هل يستحق القات كل هذا العناء؟
بقلم/ عزيز أبو رمان
نشر منذ: 12 سنة و 4 أيام
الجمعة 23 مارس - آذار 2012 09:08 م

قدر عدد اليمنين البالغين و الذين كان لهم حق الإقتراع على مرشح الرئاسة قبل فترة بأكثر من 12 مليون ناخب. و يمكننا أن نفترض أن ثلثي هؤلاء أي حوالي 8 ملايين شخص هم من الذين يخزنون القات، دون الأخذ بالإعتبار الذين يخزنون من غير البالغين. و لو افترضنا أن معدل قيمة تخزينة القات يومياً مع ما يلزمها من قوارير الماء و المرطبات السكرية و السجائر و الشيش هو 5 دولارات، فهذا يعني أن اليمنين يدفعون حوالي 40 مليون دولار يومياً لغرض التخزين. هذا الرقم يصل إلى 14,6 بليون دولار سنوياً. و أظن أن الكثيرين سيرون أن هذا الرقم يقل عن الواقع، فهناك من يرى أن عدد الذين يخزنون القات في اليمن يزيد عن 12 مليون، كما و أن معدل كلفة التخزينة الواحدة يقرب من عشرة دولارات. و إذا صح هذا الأمر فإن ما ولا يقف الأمر عند هذا الحد فهناك كلف أخرى غير مباشرة تصل إلى البلايين سنوياً أفرزها هذا الداء. منها قيمة الأسمدة الكيماوية و الهورمونات و المبيدات التي تستهلك في زراعة القات، و الآلات و المركبات الزراعية المستوردة المستعملة في الزراعة؛ و منها قيمة الكم الهائل من البكبات المخصصة لنقل القات و ما تستهلكه هذه السيارات من مشتقات البترول و قطع الغيار التي يتضاعف استهلاكها بسبب القيادة المرعبة لهذه السيارات، و منها قيمة مضحات المياه التي تستعمل لضخ المياه من الآبار العميقة و قطع غيارها. و كذلك قيمة عشرات آلاف الأطنان من الحبوب البلاستيكية المستعملة في تصنيع الأكياس و اللفافات لأغراض تغليف القات و صنع قوارير المياه. و لا ننسى أن هذه كلها تستورد من الخارج و تدفع قيمتها بالدولار. مما يعني زيادة العبء على ميزان المدفوعات و احتياطيات الدولة من العملة الصعبة إضافة إلى المبالغ الهائلة التي تصرف على العلاج من الأمراض العديدة التي يتسبب بها القات و إرسال المرضى للعلاج في الخارج سواء على حسابهم أو على حساب الدولة مع عدد من المرافقين مع كل مريض. فالقات و بسبب كثرة الأيدي التي تتعامل معه من ابتداءً من قطفه إلى تحزيمه ثم نقله و إعادة توزيعه يمر على عدد كبير من الأيدي مما يجعله من أكثر الوسائل التي تنقل الأمراض المعدية و خاصة تلك التي تصيب الجهازين الهضمي و البولي. كذلك فالهرمونات و الأسمدة الكيماوية من ناحية و المبيدات الحشرية، و منها قسم كبير محرم استعماله دولياً، كل هذه تتسبب بأمراض مختلفة تصيب أجهزة الجسم المختلفة و تتسبب بالإصابة بالسرطان أو على الأقل تعمل كمحفز لأمراض السرطان المختلفة. أما الأمراض النفسية فهي منتشرة و بازدياد و يعزى معظمها لتعاطي القات أيضاً، علماً بأن العلاج من هذه الأمراض مكلف جداً و كثيراً ما ينتهي بدون نتيجة. و هنا أيضاً نعود و نذكر أن معظم الأدوية في السوق المحلي مستورد و تدفع قيمتها بالعملة الصعبة .

 من الناحية البيئية تتسبب زراعة القات باستهلاك المخزونات المائية بشكل هائل،بل و مرعب، و يتم استنزاف المياه الجوفية بأسرع مما تتجدد الأمر الذي يهدد بتعريض البلاد لشح في المياه في المستقبل. ألا ترون كم تضاعفت أسعار مياه الشرب خلال السنوات القليلة الماضية؟ كم من بئر جفت و كم منها في طريقها إلى الجفاف؟
فأي إرث هذا الذي سيتم تركه للأجيال القادمة؟ أليس فيما يحدث في أفريقيا من مجاعات بسبب شح المياه إنذار كافٍ؟ و من الناحية البيئية أيضاً تتسبب المبيدات التي يرش بها القات بتلوث الآبار الجوفية بالمواد الكيماوية الضارة و التي تؤثر مياهها الملوثةُ على جميع المواطنين بما فيهم أولئك الذين لا يخزنون و لا يتعاملون مع القات. أما التلوث الناتج عن القاء البقايا البلاستيكية من أكياس و أغلفة و قوارير فحدث و لا حرج فهي تشكل آلاف الأطنان سنوياً و هي تتراكم وتتزايد في كل أراضي اليمن سنة بعد سنة دون أي علاج لها و لن يلبث الأمر طويلاً حتى تعود معظم الأراضي الملوثة أقل كفاءة في إنتاجها .

 الوقت بدون ثمرة و خاصة في الدوائر الحكومية التي لا تكاد تستطيع أن تنجز فيها شيئاً بعد الثانية عشرة منتصف النهار و ربما بعد الحادية عشر في بعضها، فهناك على الأقل عشرون بليون ساعة سنوياً تضيع هدراً بدون فائدة. ولا أريد أيضاً أن أتحدث عن مساهمة القات في التفكك الأسري و الخلافات العائلية و القبلية و حوادث القتل و الموت و العاهات الجسدية التي تتسبب بها سيارات نقل القات أو الذين يقودون سياراتهم و هم تحت تأثير مفعول القات، فهذا واقع معروف و لا خلاف عليه؛ و لا أريد أيضاً أن أتطرق إلى الدور الكبير، و الكبير جداً، الذي يلعبه القات و التخزين في انتشار الرشوة بين العاملين في كافة القطاعات و خاصة الخدمية منها و الذي يخزن الواحد منهم بأضعاف ما يحصل عليه من راتب شهري. و لكن أريد أن اذكر بأن التخزين بدون أدنى شك يساهم في انحراف المراهقين و المراهقات بسبب قلة الرقابة من ناحية و من ناحية ثانية من أجل الحصول على القات، خاصةً بين العائلات المتدنية الدخل، إضافةً إلى تعليم الأطفال و الشباب على تدخين السجائر و الشيشة و شرب الكحول و تناول المخدرات .

 إن الحجة بأن زراعة القات و تسويقه هي مصدر رزق لنسبة كبيرة من الشعب هي حجةٌ واهية بلا شك، فالعاملون في زراعة و تسويق القات يمكن استيعابهم أو استيعاب معظمهم في زراعة المحاصيل الأخرى و خاصة المستورد منها مثل الحبوب و البقوليات الأمر الذي يساهم في تحسين ميزان المدفوعات و تخفيض العجز التجاري و بالتالي تحقيق حرية و استقلالية أكبر للبلد. و كذلك يمكن استيعاب نسبة كبيرة منهم أيضاً
بالعمل في المشاريع العديدة التي يمكن تأسيسها بجزء من المبالغ الهائلة التي تصرف على القات .

 الحقيقة هي أن المستفيدين الوحيدون من القات و من زراعته ما هم إلا أصحاب المزارع الكبيرة والمقوتون الكبار و الذين ينمون ثرواتهم على حساب باقي المواطنين.أما باقي الشعب اليمني فإنه يدفع ما يربو عن الخمسين بليون دولار سنوياً، بشكل مباشر و غير مباشر، لإنتاج شجرة لا تجلب له إلا الويلات. و المؤسف أن هذه البليونات كلها لا تفيد شيئا في تنمية الإقتصاد الوطني، بل تذهب في جلها هباء منثوراً، باستثناء ربما بعض الكميات القليلة جداً التي تصدر للخارج .

 قد يرى البعض أن هناك مبالغة في الأرقام الواردة، و لكن يمكن لمن يستطيع، أن يحصل على الأرقام الفعلية أو جزءاً منها على الأقل من الجهات الرسمية المعنية مثل وزارة الزراعة و وزارة التجارة و دائرة الجمارك و دائرة البيئة.إلا أنني أجزم أن هذه الأرقام، إن كانت مبالغ فيها الآن، فإنها لن تكون كذلك بعد سنوات قليلة جداً، بل و على الأغلب ستكون أكبر بسبب الزيادة المضطردة في كلفة تخزين القات مع مرور الوقت .