انتخابات يمنية من أجل الوطن في 27 ابريل 2010
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و يومين
الأحد 15 فبراير-شباط 2009 01:02 م

ما هي شروط انتخابات يمنية من أجل الوطن وليس من أجل الأحزاب؟ إن التفكير بالوطن يقتضي الحفاظ على المكتسبات وزيادة تراكمها، وعدم المغامرة في هدم بنيان الدولة وتعريض الوحدة إلى الخطر فضلا عن ترشيد السلوك الديمقراطي المتحكم في العلاقات السياسية الذي نؤسسه جميعا بالتوافق والتفكير العقلاني.

من المهم الإشارة إلى أن الدستور اليمني يتيح حق الاختلاف حول السلطة، والتنافس عليها، لكنه لا يبيح التنازع كسلوك يتعارض مع الديمقراطية، كما أن النظام الديمقراطي يقوم على أساس إمكانية التداول السلمي على السلطة والتغيير من تركيبتها ومن شخوصها ومن أحزابها عبر صناديق الانتخابات فقط دون تحايل أو تزوير أو انقضاض.

إن إجراء انتخابات حرة ونزيهة وآمنة لا يتطلب الحرص على إجرائها بموعدها الحالي في 27 ابريل 2009 فحسب ولكنه يتطلب قبل الحرص على الموعد الدستوري إصلاح قضايا مختلف حولها منها:أولا: تسوية الملعب السياسي. ثانيا: إجراء انتخابات حرة ونزيهة. ثالثا: تحييد المال والإعلام والسلطة. رابعا:التوافق على التأجيل الضروري والحتمي للانتخابات إلى ابريل 2010 ، من أجل تحقيق شروطها.

أولا: تسوية الملعب السياسي ليصبح ملعبا للجميع وليس حكرا للسلطة.

إن الملعب السياسي يتمثل بقواعد النظام السياسي الذي يسمح للجميع بالتنافس السياسي والبرامجي بين المتنافسين، وتسوية الملعب يعني الاتفاق على قضايا ثلاث هي موضوع اختلاف وصراع سياسي:

القضية الأولى: إقرار تعديل قانون الانتخابات، وإعادة القانون إلى البرلمان لمراجعته والتوافق عليه وسد كل الثغرات التي تكتنفه، أي أن المطلوب صياغة قانون انتخابي لمستقبل اليمن وليس ظرفيا ولطرف بعينه، بحيث لا يخضع على المدى المنظور لأي تعديل، ويمنح العملية السياسية شيئا من الثبات والاستقرار والموثوقية، ونزع فتيل الخلاف والتنازع وسد الثغرات.

القضية الثانية: تصحيح السجل الانتخابي، إذ لا يعقل أبدا أن يكون عدد الناخبين في اليمن متجاوزا نصف عدد السكان في مجتمع يتكون من أسرة متسعة معظم أعضائها أطفال، إن متوسط عدد أفراد الأسرة في اليمن هو 6.7 حسب التعداد السكاني التقديري 2006 . كما أن عدد السكان لفئة أقل من 18 سنة يتجاوز نسبة 55% فكيف يكون عدد المسجلين في كشوفات الناخبين أكثر من 50% هذا إذا أضفنا نسبة المهاجرين البالغ عددهم أكثر من مليون ونصف نسمة، معظمهم غير مسجلين، كما أن نسبة عدد سكان الريف يتجاوز 65% ونسبة 25 % تقريبا من النساء وكبار السن في الريف لا يشاركون في الانتخابات لا تسجيلا ولا اقتراعا- إن التقديرات الأولية تشير إلى أن عدد الأسماء الزائدة في كشوفات الناخبين إما لأنهم متوفين أو مكررين أو صغار السن قد يصل إلى أكثر من مليون اسم. وما أعلنته لجنة الانتخابات من إلغاء أكثر من مائة وخمسة وثمانين ألف اسم هو عمل أولي لا ينزه الكشوفات من عمق الخلل والهشاشة، هذا إذا افترضنا بأن كل من يتجاوز سن 18 سنة في البلاد هو مسجل حتما في كشوفات الناخبين، لكن إذا أقرينا بأن عددا آخر من المواطنين غير مسجلين فقد يتجاوز الأسماء التي تحتاج إلى حذف العدد التقديري المشار إليه.

إن عدد من يحق لهم الانتخاب لاعتبار ارتفاع معدل الخصوبة ونسبة الطفولة قد لا يتجاوز حصرا ثمانية أو تسعة مليون ناخب تقريبا بالاعتماد على الإحصاء السكاني الرسمي والدراسات الاجتماعية.

القضية الثالثة:إعادة تشكيل لجنة انتخابية محايدة تعمل لتعزيز التنافس الحر والنزيه دون الميل لحزب من الأحزاب، أو فريق سياسي دون آخر. ونستغرب من لجنة الانتخابات وعضوها عبد الجندي تحديدا، فجميع تصريحاته تؤكد أنه ناطق باسم المؤتمر الشعبي العام الحاكم أو أنه يعمل في التوجيه المعنوي للقوات المسلحة وليس عضوا في لجنة انتخابية مستقلة، هذا الشخص غير محايد بالمطلق ويدين بتصريحاته نفسه بالانحياز المبرمج، وهذا يشكل إساءة كبيرة للحزب الحاكم الذي يراهن على أشخاص يثقلون سياسته وسمعته بالتهم ويقللون من الوثوقية بسياساته ويشككون من مصداقيته.

ثانيا: إجراء انتخابات حرة ونزيهة (وهي لب المشكلة)

هذا النوع من الانتخابات ينبغي أن لا تثير الصراع والعنف عند الاقتراع ولا التشكيك في النتائج، ويسلم جميع الأطراف بها، وهي تعني عدم التفكير بالفوز القسري أو بالغش والتزوير، ولكن الفوز بالرضا والاختيار ( وتفعيل العقوبات والجنح والجرائم الانتخابية ضد أي كان) لنتأسى بنزاهة الانتخابات التركية والإيرانية وهما دولتان اسلاميتان.

أريد التأكيد من خلال دراسة أجريتها قبل عشر سنوات عن السلوك الانتخابي في اليمن بأن التزوير ليس علامة تجارية يختص بها الحزب الحاكم كما يشاع، بل معظم الأحزاب في اليمن تمارس التزوير لصالح تغيير النتائج الانتخابية لصالحها، ولكن بالقدر المتاح لها أو المساوم بينها وبين الطرف الآخر الذي تكون معه على تماس، السلطة لا شك تستعمل مجاميع القوات المسلحة وعناصر الأمن، وتحريكهم من موطن إلى آخر لتغيير نتائج الانتخابات في دائرة معينة، وكذلك الأحزاب تسعى إلى تحريك أعضائها جماعات من موطن انتخابي إلى آخر وخاصة في مديريات المدن، ويصعب ذلك عليها في دوائر الريف، وكل حزب لديه مجموعة من الشخصيات المكررة بأسماء مختلفة وبطاقات انتخابية متعددة ولكل حزب مجموعة من الأحداث دون سن الثامنة عشرة مسجلين في كشوفات الناخبين، إذا فمطلب إصلاح السجل الانتخابي ليس مقصورا على أخطاء السلطة بل أحزاب المعارضة، وأي انتخابات حرة ونزيهة هي بحاجة إلى تصفية السجل من الموتى والأطفال والمكررين ومعاقبة المخالفين وفقا للقانون حتى لا تصبح الجريمة الانتخابية عملا مستساغا. والقانون لا يحمي المغفلين بالنسبة للأفراد المتورطين في الجرائم الانتخابية.

ثالثا: تحييد الإعلام والمال العام والسلطات العامة

إن الحياد يشير إلى الدخول في منافسة فعلية بين البرامج السياسية وليس بين القدرات المالية والإعلامية والاستقواء بالسلطة. ينبغي أن يتنافس الأفراد والأحزاب حفاة عراة بإمكانياتهم الحقيقية وليس بإمكانيات الدولة أو الدعم الخارجي والارتهان إلى القوى المتلاعبة بمصالح اليمن.

أما بالنسبة للإعلام فبالإمكان توزيع الوقت بين المتنافسين بحصص متساوية بينهم، وبالإمكان فتح المجال لتنظيم حق امتلاك البث الإذاعي والفضائي وكل طرف يستطيع أن يلعب بملعبه الإعلامي دون استغلال مؤسسات الدولة التي هي ملك للجميع. وبكل شفافية نقول إن إخضاع وسائل الإعلام الحكومي لسيطرة الحزب الحاكم اليوم سيكون مبررا لحزب حاكم آخر غدا وهي سنة سيئة وبالتالي نحن نضعف أداء الإعلام الحكومي ونحرفه عن وظائفه الأصلية وهي التثقيف السياسي وإشاعة الوعي العام بين الناس في القضايا الوطنية وتنمية الولاء الوطني وحب الوطن والبرامج الهادفة حول الطفولة والأسرة والمرأة والعلاقات الاجتماعية السوية والقيم والمبادئ وصقل الشخصية اليمنية واستهداف الأطفال بالتعليم والترفيه...الخ.

رابعا: التوافق على تأجيل الانتخابات إلى 27 ابريل 2010 .

إن المضي قدما في إصلاح هذه المتطلبات سيكون لدى الجميع القناعة بتوفر الوقت الكافي لتدارك إصلاح ما يجب إصلاحه وهو كثير، إن تأجيل الانتخابات المحدد موعدها بــ 27 ابريل 2009 لثلاثة أو ستة شهور إجراء غير عملي وغير كاف لإصلاح مواطن الخلل، بل إن المضي قدما بشجاعة وثقة بالإصلاح هو عمل ايجابي يصون التجربة الديمقراطية في اليمن ويعزز أركانها في المجتمع على المدى المنظور. أما سبب اختيار التأجيل لعام كامل فالمقصود منه وجود وقت كاف للتوافق وعدم تجاوز الموعد التاريخي في الذهنية العامة للموعد المستقر في وعي الناس.

إن الحرص على مجرد إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري سيزيد من تراكم الأخطاء الانتخابية التي تشوه السلوك الديمقراطي وإدخال المجتمع في عنف سياسي نحن جميعا في غنى عنه وسيترتب عن الإجراء التضحية بمكاسب سياسية ومنجزات اجتماعية وتاريخية - مهما كانت ضئيلة من منظور البعض - ليس من الحكمة التضحية بها، وليس أقلها الدولة والاستقرار السياسي والوحدة والديمقراطية، ومهما كانت تبدو لنا عوراء أو عرجاء فهي مكاسب لا ينبغي أن نهون من قيمتها وانعكاساتها على الدفع بتنمية المجتمع وتطوره أفضل من الانزلاق نحو الصراع العنيف والمواجهات السياسية.

خاتمة:

في أي صراع سياسي أو عنف اجتماعي ينزلق إليه اليمن– لا سمح الله – سنكون جميعا مسؤولين عنه ولن يستطيع أحد التبرؤ منه، وسنخاطب السياسيين وقيادة الأحزاب بقاموس السياسة المصرية « لقد حذرنا ونبهنا وأشرنا » فلم تستجيبوا، فالفرصة لا تزال سانحة لبداية جديدة لبناء مجتمع جديد ومستقبل أفضل ودولة قانون يستظل الجميع بعدلها. لو تذكر السياسيون أنه برغم مرارة الشكوى من البعض، وشدة التفاؤل من البعض الآخر، فلا نزال في بر الأمان. إذا فلنبدأ بإصلاح أوضاعنا بشجاعة والوطن نصب أعيننا– دون تقديم المصالح الشخصية . ولنتذكر أننا لا نزال حتى اليوم ندفع ضريبة حرب 1994 وحروب يمنية سابقة.

hodaifah@yahoo.com