آخر الاخبار
خارطة حاشد السياسية فسيفساء متناغمة (1-2)
بقلم/ عبد الاله تقي
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 15 يوماً
الأحد 10 فبراير-شباط 2013 04:35 م

لقبيلة حاشد تفاعلات وتناقضات وبواطن وظواهر وقصص مثيرة و كثيرة على مر التاريخ اليمني الحديث، إذ تشهد فترات تاريخية أن هذه القبيلة أكبر هموم السلطة بينما تراها فترات أخرى أكبر مناصر لها وضامن لاستقرار النظام السياسي. ومن يستقرئ التاريخ المعاصر لأبناء القبيلة وساستها ومشائخها اليوم قد يعتقد أنهم يخوضون ثورة داخلية حاسمة ضد بعضهم البعض وبالدليل الدامغ، بينما قد يرى آخرون أنهم منسجمون متناغمون ومتفقون تماماً وبالبراهين الدامغة، وأن ما حدث خلال ثورة الشباب السلمية الأخيرة ربيع 2011 ما هو إلا لعبة حاشدية دبرت بليل من أجل الالتفاف على ثورة الشباب والحفاظ على ما لأبناء القبيلة من مصالح في الإمساك بزمام الحكم. في الوقت ذاته قد يرى طرف ثالث أن الجميع وقع ضحية مؤامرة غربية ليس لأحد منا يد فيها. 

وعلى كلٍ، فالخارطة السياسية والاجتماعية الحاشدية على أهميتها لم تحظ بأي اهتمام تحليلي عميق من أي مختص كان. ومن هنا كانت لي هذه المشاركة السطحية والمتواضعة في توضيح فرضية واحدة فقط في تلك الخارطة وهي أن أبناء قبيلة حاشد كمجتمع متفقون تماماً داخليا على ضرورة الحفاظ على الوحدة الاجتماعية للقبيلة وتركيبها التقليدي أفقياً وهرمياً، وأن السياسة والمصالح الشخصية لأفرادها قضية لا يمكن أن ترمي ببقعها السوداء على القبيلة وتمزق النسيج الحاشدي المحكم.

حاشد تاريخياً و جغرافياً

حاشد قبيلة يمنية قديمة من قبائل همدان وإحدى أهم القبائل الوارد ذكرها في نصوص خط المسند ضمن مملكة سبأ. هي أكثر القبائل نفوذاً سياسياً في اليمن منذ ثورة سبتمبر 1962 وبعد الوحدة اليمنية.  حسب المعتقدات اليمنية القديمة، فإن حاشد تنسب الى حاشد بن جشم بن حبران بن نوف بن همدان بن مالك بن زيد بن اوسله بن ربيعة بن الخيار بن ممالك بن زيد بن كهلان بن سبأ . وتنقسم حاشد الى أربعة أقسام قبلية أساسية هي بني صريم وخارف والعصيمات وعِذَر.

تتداخل مناطق تواجد قبائل حاشد مع مناطق قبائل بكيل الواسعة مثل أصابع اليدين المتشابكتين في الكثير من المناطق بدءاً من بلاد الروس وسنحان جنوب شرق مدينة صنعاء وانتهاءً شمالاً وشرقاً نحو تخوم قبائل حرف سفيان وتنتهي مناطقها الغربية بحبور ظليمة وبعض مناطق حجة. وقد كان لذلك التداخل العميق والعصبية القبلية الأثر الكبير في وجود عداء تقليدي ونـدّي بين بينها وقبيلة بكيل المجاورة التي قد تشكل ثلاثة أو أربعة أضعاف قبيلة حاشد عدداً ومساحة بحسب تقدير المصادر القبلية.

البعد القبلي

تعتبر مدينة خمر العمق الاستراتيجي القبلي لحاشد ومعقل الحكم القبلي الذي تتركز فيه مقرات إقامة كافة كبار مشائخ القبيلة مثل آل الأحمر وآل أبوشوارب والمشرقي وآل عاطف وجليدان ...الخ، بالرغم من أنها لا ليست مسقط رأس أي منهم. ونظراً لأهمية دورها أثناء الثورة اليمنية السبتمبرية، فقد لعبت المدينة دوراً في مقاومة الأمامية وهي تقع في مركز جغرافي متوسط بين المعقل الإمامي المتركز في مناطق حجة وبعض مناطق صعدة والجمهوري المتركز جنوبها. وعليه تم توقيع اتفاقية خمر الشهيرة بين الطرفين.

تبني أبناء القبيلة أسلوب الحكم الأفقي المتمثل في المشيخ والهيكل الإداري القبلي الذي يدير نظام الحياة ويسود الإطار السلطوي ويؤثرون ذلك على الأسلوب العمودي الذي يهيمن عليه الحكومة أو إدارة المجالس المحلية.

المشيخ

لا يختلف إثنان من قبائل حاشد ومشائخها اليوم على استحقاق بني الأحمر لمشيخ القبيلة نظراً لدورهم التاريخي البارز في قيادة القبيلة وتقوية شوكتهم السياسية منذ بواكير ولادة الدولة اليمنية بعد الاحتلال العثماني بداية القرن العشرين، حيث رأيت ضرورة سرد تاريخ ذلك المشيخ أدناه للأهمية التاريخية في صناعة المكانة الحالية في النظام السياسي المعاصر لذلك في سرد الجذر التاريخي لتوحد حاشد المستمر خلف مشيخهم رغم كل الظروف وفهم تأثير الأحداث التاريخية على أحداث اليوم التي تتشابه كثيراً في تفاصيلها.

كانت قوة شخصية وتأثير نفوذ الشيخ علي بن قاسم الأحمر وراء أول بروز لآل الأحمر في مشيخ القبيلة والتفاف القبيلة حوله في نهاية القرن 11 الهجري، وبرز بقوة عندما التحم مع زعماء حـاشـد وبكــيل للانتقـام من (القاسم بن الحسين) الذي إغتال شيخ سفيان المجاورة صالح بن هادي بن حسين، وولاه الإمام المنصور إمام شهارة قيادة جيش لمواجهة القاسم بن الحسين الذي أعلن خروجه عليه. وبعد وفاة الإمام القاسم، أيد الشيخ على قاسم الأحمر الإمام محمد بن إسحاق ضد الإمام حسين بن القاسم بح الحسين، وتطور الصراع بين الطرفين حتى حاصرت جيوش حاشد وبكيل بقيادة الشيخ علي الأحمر وزعماء من بكيل مدينة صنعاء وانتهى الحصار بمقتل الشيخ  الأحمر في الخيمة التي دعاه الإمام إليها للصلح في صنعاء! 

مرت عقود طويلة حتى ظهر اسم آخر قوي هو الشيخ ناصر بن مبخوت الأحمر في أواخر القرن 12 الهجري، حيث أدى دوراً بارزاً في نصرة الإمام محمد حميد الدين ومن بعده ابنه الإمام يحيى طويلاً في الحرب ضد الوجود العثماني الثاني في اليمن. دعم الشيخ ناصر ترشيح يحيى حميد الدين للإمامة بعد وفاة والده، إلا أنه بعدها بمعية عدد من زعماء ومشائخ حاشد وبكيل عارض بشدة عقد الإمام يحيى صلح (دعان) مع الاحتلال العثماني.

بعدها فضّل الأحمر وعدد من مشائخ حاشد وبكيل الالتحاق بالإمام محمد الإدريسي في عسير والمخلاف السليماني لمناصرته في حربه ضد الأتراك، وفي مقدمتهم آل الشايف، ومشائخ من أرحب، وسفيان. وبعد وفاة هذا الشيخ بدأ أبناؤه قيادة جيوش حاشد في حروب مستمرة وناجحة ضد الإمام يحيى وفي مواجهات متوالية مع القائد القوي ولي العهد سيف الإسلام أحمد بن الإمام يحيى في معقل إمارة الأخير في مناطق حجة وكان نتيجة أقواها إرسال الإمام ثلاث حملات حرب وحصار متتالية خلال خمس سنوات أفضت إلى خضوع آل الأحمر وتسليمهم الرهائن المطلوبة بعد أن أظهروا مقاومة شرسة. وبعد صلح، قرر الإمام ابعاد الشيخ ناصر بن ناصر الأحمر خارج اليمن ليختار نجران إلى أن توفى في ابها عام 1362هـ ليستقر المقام للامام يحيى طويلاً قام خلال عشرين عاماً حتى عام 1367هـ بالتضييق على ولده الشيخ حسين بن ناصر بن ناصر الأحمر وعلى أموالهم بهدف الحد من قوته الحربية ونجح في ذلك.

وفي عهد حكم الإمام أحمد، كان أبناء الأحمر رهائن عنده في صنعاء وحجة لوقت طويل تحسنت خلالها علاقة الشيخ حميد بن حسين مع ولي العهد الإمام البدر ليستغلها أثناء علاج الإمام أحمد في ايطاليا بالتواصل، ومعه عدد من المشايخ مثل الشيخ سنان أبو لحوم والقاضي أحمد السياغي، وقاموا بتوعية مشائخ القبائل وتعبئتهم ضد الوضع القائم. ونشأت من خلال القاضي عبد السلام صبره قواسم مشتركة بين أولئك المشايخ وبين العلماء والمثقفين وضباط الجيش والأمن. وقد أدى كل ذلك إلى زيادة مخاوف الإمام منهم حيث بدا أن الشيخ حميد وكأنه ينازع الإمام الملك فكان أن سارع بإعدام كل من حميد الأحمر ووالده حسين بن ناصر الأحمر سنة 1959م.

ومع ذلك السجل الدسم لآل الأحمر كأحد أقوى مشائخ اليمن منذ نهاية القرن 11 الهجري، وجد النظام الجمهوري المبكر من الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أقوى مشايخ شمال اليمن على الإطلاق، لذا فقد وجد الكثير من المشايخ والرموز الدينية الذين أبعدهم الرئيس الشهيد الحمدي من العاصمة أنهم لا بد أن يتكتلوا معاً عند أقواهم هناك في خمر تحت ظل دوحة الشيخ عبدالله وبقوا هناك إلى أن أستشهد الرئيس وكان الشيخ أحد أبرز المتهمين شعبياً باستشهاده!