الانقلابيون
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 10 أيام
الجمعة 16 أكتوبر-تشرين الأول 2009 07:32 ص

 صحيفة الصحوة - المحرر السياسي

تُحسن السلطة في اليمن فعل أي شيء عدا خدمة وطنها ومواطنيها والسير بهما نحو آفاق التقدم والرقي والأمن والسلام. وحزبها السياسي ليس أكثر من أداة انتخابية أو آلية انتخابية لتجميع الأصوات وإعادة إنتاج السلطة ذاتها بتلك الصورة المشوهة التي تصنعها ديمقراطية ممسوخة، وحين يبادر الشرفاء من أبناء الشعب لتقديم مشاريع سياسية وطنية لإنقاذ الوطن من محنته وأزماته التي أغرقوه بها ينبري النظام على الفور فيكيل لهم التهم، ويشنع عليهم، ويضعهم في خانة المتآمرين وأعداء الوطن.

 ويصل به التطرف والغلو حد ممارسة أبشع صور الإرهاب السياسي في حق معارضيه من أحزاب المشترك فينعتهم بالانقلابيين المتآمرين على الوحدة والثورة والجمهورية، وكأن الوحدة والجمهورية صارتا حقاً حصرياً له أو علامة تجارية مسجلة باسمه! ويذهب به الغلو بعيداً حين يزعم بأن وثيقة الإنقاذ الوطني التي تبنتها مختلف شرائح وفئات المجتمع اليمني وأطيافه السياسية المعارضة تسعى للإطاحة بالنظام أو انه عمل انقلابي.

لسنا نفهم كيف يكون العمل في مشروع وطني كبير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في وطن يتهاوى تحت معاول الفاسدين عملاً إنقلابياً؟! وماذا نسمي أولئك الذين حولوا الثورة والوحدة والجمهورية من مشروع وطني عملاق إلى مشروع عائلي قزم تجري شخصنته؟ ماذا عن أهداف الثورة التي جرى تغييبها لصالح أهداف القبيلة فالأسرة فالفرد؟ ماذا عن مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية التي جرى تهميشها وإفراغها من محتواها لتصير في خدمة الأفراد عوضاً عن خدمة الوطن؟! ماذا نسمي كل ذلك إن لم يكن انقلاباً؟

بفعل المشروع الانقلابي السلطوي تحولت الثورة والوحدة والجمهورية من معانٍ عظيمة وقيم خلاقة إلى شعارات للمزايدة، وسياط لقهر الناس وسلب حقوقهم وكرامتهم، صارت دثاراً يتلفع به النظام ليخفي نزعاته الاستبدادية والاقصائية، فالوحدة غدت منجزاً شخصياً والثورة كذلك، وعاد الاستبداد من الباب الخلفي متقمصاً صورة الديمقراطية التي فُصّلت على مقاسه، وهو لا يرى في الـ23 مليون يمني سوى حفنة من الجياع يتسول بهم، مهمتهم في الحياة أن يكونوا وقود حروب لمنجزات وهمية ومفخرات غائبة.

الانقلابيون ياسادة هم أولئك الذين يرفضون إنقاذ وطنهم في حين ينادون بالاصطفاف، ولا يكفون عن تخوين مخالفيهم في الرأي، ويريدونهم وقوداً لحروبهم ومغامراتهم، فيما الوطن لا يمثل لهم سوى غنيمة وفريسة يتسابقون على التهامها، يعملون في كل اتجاه لتأزيم أوضاع بلدهم، فيجلبون له المشكلات من كل مكان ليسترزقوا منها ويبتزوا بها غيرهم، ثم لا يجدون غضاضة في أن يتحول بلدهم إلى بؤرة صراع داخلي ودولي لتصفية حسابات اللاعبين الكبار، ونقطة عبور لكل المصائب واللعنات التي يجري استثمارها بعد ذلك.

ماذا أبقيتم من المؤسسية والشرعية الدستورية التي تطالبون غيركم بامتثالها فيما أنتم تتخطونها وترمون بها عرض الحائط ولا تقيمون لها وزناً إلاّ حين يتعلق الأمر بمصالحكم؟ تتحدثون عن التنمية فيما الحروب مشتعلة شمالاً وجنوباً بتغذية شيطانية. وللمرة الأولى في تاريخ الصراعات يسمع العالم ويرى بعينه كيف أن المتمردين على النظام يحصلون على سلاحهم لمقاتلته من ذات الجهة الرسمية التي تستورد السلاح للجيش والتمرد معاً!! الإنقلابيون هم أولئك الذين حولوا مواطنيهم إلى لاجئين ومشردين في بلدهم، يحاصرهم الموت ويقتنصهم من كل زاوية، في مشروعهم الانقلابي صارت الحرب بديلاً عن التنمية، وتوارى اقتصاد السوق ليفسح المجال لاقتصاد الحرب الذي انتعش في عهدهم الميمون، إن أوباش الفساد الذين ينهشون في جسد الوطن هم الضالعون في عمليات تبديد أكثر من 60% من الميزانية العامة للدولة وفقاً لتأكيد التقارير الدولية، وهم الذين مرروا عبر أغلبيتهم المريحة في مجلس النواب أكثر من تريلون ريال يمني باسم اعتمادات إضافية في الموازنة العامة للدولة لمشاريع وهمية، ألم ينقلب هؤلاء بأفعالهم تلك على الدستور والقانون والأيمان المغلظة التي أقسموها مراراً وتكراراً أمام شعبهم للعمل بمسئولية وشرف في خدمته، وعدم تبديد ثرواته، وحماية مصالحه وصيانة مكتسباته؟ من الذي انقلب على كل القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والدستورية والقانونية وما عاد يقيم وزناً أو يضع اعتباراً لمصالح بلد وشعب يُسحق تحت أقدام الفاسدين؟

هؤلاء هم أوباش الفساد الذين يتوجب إحالتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، وليسوا أولئك الذين يجهدون لإنقاذ وطنهم وشعبهم لإخراجه من النفق المظلم الذي يستوطنه.

الانقلابيون الحقيقيون ما برحوا يهددون مجتمعهم وأصدقاءهم وحلفاءهم بالصوملة، ليبتزوهم ويلووا أيديهم، هم الذين لا يجيدون صناعة السلام ولا يعرفون غير الحرب سبيلاً لحل أزماتهم،هم من تخلوا عن واجباتهم ومسئولياتهم تجاه وطنهم فجعلوا منه مرتعاً لأجهزة الاستخبارات العالمية وللتدخلات الخارجية، أما شعبهم فقد أسلموه للفقر والجوع والبطالة والظلم والجرعات السعرية القاتلة، وبرغم تدفق مليارات الدولارات من المساعدات والقروض والمنح إلاّ أنها لم تزد الناس سوى فقر إلى فقرهم حتى أضحى أكثر من 50% من أبناء الشعب تحت خط الفقر، يعجزون في توفير خدمة بسيطة تنير للناس بيوتهم وشوارعهم ومحلاتهم، أو شربة ماء نقية، لكنهم ماهرون في إشعال الحرائق والأزمات في ربوع الوطن. فيا ترى من هم الانقلابيون الحقيقيون الذين ما عاد يحكمهم مبدأ ولا خُلق، ولا يردعهم ضمير، ولا يوقفهم عند حدهم قانون أو دستور؟!