آخر الاخبار
عيدنا أعياد وعيدهم واحد!
بقلم/ أحمد عبده الشرعبي
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 4 أيام
الأحد 28 سبتمبر-أيلول 2008 04:02 ص

جاء رمضان هذا العام وكسائر الأعوام ليثبت حالة الانقسام في العالم الإسلامي خصوصاً ما يتعلق برؤية الهلال، فبدلاً أن يبدأ الشهر الفضيل، كبقية الشهور، في يوم واحد تعددت بداياته. وهاهو قد أنقضى لنرى الخلاف والاختلاف في رؤية هلال شوال وتحديد أول أيام الشهر الجديد ليتحول معه عيد الفطر إلى أعياد. نحن أمة إسلامية واحده ربنا واحد وكتابنا واحد ونبينا واحد وقبلتنا واحدة وشريعتنا واحدة، فلماذا هذا الانقسام في صيام رمضان وعيد الفطر، في الوقت الذي لا يختلف فيه اليهود أو النصارى أو البوذيون أو الهندوس أو حتى عبدة الشياطين على عيدٍ واحد لكل ملة؟ هل هناك من سبب علمي لذلك له صلة بالجغرافيا أو الفلك؟

ما نعرفه عن الجغرافيا هو تقسيم الأرض إلى خطوط طول ودوائر عرض ينجم عنها اختلاف في التوقيت واختلاف في المناخ، وبالتالي فيوم الجمعة هي يوم الجمعة في اندونيسيا أو السنغال أو أمريكا والاختلاف هو في التوقيت فقط. وما نعرفه عن الفلك هو أن لكوكبنا الأرض قمر واحد وهو نفس القمر الذي نراه في باكستان أو السعودية أو ليبيا. وهو ذلك القمر الذي نراه في جنوب العراق أو وسطه أو شماله. وعمر الهلال لا يتغير بتغير الموقع الجغرافي، فإذا كان عمره يوم واحد في شرق الأرض فعمره يوم واحد في غربها مع الاختلاف في التوقيت اليومي، وبالتالي فالاختلاف في التوقيف يؤدي إلى اختلاف مواقيت الإمساك والإفطار وكذلك مواقيت الصلاة فقط. ولذلك ليس لاختلاف الموقع الجغرافي للدول علاقة برؤية الهلال وما يترتب عليه من اختلاف في تحديد بداية شهر رمضان وبداية شهر شوال وبقية أشهر السنة الهجرية.

ولكن قد يتمكن سكان السعودية مثلاً من رؤية هلال شوال فيفطرون بينما لم يتمكن سكان باكستان أو إيران من رؤيته فيفطرون في اليوم التالي. السبب في ذلك يعود لاختلاف الأحوال الجوية التي مكنت سكان السعودية من رؤية الهلال بينما حجبت الرؤية عن سكان باكستان أو إيران. فهل هذا يعني أن التعدد في بدء شهر الصوم وعيد الفطر أمر طبيعي له ما يبرره؟

ليس الأمر كذلك، فلنأخذ العراق مثلاً والتي ينقسم فيها العراقيون حول بدء شهر الصوم وبدء عيد الفطر إلى مجموعتين أو ثلاث. قد يرجع السبب إلى أحوال الجو التي مكنت السنة من رؤية الهلال و لم تمكن الشيعة من رؤيته، وإذا كان الأمر كذلك فالسبب الحقيقي يرجع إلى تعدد المرجعيات والتي لكل منها قرارها المستقل في تحديد بداية شهر رمضان وشهر شوال، والقائم على رؤية المرجعية للهلال أو لأسباب أخرى، بدلاً عن وجود مرجعية واحدة مسئولة عن ذلك ووفقاً لقرارها يتحد أهل العراق في بدء صيام رمضان وبدء عيد الفطر.

يمكن لنا أن ننتقل من النموذج الأصغر(العراق) إلى النموذج الأكبر (العالم الإسلامي الكبير) والذي يتكون من كيانات إسلامية مستقلة (دول) ، لكل منها (مرجعيتها) علمائها الذين يؤكدون رؤية الهلال من عدمه معتمدين على الظروف الجوية التي قد تتيح أو تمنع الرؤية، وبالتالي تحديد أول أيام رمضان وأول أيام شوال في كل دولة على حدة. إذن، يرجع السبب في تعدد بداية شهر الصيام وبداية عيد الفطر إلى تعدد الكيانات الإسلامية المستقلة بمرجعياتها، مثلها مثل تعدد مرجعيات العراق. فإذا كان للعالم الإسلامي الكبير مرجعية دينية واحدة مسئولة عن رؤية الهلال وتحديد بداية شهر الصيام وبداية عيد الفطر سيتحد المسلمون كافة ليبدؤون صيامهم في يوم واحد ويبدؤون عيدهم في يوم واحد.

في الواقع، ما يزيد من هذا الانقسام هو حقيقة وجود خلاف فقهي بين علماء المسلمين حول تفصيلات رؤية الهلال. فالرأي الأول يؤيد وحدة مطالع الهلال، فيصوم أهل المشرق برؤية أهل المغرب، ويفطر أهل المغرب برؤية أهل المشرق، وهذا يعني وحدة المسلمين في صيام رمضان وعيد الفطر. الرأي الأخر يؤيد اختلاف مطالع الهلال، فيفطر أهل المغرب لرؤيتهم هلال شوال ولا يفطر أهل المشرق لعدم رؤيته.

لن أقراء الرأيين من زاوية فقهية لأنني لا أدعي التفقه في هذه الأمور، ولكن سأنظر أليهما من زاوية وحدة الأمة الإسلامية. فالرأي الأول يسهم في تعزيز وحدة الأمة بينما الأخر لا يدعم ذلك، وعلى علماء الأمة ترجيح ذلك الرأي الذي يجمع المسلمين بغض النظر عن مبررات الرأي الأخر، لأننا اليوم بأمس الحاجة لما يجمعنا كأمة واحدة، بعد ان تفرقنا وفرقنا كل شيء.

لقد مضت عشرات السنين ولا تستطيع أمتنا أن تأخذ خطوة جادة نحو الوحدة في الأعياد وبدء شهر الصوم، فهل حان الوقت للوحدة في أبسط الأمور وهو رؤية الهلال لنتجنب تشويه صورتنا في أعين غير المسلمين؟ من الواجب على علماء الأمة الإسلامية الاتفاق وتأسيس هيئة من العلماء معنية برؤية الهلال وتوحيد بدايات الشهور الهجرية في الأقطار الإسلامية، يكون مقرها مكة المكرمة باعتبارها قبلة المسلمين كافة، وما تقره تلك الهيئة ينبغي تعميمه على كافة الأقطار الإسلامية وعلى كل المسلمين في أرجاء المعمورة. يقول تعالى: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينان وأولئك لهم عذاب عظيم) صدق الله العظيم.