الليبرالية هي الحل !!
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 17 يوماً
الثلاثاء 09 أكتوبر-تشرين الأول 2012 10:43 ص

كما هو الحال في المشهد الثقافي العربي فإننا نشهد مشهدا ثقافيا في اليمن حيث الحيرة الفكرية وغياب الهوية وضياع البوصلة التي تحدد الاتجاه الصحيح لمسار النهضة والتقدم ، فعبر عقود من الزمن ولا تزال الاتجاهات الثقافية متناقضة لم تهتد إلى سبيل للوفاق والوئام فيما بينها لأن كل مذهب يقدمه أصحابه للمجتمع بطريقة صدامية فيها الكثير من الاستعلاء والكبرياء تجاه الآخر الذي يخالفهم الرأي ولك أن تستمع لبرامج الحوار الفكري والسياسي في المشهد العربي لتكتشف الظاهرة الصوتية الغالبة بينما لو أنك تابعت بعض الغربيين في حوارهم سترى سمة الهدوء واضحة عليه أضف إلى ذلك خلق التواضع الذي يتصف به المتحاورون بشكل يدعو للتأمل جديا في واقعنا حيث تجد من قرأ مقالا في جريدة حول موضوع ما يناقشك فيه كأنه عالم به من جميع جوانبه .

والمشهد الثقافي والفكري في اليمن يعيش أزمة حادة ظهرت جليا بعد الثورة المباركة ، نظرا لظهور أفكار وجدت طريقا سهلا ميسرا للظهور وسط هذا المشهد المضطرب ، وهذه الأفكار ذات توجهات مختلفة ، ما بين توجهات دينية وأخرى غير دينية ..

وأحد أطياف هذا المشهد هو الخطاب الليبرالي الذي تربع فترة على الصحافة المحلية متخذا لغة هجومية لكل ما يتعلق بقضايا الخطاب الديني فقد وضع هذا الخطاب نصب عينيه مهاجمة ونقد الخطاب الديني سواء الخطاب المتشدد أو الخطاب المعتدل لأن الليبرالية لا تفرق بين الخطابين ؛ فهي الخصم الذي لا يفرق بين خصومه ،

وفي المنتدى الذي عقد في صنعاء تحت عنوان (الليبرالية هي الحل ) وسأتوقف عند هذا الشعار محاولا تبيان بعض أمور تتعلق بالخطاب الليبرالي في مجتمعنا اليمني ، لألقي الضوء على الأسلوب الذي تتبعه الليبرالية في التبشير بمنهجها وأفكارها . وكان واضحا أن القائمين على هذا المنتدى يحدوهم التفاؤل الكبير في التغيير من خلال هذا المنهج !!

وثمة تساؤلات تبرز لنا من وراء هذا المنتدى :

هل هذا التفاؤل مبني على فهم هذا المصطلح وأبعاده ؟

وهل هو ناتج عن تجربة حية في منطقتنا العربية تثبت صلاحية هذا المنهج للخروج من الأزمة التي يعانيها واقعنا ؟ أم إن محاولتهم هذه مجرد إغراق في التفاؤل دفعهم إليه فرحهم واحتفاؤهم بهذا المنهج مستبشرين ان الفتح سيكون من خلال بوابة الليبرالية ؟

أم إن الموضوع كله قائم على تبعية صماء وتقليد أعمى ؟

وأسئلة أخرى كثيرة تخطر على ذهن أي متابع لهذا الحراك الفكري ، وهي أسئلة نقدية مشروعة تنطلق من منطلق الحوار الذي تؤمن به الليبرالية إيمانا مطلقا

ولعل من أهم الأسئلة المطروحة فيما يتعلق بهذا الفكر هو : هل الليبرالية مصطلح محدد له هويته الخاصة أم إنه مصطلح عائم لا يرسو على معايير محددة ؟

وما هي المنطلقات الأساسية التي تنطلق منها في تصورها للكون والإنسان والحياة ؟

وحتى لا أكون مجازفا فلن أجيب حتى نحاول إيراد تعريف الليبرالية كما عرفها دعاة الليبرالية ؛ حيث يشير بعضهم إلى ( أن الليبرالية انبثقت في الثقافة الغربية في القرن الرابع عشر الميلادي من أطروحتها الإنسانية التي عارضت سلطة الكنيسة وجبروتها وتحكمها بمصائر الناس ومعاشهم في بواكير النهضة الأوروبية ، وكانت الليبرالية كمصطلح تستخدم بمعان متعددة تتكثف حول الحرية والاختيار ، وبدأ المصطلح يستخدم في المحيط السياسي بدءا من القرن التاسع عشر وتحديدا من أسبانيا ) ، ولذلك فإننا نجد الموسوعة الأمريكية تتحدث عن الليبرالية بقولها : ( إن النظام الليبرالي الجديد الذي ارتسم في فكر عصر التنوير بدأ يضع الإنسان بدلا من الإله في وسط الأشياء ، فالناس بعقولهم المفكرة يمكنهم أن يفهموا كل شيئ ، ويمكنهم أن يطوروا أنفسهم ومجتمعاتهم عبر فعل نظامي وعقلاني ).

ومن هذا التعريف نجد أن المنطلق الذي تنطلق منه هو منطلق مادي يتشبث بالعقلانية كما يدعي الحرية فهاهو جميل صليبا أحد الرؤوس الليبرالية يقول : (الليبرالية مذهب سياسيي فلسفي يقرر أن وحدة الدين ليست ضرورية للتنظيم الاجتماعي الصالح وأن القانون يجب ان يكفل حرية الفرد والجماعة )

ولو أنك – أخي القارئ- ذهبت تبحث عن معنى هذا المصطلح عند دعاته لوجدت قدرا كبيرا من الغموض والالتباس يحيط به ، ومهما بحثت فستظل المعاني المتعلقة به غير متماسكة لتخرج بنتيجة أن الليبرالية تعيش حالة اضطراب في تحديد المعنى وفي تحديد مجالاته وفي مواجهة الأفكار الأخرى ، مما يدل على شقاء وفقر منهجي واضح ، كما عبر عنه الدكتور عبدالله البريدي في كتابه ( السلفية والليبرالية )

وعليه فإن الليبرالية مصطلح عائم لا حدود له ، تلقفه بعض من أبناء الأمة بحماس باذلين الجهد في التبشير بهذا المنهج وكأنهم عثروا على كنز يضمن لهم المستقبل دون عناء ؛ وعليه فإن من معالم الليبرالية البارزة :

1- الانفصال التام عن ثقافة الأمة وهويتها ، والولوج إلى مسالك حضارة الغرب بمصباح ليبرالي كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ،

2- محاكمة المجتمع إلى معتقداتهم وأفكارهم ، ومحاولة تأسيس العلاقات الاجتماعية بناء على منهج الليبرالية .

3- ويتعلق بما سبق قضايا المرأة والأسرة ، فكل متابع لتطور الفكر الليبرالي يجد السهام الحادة موجهة ضد المرأة وحقوقها والتشدق ليل نهار صباح مساء بحماية تلك الحقوق والدفاع عنها متخذين من المنظمات المدنية التي ترعاها السفارات الغربية منابر لتنفيذ الأجندة الليبرالية التي هي أجندة غربية في المقام الأول ، وإلا فأخبرني ماالحكمة من افتعال الأزمات وتأجيج الصراع في قضية ما من قضايا المرأة – مثلا- لا تعدو أن تكون حالة فردية فتحولها إلى مشكلة ظاهرة تحاكم على ضوئها القيم الإسلامية التي يؤمن بها المجتمع ، بينما لو كانو ا يملكون شيئا من تجرد موضوعي وفكري لوجدوا أن الإسلام قد سبق كل الأفكار برعايته للمرأة رعاية تامة كافلا لها كامل حقوقها الاجتماعية والمدنية ، فإن تخلف المجتمع عن مراعاة هذه الحقوق فالمشكلة في جهل المجتمع لا في الفكر الإسلامي نفسه .

-4- تجريد الحرية من المعاني الخلقية لأن الأخلاق في نظرهم تقييد للحرية ودعاة الأخلاق هم في نظرهم مستبدون متشددون يريدون العودة بالمجتمع إلى العصور الوسطى التي يسمونها عصور انحطاط ، وكل منا يتذكر يوم أن بعض علماء اليمن سعوا في مبادرة لحماية المجتمع بالإعلان عن تأسيس (هيئة الفضيلة ) فماذا كان موقف دعاة الليبرالية ؟ طبعا لم يهدأ لهم بال ولم يجف لهم مداد ، ولم تسكت صحيفة ، فقد سمعنا الضجيج الليبرالي الذي سخر من تأسيس هذه الهيئة وسخر من دعاة اليمن وعلمائه ، وما ترك وسيلة من وسائل الهجوم والسخرية إلا ومارسها ضد هذه الهئية ، بطريقة تنم عن فكر ضيق حصر نفسه في بوتقة الليبرالية فلم يستطع الخروج منها ، هذا مع أنه يدعي أنه فكر يؤمن بالحرية ، ويدعو إليها ، وهو تناقض فكري صريح لا يحتاج إلى دليل .

5- وأهم معلم من معالمها هي أنها تستعيد لنا الخطاب القديم (لا إله والحياة مادة ) لكنها تحاول أن تلطف الأجواء فتقدم هذه الفكرة أعني فكرة الإلحاد بطريقة تمجيد العقل ، فالعقل عندهم بديل عن الإله ومن خلاله يضعون تصورهم الشامل للكون والإنسان والحياة بعيدا عن الوحي والإيمان به ، ولذلك فإن النتيجة المنطقية لهذا المنهج هي : الإلحاد ، وحتى يكون ذلك مقبولا فإنهم يتلفعون برداء العلم محاولين البحث عن نظريات علمية تعزز فكرهم الإلحادي عند فرويد ومن شايعه من العلماء الملحدين ، وفي هذا المعلم تكمن حقيقة الليبرالية .

وأخيرا :

- ألم تكن الليبرالية هي الصوت المقرب من السلطة في مجتمعنا العربي ؟

-أليست هي الصوت الذي كان ينفذ منه سوط الاستبداد ؟ وتحت ظلال الاستبداد كانت تتحرك ؟

-فلماذا لم تضع لنا منهجا للتغيير الديموقراطي أو خطة لنهضة شاملة للأمة ؟

إنها في حقيقتها منهج لاغتيال الإنسان واغتيال حريته يلبس لباس العقلانية والعلم ...فأنى يكون فيها الحل .