ما أعجبني وما لم يعجبني في مؤتمر الإصلاح
بقلم/ ناصر الربيعي
نشر منذ: 17 سنة و 3 أسابيع و يوم واحد
الإثنين 05 مارس - آذار 2007 11:54 ص

مأرب برس – صنعاء

إن الإصلاحيين يثبتون يوما بعد يوم أنهم جادون أكثر من غيرهم في تطبيق الديمقراطية كوسيلة للتداول السلمي لحكم الشعوب.

لقد ضربوا أروع الأمثلة في مؤتمرهم الأخير وبينوا أنهم ديمقراطيون في ممارساتهم ودقيقون في بيانهم الختامي الذي وصفه لي احد القادة الاشتراكيين انه جسد خطابا تقدميا فذا بلغته و كلماته.

و مع أن النتيجة النهائية للمؤتمر أشعرتني بخيبة أمل كمواطن يحب أن يرى في بلاده معارضة قوية وسلطة عادلة ، إلا أن ذلك لا يجب - بأي حال من الأحوال- أن يحجب الحديث عن النواحي الرائعة التي لمستها في مؤتمر هذا الحزب الذي يرى فيه الكثير من الناس و أنا منهم، أملا لصناعة معارضة قوية هدفها إيجاد سلطة عادلة تحترم وتصون الحقوق والحريات العامة والخاصة للإفراد والجماعات.  

ولا اخفي سرا أن قلت إن جو المؤتمر، الذي حضرت جلسته الافتتاحية، أعاد إلى ذهني جدل يحصل من حين إلى أخر هنا أو هناك: هل حزب الإصلاح حزب ديني أم سياسي؟ ، وهو حزب سياسي بالتأكيد وفق الدستور.

 جو المؤتمر كان يوحي بأن المرجعية الدينية و الفقهية و نظام الفتاوى لم يكن موجودا على الأقل في القاعة إثناء ممارسة القواعد الديمقراطية في الترشيح والتصويت وغيرها من الإجراءات التي تحترم الفرد امرأة أو رجل بعيدا عن الفتوى الجاهزة التي يجب إتباعها وإلا فالويل والثبور.

 و إن كان عدد من يتمسك بهذه المفاهيم يزيد كلما صعدت إلى القمة، لكن الحديث عن الديموقراطية و احترام رأي الفرد رجل أو امرأة يزيد كلما هبطت إلى القاعدة و هذه ممارسة فاعلة للديمقراطية.

اعني أن مفهوم الحزب السياسي في قواعد الإصلاح ينمو نموا كبيرا و هذا يجب أن يطمئن من يتوجسون خيفة من مفهوم الحزب الديني الذي يرفض أو قد يرفض يوما ما أن يكون الدستور هو مرجع الجميع فينقلب على الديمقراطية انطلاقا من شعوره أن بيده الحق المطلق ولم تكن الديمقراطية سوى "تقية" للوصول إلى هذا الهدف. وعند ممارسة الديمقراطية صونا للحقوق والحريات لا يجوز لأحد أن يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة في صون حقوق وحريات الآخرين. مع أن لكل فرد وجماعة أن يطبق هذه الحقيقة المطلقة على نفسه دون فرضها على الآخر بالقوة.

وبهذه الممارسة الديمقراطية الحقيقية البعيدة عن أي مفهوم مطلق يستطيع حزب الإصلاح إن يحافظ على الريادة في ميدان العمل السياسي ويكون قائدا للمعارضة الحقيقية كما هو الآن ثم حاكما وهو يستحق ذلك.

وقد جسد حزب الإصلاح احترام المفاهيم ووجهات النظر المختلفة و التفسيرات المتنوعة لكل شي في مؤتمره الرابع بين أعضاءه عندما احترمت الآراء ووجهات النظر إثناء النقاشات وعمليات الترشيح والتصويت الشفافة . لاحظنا من يرفض التقديس للأشخاص أيا كانوا و لاحظنا من يزدري من مفهوم المرأة للبيت فقط ، و هو مفهوم ظالم بكل المقاييس التي أؤمن بها على الأقل.

ما كان أروع تلك المرأة الإصلاحية الفاضلة التي انبرت تحاجج ذلك الرجل الإصلاحي الغيور الذي قال أن المرأة مكانها البيت . حاججت و حاججت بصوت عال و قالت ليس مكان المرأة هو البيت فقط ، كما انه ليس مكان الرجل هو البيت فقط ، ولكن كل مكان هو للمرأة كما هو للرجل و إن الفضيلة و العفة و الحشمة هي جوهر نجاح الرجل و المرأة على حد سواء. 

وإن إنصات المؤتمرين لتلك المحاججة الشجاعة من تلك المرأة العارفة بأمور ديناها المستشعرة بمسؤوليتها كانسان ، لهو أمر يستحق الثناء و الإشادة بل و يستحق أن يروج له و خصوصا عند بعض الأخوة الذين يفهمون إن عفة المرأة وأدبها أن تظل ساكنة كأن على رأسها الطير في كل وقت و حين وإلا كشفت عورتها. و هذا للأسف هو شأن كثير من النساء اليمنيات في المدينة و الريف.

لكن أعود و أقول إن حزب الإصلاح هو الرائد الحقيقي في هذا المجال و إن كان يمشي يبطأ بسبب الممانعة الداخلية من بعض المشائخ الذين يحرصون كثيرا على إصلاح المرأة وفق تفسيراتهم الخاصة لجوهر الدين . ولا أشك مثقال ذرة في نيتهم الحسنة، ولكنهم يبالغون في الحرص إلى الدرجة التي يبدون فيها مغفلين وهم ليسو كذلك (و اعتذر عن استخدام هذا اللفظ فلهم مني كل الاحترام و التقدير و التبجيل).

يبدون وكأنهم كذلك في شأن المرأة بالذات، ربما لأنهم يظنون أن الأمة سوف تطهر تماما من الرذيلة إن صلحت المرأة بتفسيرهم للصلاح.

لابد من فضيلة و رذيلة و خير وشر في كل زمان و مكان، فلتكن مهمة تغليب الخير على الشر مهمة جماعية يقوم بها الجميع و مسؤولية يشعر بها الجميع و الأكثر ايجابية هو ألاكثر ثوابا عند الله. 

لقد آليت على نفسي ألا اكتب في مقالي هذا إلا ما أعجبني في مؤتمر إخواني الإصلاحيين و أغض الطرف عما لم يعجبني لان ما أعجبني يفوق بكثير ما لم يعجبني بل و لملاحظتي أن ما لم يروق لي يمكن إصلاحه من الداخل لأنه لم يعجب الكثير و أتذكر هنا ما قاله لي قيادي إصلاحي بعد المؤتمر " إن ما لم يعجبك يا أخ ناصر لم يعجب 85 % من شباب الإصلاح".

و لكن لا بأس من ذكر بعض الأمور التي حزت في نفسي و جعلتني اشعر بقليل من خيبة الأمل مع أني لا ألوم الإصلاحيين و حدهم على هذه الأمور.

لم يرق لي اتفاق أهل الحل و العقد في الإصلاح على مخالفة اللائحة الداخلية للحزب و الإصرار على أن يكون الشيخ عبدالله الأحمر هو رئيس للهيئة العليا للحزب لفترة رابعة.

 و مع أني أجد في نفسي لهذا الرجل ( الشيخ الأحمر) تقديرا واحتراما بل وأتفهم كثيرا من المبررات التي سمعتها من بعض الإخوة في الإصلاح ليكون رئيسا للمرة الرابعة، و لكني مع ذلك وددت لو أن الإصلاحيين تجاوزوا هذه العقبة الكأداء التي يكبو عندها الجميع بدون استثناء. وددت لو أن الله ألهمهم شجاعة وحنكة وجرأة أن يكونوا قدوة.

 أحببت كما أحب كثير من إخواني الإصلاحيين تكريس ثقافة جديد قديمة وهي ثقافة احترام النفس و ثقافة احترام اللوائح و ثقافة الاعتراف بضرورة التغيير حتى عندما يكون من يجب تغييره لائحيا صالحا و نافعا و صمام أمان كالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر حفظه الله ورعاه. 

و لم يعجبني أيضا ذلك التساؤل السخيف الذي أطلقة البعض إثناء جلسات العمل في المؤتمر : هل يجوز التكبير للمرأة احتراما و تقديرا و تأييدا؟ و هو قول : الله اكبر و لله الحمد , وهي العبارة التي يهتف بها بعض الإصلاحيين لتحية من يصيب في خطابة أو نقاشة في التجمعات العامة.

هذا التساؤل أطلقه البعض عندما حاججت بالآيات و الأحاديث النبوية تلك المرأة الإصلاحية الفاضلة و أفحمت ذلك الرجل الإصلاحي المحترم رأيه عندما قال بحماس ما معناه أن "المرأة مكانها البيت".

واختم بإعجاب كما بدأت: أعجبني ذلك التعليق القصير الذي قاله السيد لاري سبكت من الاتحاد الأمريكي للمعلمين الذي حضر حفل افتتاح المؤتمر . قال لي السيد سبكت، وهو ديمقراطي متشدد يكره الرئيس الأمريكي بوش أكثر من أي واحد في اليمن حسب قوله، قال: إن حزب الإصلاح هو حزب سياسي ديمقراطي ما دام يتحالف مع الحزب الاشتراكي و لو كان غير ذلك لما فعل.

و عندما سألني عن سر التصفيق و الهتافات التي ضجت بها القاعة عند إلقاء الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي كلمته أثناء جلسة الافتتاح ، لخصت له بالانجليزية بعض النقاط الهامة فقال: أريد أن التقي بهذا الرجل الاشتراكي الشجاع.