلوك الترحيل وهذا السلوك الموجّه ليس سلوك دولة. لن يكون إلا سلوك العصابات.

 

***

 

وصل الخبر إلى أحد مستشاري المحافظ.

 

لاحقًا قال هذا المستشار إن المحافظ منزعج مما جرى ويجري, وطلب من الطلبة التوجه إلى مدير مديرية الشيخ عثمان لعرض المشكلة عليه, مؤكدًا أن المحافظ وكل السلطة المحلية ترفض هذه الممارسات المناطقية.

 

***

 

اتصلت بزميلي لأنقل إليه موقف السيد المحافظ, لكنه أكد لي أنه سيغادر عدن. فطلبتُ منه أن يبلغ زملاءه بذلك؛ حتى لا تتعرقل مسيرة دراستهم الجامعية, إذ يمكن تلافي ما حدث.

 

***

 

أقول:

 

أعرف وكلنا نعرف جيدًا أن هذه ليست ثقافة الجنوب ولا أخلاق أبنائه, وأن من يسعى إلى كل ما يسعى إليه واضح من هو وإلى ما يريد أن يصل في النهاية.

 

لكن المشكلة الأكبر تكمن في التواطؤ.

 

وكيف هو التواطؤ؟

 

هو أن يكتفي من هو في كرسي المسؤولية بالقول هذه أخطاء, ونحن نرفض ما يحدث. قالها الرئيس هادي في أول أيام حملة الترحيلات, فتحول بدوره من رئيس جمهورية أو الرئيس الشرعي المدعوم دوليًا إلى أحد نشطاء الفيسبوك.

 

لأنه باختصار لا بد من حسم هذه المسألة قبل أن تكبر.

 

هذه أعمال مرفوضة وفوضوية وعصاباتية ما المقصود من فعلها هذا إلا إثارة النعرات المناطقية على نحو يضرب الجنوب وقضيته الجنوبية في الصميم.

 

ومثل هذا الأعمال تسعى في النهاية وتؤول إلى أن تتآكل كما تتآكل النار التي تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.

 

غدًا سيرتد هذا السهم المسوم عكسًا, وسنندم على تواطئنا مع ما يحدث.

 

ولي هنا أربع رسائل مهمة:

 

أولًا: التبرير لهذه الأعمال يقف جنبًا إلى جنب مع من يرتكبها في اقتراف هذه الأخطاء الفادحة. البعض ينساق مع الموجة ولا يدري بالمشروع الخطير الذي دُبر ضد الجنوب بهكذا تصرفات, والبعض يعرف تمامًا ما يعمل وهو يعمله عن قصد ودراية, ولا يهدف به إلا خدمة الأجندة التي تقف خلفه.

 

وكذلك التواطؤ مثله مثل التبرير.

 

ثانيًا: قال لي أحد الزملاء إن ما يمنعهم من رفض ما يحدث هو اتهامهم بأنهم بذلك إنما يخونون دماء الشهداء. بمعنى كل جنوبي سيقف ضد هذه الممارسات سيجري اتهامه بالخيانة.

 

هذا منطق مرفوض تمامًا. امتلك موقفك وقل رأيك بكل وضوح وجرأة. والانتصار الحقيقي لدماء الشهداء هو في الأساس الانتصار للقيم والأخلاق. الشهداء لم يضحوا بأرواحهم لصالح مشروع مناطقي أهدافه في الأصل على العكس من الأهداف التي خرجوا من أجلها ذات يوم. ومن المهم القول إن تبرير هذه الأعمال أو التواطؤ معها هو بعينه الخيانة العظمى لدماء الشهداء.

 

وقضية الشهداء واضحة وهي قضية سياسية عادلة وأخلاقية بامتياز تتلخص في استعادة الدولة الجنوبية..

 

وإلى كل من غيّب عقله وارتهن للسذاجة والغباء تارةً وللخوف تارةً أخرى: إن مشروع استعادة الدولة الجنوبية لن ينجح ولن تقوم له قائمة بمثل هكذا أعمال وسلوك مقرفة ومقيتة, وهذا ما يهدف إليه المخرج الواقف من وراء الستار خلف هكذا مسرحية تراجيدية.

 

لذا, ولأجل عدم التضحية بدماء الشهداء يجب أن يرتفع الصوت عاليًا برفض مثل هذه الأعمال المكشوفة والبائسة والتي لن تقود إلا إلى خراب مالطا.

 

ثالثًا: إلى الأخوة في الشمال, دوركم يكمن في أن لا تردوا بالمثل, ودوركم يكمن في أن تستوعبوا أن ما يحدث لا يمثل الجنوب ولا الجنوبيين. ومن يسعى منكم إلى القول –كردة فعل- إن نظام صالح لم يخطئ بحق الجنوبيين أو إن نظام صالح كان أحسن بل ويترحم على نظام صالح وكيت وكيت, فإنه لن يكون إلا واحدًا من اثنين: إما أنه ساذج وغبي غباء لا مثيل له, وإما أنه في الأصل يعمل ضمن أجندة نظام صالح.

 

رابعًا: إلى من يقول إن ما يحدث هو ردة فعل طبيعية؛ إذ أن الشمال كان ساكتًا عندما تم إقصاء الجنوبيين وإبعادهم من وظائفهم بعشرات الآلاف على مدى عقدين كاملين منذ ما بعد حرب 1994.....

 

أقول: إن الشمال ارتكب خطأين فادحين بل كارثيين بالفعل.. الأول حين صمت عندما كان الجنوبيون يُبعدون قسريًا عن وظائفهم وحقوقهم بعشرات الآلاف (والقصة معروفة), والثاني حين صمت أيضًا عندما كان شباب الجنوب وشيوخه ونسائه وأطفاله يُقتلون على يد الأجهزة القمعية لنظام صالح في مختلف الساحات والميادين والبلدات بعد انطلاق ثورة الحراك الجنوبي. (مع أن عديد كتّاب وأدباء ونشطاء وصحافيين وغيرهم –شمالًا- لم يصمتوا, وانطلقوا يؤازرون الجنوب وينصفونه بالكلمة والرأي وبما يملكون, لكنني هنا أتحدث عن الموقف الجمعي..)

 

إنما هل هذا هو المبرر ليتم الرد بالمثل؟ هذا ليس من الأخلاق في شيء. من أخطأ عليه أن يصحح خطأه لا أن نأتي لنعيره به ولنرتكب ضده أخطاء مماثلة. وأحب هنا أن أذكّر بموقف الجنوب الأصيل الذي لا يمكن نسيانه:

 

رغم الموقف السلبي شمالًا إزاء الأحداث التي كانت تجري على أرض الجنوب ما بعد يوليو 2007, إلا أن الجنوب كان أمام اختبار حقيقي وقد نجح فيه والمتمثل في ثورة فبراير 2011.. فحينما انطلقت الثورة لم يكن موقف الجنوبيين في معزل عن الأحداث الجديدة. أتذكر جيدًا أن الشباب في ساحة المنصورة وغيرها اتفقوا أن ينضموا للمطلب الجمعي في إسقاط النظام السياسي (الذي هو منظومة الرئيس السابق التي لا تزال الحاكم الفعلي للبلد إلى هذه اللحظة) وتراجعوا قليلًا –ولم يتنازلوا- عن المطالب الخاصة بالجنوب. ولم يحدث الرجوع إلى رفع المطالب الخاصة مرة أخرى والانشقاق عن ثورة 2011 إلا في 21 مارس 2011 وذلك مع انشقاق اللواء الأحمر عن منظومة صالح لينظم إلى ثورة الشباب (حين انقسموا كي لا ينهزموا وفق تعبير صديقي عبعب).. لم تنطلي ألعوبة كهذه وحيلة على ثوار الجنوب واعتبروا أن ما يجري في صنعاء شأنًا خاصًا لا علاقة له بتطلعات وأهداف الجنوب... لأنه لا يمكن الالتقاء في الهدف مع أحد عتاولة وزعماء نظام صالح نفسه..

 

هذا ما أحببت أن أبينه في هذه العجالة.. والمعذرة على الإسهاب.. لكن الموقف الأصيل جنوبًا الآن والموقف الإنساني والأخلاقي هو رفض كل أنواع المشاريع الدنيئة على شاكلة المناطقية وغيرها.. ورفض مثل هذه المشاريع لا يفترض إلا أن يكون لصالح مشروع واضح الهدف أخلاقي التوجه عادل القضية بالضبط كمشروع تقرير مصير الجنوب وحل قضيته حلًا عادلًا وفقًا لما يريده الشعب الجنوبي نفسه..

 

الانتصار الحقيقي لن يكون إلا أخلاقيًا ثقافيًا اجتماعيًا..

 

يكفي البلد تمزقًا وانهيارًا.

 

لنحافظ على منظومتنا الأخلاقية والقيمية على الأقل ومعها نسيجنا الاجتماعي جنوبًا وشمالًا..

 

لنحافظ على الإنسان في كل إنسان منّا..

 

ولن نمضي قُدما إلا ونحن باسمي الجباه, تصدح عقيرتنا عاليًا بنشيد المحبة والسلام..

 

...

 

لنرَ ما يكتبه الله وكل ما يكتبه الله جميل