الحوثيون يعبثون بأمن اليمن
بقلم/ فضل حنتوس
نشر منذ: يوم واحد و 44 دقيقة
الجمعة 27 ديسمبر-كانون الأول 2024 07:11 م
 

في مشهد سياسي يكتنفه الغموض والتناقضات، تتحرك مليشيات الحوثي في اليمن كأداة فاعلة لصناعة الأزمات، حيث تسير على خطى مدروسة تتيح لها استغلال الفوضى لإحكام قبضتها على مقدرات الدولة. بالتوازي مع ذلك، تظهر إسرائيل كلاعب دولي يدعي التدخل تحت ذريعة استهداف تهديدات الحوثيين، إلا أن الواقع يكشف عن استهداف منهجي للبنية التحتية اليمنية، مما يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا التدخل. هذا التداخل بين الحوثيين وإسرائيل يضع المشهد اليمني في دائرة معقدة من الاستغلال السياسي والعسكري، يدفع ثمنها الشعب اليمني الذي يرزح تحت وطأة الدمار والانهيار الاقتصادي.

 

منذ اللحظة التي أعلنت فيها إسرائيل عن هجماتها الأخيرة ضد اليمن بحجة التصدي للتهديدات الصاروخية والمسيرات الحوثية، برزت العديد من المؤشرات التي تدعو إلى التشكيك في النوايا الحقيقية لهذه العمليات. فبينما تُعرض هذه الهجمات على أنها ردع عسكري، يظهر استهدافها المتكرر للبنية التحتية اليمنية على حساب المواقع الحساسة للحوثيين، ما يضع علامات استفهام حول مدى جدية هذه الغارات في مواجهة المليشيات المسلحة. على سبيل المثال، لم تُسجل حتى الآن أي ضربة نوعية استهدفت قيادات حوثية بارزة أو مراكز عملياتها العسكرية، بل ركزت الهجمات على منشآت حيوية مثل المطارات، الموانئ، ومحطات الطاقة، وهي مرافق تمثل شريان الحياة لليمنيين.

 

سياسياً، مليشيات الحوثي تستغل هذا التدخل الإسرائيلي كفرصة لإعادة صياغة خطابها الدعائي. ففي الوقت الذي تتسبب فيه سياساتها العدوانية في استجلاب التدخلات الأجنبية، تقدم الجماعة نفسها كضحية لـ"مؤامرة كبرى"، مما يعزز من شعبيتها في أوساط أتباعها ويوفر لها مبررات جديدة لتصعيد عملياتها القمعية. هذا التوجه يعكس قدرة الحوثيين على توظيف الأحداث الدولية والإقليمية لصالحهم، حيث يظهرون كجهة مقاومة للهيمنة الإسرائيلية، رغم أن أفعالهم على الأرض تشير إلى العكس تماماً. فمن خلال جرّ البلاد إلى أتون الصراعات الدولية، تحول الحوثيون إلى عامل رئيسي في انهيار الدولة اليمنية واستنزاف مواردها.

 

اقتصادياً، تُعد مليشيات الحوثي المستفيد الأكبر من تدمير البنية التحتية. فعندما تُضرب المنشآت الحيوية، تُخلق أزمة إنسانية واقتصادية واسعة النطاق، تدفع بالسكان المحليين إلى الاعتماد الكامل على شبكات الحوثيين لتأمين احتياجاتهم الأساسية. هذه الديناميكية تمنح الحوثيين مساحة أكبر لممارسة السيطرة، سواء من خلال فرض الإتاوات، أو توزيع الإمدادات بشكل انتقائي، ما يرسخ نفوذهم ويزيد من قوة قبضتهم على المناطق التي يسيطرون عليها. وبدلاً من أن يكون القصف الإسرائيلي ضربة موجعة للحوثيين، يظهر وكأنه يعزز استراتيجياتهم في التحكم الكامل بمفاصل الحياة اليمنية.

 

عسكرياً، إسرائيل، رغم ادعاءاتها بمحاربة التهديدات الحوثية، تغض الطرف عن البنية الحقيقية للقدرات العسكرية للمليشيات. فلم تُصب مستودعات الأسلحة أو مراكز التدريب الرئيسية، كما لم تستهدف الهجمات قيادات حوثية بارزة. هذا يثير الشكوك حول طبيعة العلاقة غير المعلنة بين هذه التدخلات، وما إذا كانت تهدف فعلاً إلى إضعاف الحوثيين، أم أنها تتعامل معهم كجزء من لعبة جيوسياسية معقدة تهدف إلى إبقاء اليمن في حالة من الفوضى المستمرة. الحوثيون يدركون هذه المعادلة، ويستغلونها لتوسيع نطاق عملياتهم العسكرية، تحت غطاء من الخطاب الدعائي الذي يصورهم كضحايا للعدوان الخارجي.

 

ومن منظور إنساني، فإن هذا التدمير الممنهج للبنية التحتية لا يؤثر على الحوثيين بقدر ما يفاقم معاناة الشعب اليمني. الملايين يجدون أنفسهم محاصرين بين مطرقة الحصار الاقتصادي وسندان القصف الإسرائيلي، في حين يستمر الحوثيون في تكديس الثروات والسيطرة على الموارد. فبدلاً من أن يكون التدخل الإسرائيلي وسيلة لردع المليشيات، أصبح عاملاً إضافياً في معادلة المعاناة التي يعاني منها اليمنيون، حيث تُمكن هذه العمليات الحوثيين من ترسيخ موقعهم كـ"سلطة أمر واقع"، مع تزايد اعتماد المجتمع الدولي على الجماعة لتنسيق جهود الإغاثة الإنسانية.

 هذا المشهد المعقد يضع اليمن أمام مفترق طرق خطير، حيث تتشابك مصالح الحوثيين مع التدخلات الخارجية في صورة تدعو إلى القلق. فبينما تستخدم إسرائيل الذريعة الحوثية كغطاء لتدمير البنية التحتية اليمنية، يستغل الحوثيون هذا الدمار لتعزيز سيطرتهم، ما يعني أن كلا الطرفين يعملان بشكل غير مباشر على إضعاف الدولة اليمنية. الحوثيون، الذين يدعون مقاومة التدخلات الأجنبية، هم في الواقع سبب رئيسي لهذه التدخلات، حيث شكلت سياساتهم العدوانية وانقلابهم على الشرعية البيئة المثالية لتدويل الصراع اليمني.

 

الواقع يكشف عن حقيقة مرة: إسرائيل لا تستهدف الحوثيين بقدر ما تستهدف استنزاف اليمن كدولة. والحوثيون، بدورهم، يستغلون هذه الفوضى لتعزيز نفوذهم وسلطتهم، غير مبالين بالثمن الذي يدفعه الشعب. هذه العلاقة الجدلية بين طرفين يدعيان العداء، بينما يتبادلان الأدوار في إضعاف اليمن، تعكس مدى تعقيد المشهد السياسي والإقليمي، وتجعل من الضروري قراءة هذا الصراع بعين فاحصة تميز بين الشعارات والوقائع.

 

في النهاية، يبقى الشعب اليمني هو الضحية الأولى والأخيرة لهذه اللعبة القذرة، التي تتقاطع فيها مصالح الحوثيين مع التدخلات الإسرائيلية. وبينما تستمر المليشيات في استثمار التدخلات لتوسيع نفوذها، تُترك الدولة اليمنية رهينة للفوضى والتدمير، في مشهد يضع أمن المنطقة واستقرارها على المحك، ويؤكد الحاجة الملحة لإعادة التفكير في النهج الدولي والإقليمي للتعامل مع هذا الملف الشائك.