المليشيات تستكمل «حوثنة» الوظيفة العامة بقرارات جديدة لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى البريكس؟ إغتصاب الأطفال.. ثقافة انصار الله في اليمن صحيفة فرنسية...جنود الاحتياط ينهارون و 170 ألف جندي إسرائيلي يغرقون .. تفاصيل الإنهيار من الداخل ثمانية مرشحين لجائزة هدف الشهر في الدوري الإنكليزي تكشف عنهم رابطة الدوري وزير الأوقاف يشدد على اللجنة العليا للإشراف على موسم الحج انتقاء أفضل الخدمات لحجاج اليمن في كل المحطات مسؤول سوداني رفيع يكشف حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التهريب 55 ألف تأشيرة متاحة للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. السفارة الأمريكية باليمن تمدد الموعد النهائي لتقديم طلبات الهجرة غارات امريكية في الحديدة احزاب تعز تقترح حلا لمواجهة الوضع الاقتصادي المتأزم وتطالب الرئاسة والحكومة بسرعة انقاذ العملة
سيدخل اليوم الاثنين التاريخ علي انه يسجل اول قبول اسرائيلي لقرار صادر عن مجلس الامن الدولي من موقع المهزوم لا من موقع المنتصر، والأهم من ذلك الالتزام بتنفيذه علي الارض. فقد قبلت اسرائيل، بقرارات سابقة، ولكنها لم تنفذها، لانها كانت في موقع المنتصر، المدعوم بوهم القوة، والعالم الغربي، والولايات المتحدة علي وجه الخصوص.
ايام وتواريخ عديدة، يتذكرها العرب والمسلمون بحزن وغضب، لانها حملت نكسات، وأرخت لهزائم، مثل وعد بلفور، ونكبة فلسطين، وهزيمة حزيران (يونيو)، ولكن اليوم سيكون يوماً مختلفاً، يستحق الاحتفال، واظهار كل مظاهر الفرح والابتهاج، لانه يوم انتصار المقاومة، وهزيمة مشروع اسرائيلي ـ امريكي، كان سيؤدي لو نجح، الي ازالة آخر قلعة مقاومة في المنطقة العربية.
قرار وقف اطلاق النار الذي سيدخل حيز التطبيق اليوم جاء انقاذاً لاسرائيل، ومؤسستها العسكرية، وما تبقي من هيبة جيشها، ولو كان غير ذلك، اي لمصلحة لبنان واستقراره، وحقن دماء شعبه، لكان مصيره مثل كل القرارات الاخري التي يزيد عددها عن 65 قراراً علي الاقل.
الشعب اللبناني الذي اظهر كل انواع المسؤولية والانضباط في لحظات العدوان العصيبة، والتف حول مقاومته، واكد للمرة الالف وطنيته المتميزة، سيعيد بناء ما تدمر، وسيخرج من وسط الركام قوياً متحدياً، ولكن هذا لن يكون حال الشعب الاسرائيلي الذي ايد، بغالبيته الساحقة، الهجوم علي لبنان، ولم يحقق له جيشه ايا من النتائج التي كان يرنو اليها.
ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي وعد مستوطنيه بالقضاء علي حزب الله، وشل قدراته العسكرية والسياسية، ومنع اطلاق الصواريخ بشكل نهائي، والافراج عن الجنديين الاسرائيليين الأسيرين، وخلق منطقة آمنة خالية من المقاومة الاسلامية وصواريخها تمتد حتي نهر الليطاني، واغتيال السيد حسن نصر الله، ولكنه لم يف بأي من هذه الوعود. فحزب الله خرج من هذه الحرب منتصراً واكثر قوة، وباتت شعبيته ليست محصورة في لبنان، بل امتدت الي مختلف انحاء العالمين العربي والاسلامي، واثبت قدرة عسكرية فائقة في الوصول الي اهدافه ومفاجأة عدوه، والاكثر من هذا وذاك، الحق باسرائيل خسائر مادية وبشرية لم تلحقه بها الحروب العربية الرسمية مجتمعة.
صحيح ان القوات الاسرائيلية، وبعد قصف مكثّف، وانزال بري غير مسبوق، استطاعت ان تحتل بعض الجيوب والثغرات في جنوب لبنان، ولكن بقاءها فيها سيكون مشكلة، وانسحابها منها سيكون مشكلة اكبر.
فالبقاء في هذه الجيوب يصب في مصلحة حزب الله واحتفاظه بسلاحه، واستمراره كحركة مقاومة لتحرير هذه الاراضي المحتلة، وهو قادر فعلاً علي ذلك، مثلما حرر الحزام الامني واعاده الي السيادة اللبنانية، واجبر القوات الاسرائيلية علي الانسحاب من طرف واحد في عام الفين. اما الانسحاب فيعني ان كل الخسائر التي تكبدتها اسرائيل في جنودها ودباباتها، اثناء الحرب البرية قد ذهبت هباء، علاوة علي كونها لم تكن مبررة.
اسرائيل، وحالما تتوقف غارات طائراتها الحربية علي لبنان، وتتوقف عملياتها التدميرية للبني التحتية، ستشهد زلزالاً داخلياً، وستواجه اياماً عصيبة، حيث ستبدأ عملية المحاسبة للسياسيين وللعسكريين علي حد سواء، الذين اقدموا علي هذه المغامرة دون ان يحسبوا عواقبها، ودون ان يملكوا المعلومات الاستخبارية الصحيحة عن قدرة الخصم، العسكرية والسياسية، وردود الفعل اللبنانية المحلية اولاً، والعربية الشعبية ثانياً.
فهذا الخطأ الكبير في التقييم الحق ضرراً بالغاً بحلفاء اسرائيل، في الولايات المتحدة وبريطانيا، مثلما اوقع انظمة عربية رسمية ايدت العدوان، ووفرت له الغطاء الشرعي، في حرج كبير امام شعوبها، عندما اعتقدت ان اسرائيل ستخرج منتصرة، وفي زمن قياسي من هذه الحرب، مثلما فعلت في كل حروبها السابقة.
ايهود اولمرت وحزبه كاديما ربما يكون اول ضحايا الزلزال الذي ضرب الدولة العبرية هذه، وكذلك قادة المؤسسة العسكرية، فالرأي العام الاسرائيلي الذي كان ينام مطمئناً الي قدرة جيشه وتفوقه، ويضع ثقته بعمليته السياسية الديمقراطية وافرازاتها لقادة اقوياء، بات في حال من الارتباك والخوف علي مستقبله غير مسبوقة منذ قيام كيانه علي حساب شعب عربي، وبتواطؤ غربي، قبل ستين عاماً.
الاثر النفسي لهذه الهزيمة الاسرائيلية ربما يكون هو الاعمق والاكثر خطورة بالنسبة لآباء المشروع الصهيوني، والداعمين له، في فلسطين المحتلة والخارج. ولن يكون مستغرباً او مفاجئاً اذا ما شاهدنا انعكاس ذلك، في هجرة اسرائيلية معاكسة.
فالعامل الاساسي الذي قامت عليه الدولة العبرية، وهو توفير الامن لليهود، من خلال جيش قوي، قد تعرض لهزة كبيرة بعد العدوان علي لبنان وتداعياته، سبقتها هزة، ولكن بدرجة اقل، تمثلت في العمليات الاستشهادية ونجاح المقاومة الفلسطينية في تطوير صواريخ، وان كانت بدائية، تصل الي العمق الاسرائيلي وتعطي ثمارها النفسية.
العالم اليوم بات يدرك ان اسرائيل باتت تشكل عبئاً امنياً واخلاقياً كبيراً علي كتفيه بات من الصعب تحمله، لان هذه الدولة، بممارساتها العدوانية، وارهاب الدولة علي وجه الخصوص، اصبحت المشجع والداعم الاكبر للتطرف الذي بات يترجم الي ارهاب، يهدد الامن والاستقرار العالميين. ولهذا ربما يؤدي العدوان الاسرائيلي علي لبنان، والنتيجة التي انتهي اليها، اي كسر هيبة المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، الي تهيئة الميدان لإعادة احياء عملية السلام، ولكن علي اسس جديدة، اكثر عدالة، واكثر ترجمة للوقائع الجديدة علي الارض.
بقي ان نحذر من ان المهزومين في هذه الحرب، وخاصة الولايات المتحدة واسرائيل، قد لا يكون من السهل عليهم تقبل هذه الهزيمة، ولعق جراحهم بهدوء، وعلمتنا التجارب، وخاصة في لبنان، انهم ليسوا كذلك، وقد يلجأون الي الانتقام من لبنان وشعبه بطريقة اخري، اي محاولة احياء ثقافة الميليشيات واشعال فتيل الحرب الاهلية.
ويظل اليوم، يوم احتفال كبير، وفرحة غير مسبوقة، فلأول مرة سيرقص ابناء لبنان، ومن خلفهم العرب والمسلمون جميعاً، علي انقاض دبابات الميركافا المحطمة في ملحمة الصمود والمواجهة المقدسة، التي استمرت حتي الساعات الاولي من الفجر في ارض الجنوب اللبناني العظيم.