نائب الرئيس.. رئيسا
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 7 أيام
الأحد 05 فبراير-شباط 2012 05:00 م

ملايين اليمنيين يريدون أن ينجح نائب الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وكثيرون يخشون أن يفشل، وقليلون يريدون له الفشل. المواطن اليمني الذي يعتمر بعزة خنجره وجوعه يريد للنائب النجاح، النائب بدوره يبدو أقرب إلى نبض الشارع اليمني، حتى شباب الثورة يصلون إلى أسوار بيت النائب ولا يفكرون في اقتحامه، ولذلك رمزيته الخاصة. الصورة النمطية لمنصور هادي التي حاول خصومه في النظام تكريسها عنه هي أنه رجل الظل الذي قد تحرقه شموس السياسة عندما يتعرض لها مباشرة، أو أنه الرجل العسكري بالمعنى السلبي للعسكرية بما هي عدم الفهم في خبايا السياسة وتلافيف دماغها المعقدة.

هادي رجل «هادئ» المزاج على ما يبدو، يمتلك عددا كبيرا من أوراق القوة، له رصيد شعبي قل أن يوجد لغيره في اليمن، سواء من السلطة أو المعارضة (سابقا). هادي لديه شرعية دولية وإقليمية فوق الدعم الذي يحظى به من قطاعات وطنية وشعبية وعسكرية واسعة. مؤخرا أرسلت الولايات المتحدة وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية، ويندي شيرمان، لليمن وقد قدمت لهادي دعما أميركيا صريحا، والشأن ذاته فعله الاتحاد الأوروبي. قال لي يحيى العراسي، سكرتير نائب الرئيس، خلال دردشة في الشأن اليمني عندما سألته: لماذا لا بد من انتخابات مباشرة ما دام النائب هو مرشح المؤتمر والمشترك؟ قال: حتى يكون تنصيبه رئيسا مدعوما بإرادة شعبية، وليس بمجرد التزكية من مجلس النواب، وهذا زخم آخر.

هناك من يطرح أن نائب الرئيس قد مكث في الظل فترة طويلة، وأنه لن يستطيع نظم حبات العقد اليمني المتناثرة هنا وهناك. والحقيقة أن التركيز على الجانب العسكري لشخصية الرجل، وأن ذلك سيعيق نجاحه في المهام السياسية، غير دقيق بحكم تجارب كثيرة حول العالم، جاء فيها رؤساء إلى سدة الحكم من الميدان العسكري، ولكن بطرق ديمقراطية وسجلوا نجاحات عظيمة، والولايات المتحدة الأميركية من أوضح الأمثلة على ذلك. ثم إن التعويل على نائب الرئيس كشخص يعني أننا ما زلنا نعتقد أن البلاد سيديرها الأشخاص وليس المؤسسات، وهذا خلاف ما نسعى إليه. المرحلة المقبلة ستكون سمتها الكبرى الشراكة الوطنية، وتفعيل دور المؤسسات مطلوب للحد من حضور الشخوص بشكل طاغ على المشهد السياسي اليمني المقبل. ثم إن بقاء الرجل في الظل فترة طويلة لا يعني أنه كان بعيدا عما يدور في الساحة السياسية، بل إن قربه من الرئيس المنتهية ولايته في اليمن هيأه لأن يدرك الكثير من خبايا الأمور، بحيث تبدو حكاية «رجل الظل» هذه مجرد مقولة نمطية قابلة للتفكيك والنقض. وفوق ذلك فإن المعروف عنه أنه جعل للاحتياجات المعيشية للمواطن اليمني أولوية، وهذا هو مفتاح النجاح حتى في القضايا السياسية (لا ننسى أن الذين ينجحون سياسيا هم الذين لهم رصيد كبير في الميادين الاقتصادية والخدمية).

منصور هادي رجل المرحلة إذن، وهو حسب المبادرة الخليجية المسؤول عن «ملف الجنوب»، وهذا جيد لجهة أن الرجل ينتمي إلى محافظة أبين الجنوبية، ويمكنه أن يدير شبكة من العلاقات مع الفاعلين على ساحتنا الجنوبية من أجل الحل العادل الذي يرضيهم بـ«المشاركة في السلطة والثروة»، كما صرح أخيرا الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، وكما عكسته تصريحات القيادي في الحراك عبد الله الناخبي، الذي أشار إلى التنازل عن مطلب «فك الارتباط» بعد ثورة الشباب في اليمن.

لا شك أن هناك مراكز قوى قبلية وعسكرية قد لا يروقها أن ينجح النائب بعد توليه مهامه الدستورية، ولكن الدعم الداخلي والخارجي كفيل بتقليم الأظافر إذا طالت عن اللازم، كما أن شخصية النائب بما عرف عنه من صبر وعمل بعيدا عن الأضواء، وقدرته على امتصاص العداوات، كل ذلك كفيل بنجاح المهمة التي طلبت النائب ولم يطلبها.

مسألة بقاء النائب - بعد تنصيبه رئيسا - على مسافة واحدة من جميع الأطراف مهمة، وهذا لا يعني بحال استقالته من «المؤتمر»، بل بإمكانه أن يظل في حزبه على أن يفصل بين عمله الحزبي وعمله الرسمي. وعلى الذين يطرحون أن يقدم النائب استقالته من «المؤتمر» بعد تنصيبه رئيسا أن يدركوا أن ذلك طرح غير سديد لعدة أسباب، منها: أن خروجه من «المؤتمر» سيفهم من أعضاء المؤتمر على أنه قطيعة، وهذا إضرار بالقاعدة التي تقول «على النائب البقاء على مسافة واحدة مع جميع الأطراف»، وأن بقاءه في المؤتمر سيجعله حلقة وصل بين المؤتمر وغرمائه السياسيين، وأن بقاءه على مسافة واحدة من جميع الأطراف لا يتعارض مع كونه نائب رئيس المؤتمر وأمينه العام. ويبدو أن «صقور المؤتمر» قد استوعبوا أن شرعية النائب قد أصبحت فوق المنال، وبالتالي فإن التعاطي معها يعد من قبيل الرضا بالأمر الواقع. النقطة المهمة التي يعول عليها في نجاح نائب الرئيس تتمثل في حقيقة أنه لم يسع إلى الرئاسة ولا طلبها في يوم من الأيام، وهذه النقطة ربما كانت فصل الخطاب في هذا الشأن، فالرئاسة سعت إلى النائب ولم يسع إليها، كما ذكرنا، ولا بد أنه قرأ الحديث الشريف «لا تسأل الإمارة (الرئاسة)، فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها».

نحن إذن على موعد مع الحادي والعشرين من فبراير (شباط) المقبل، وكلنا أمل أن يغير النائب قواعد لعبة «الرقص على رؤوس الثعابين».