قراءة في الانقسامات الداخلية وفرص استغلال المتغيرات الإقليمية لتسويق الحسم العسكري
بقلم/ سيف الحاضري
نشر منذ: 4 ساعات و 23 دقيقة
الأحد 20 أكتوبر-تشرين الأول 2024 06:58 م
 

سأتحدث عن ملامح رؤية سياسية منهجية بواقعية، بعيدًا عن الخطاب الانفعالي، محاكيةً واقع الشرعية الداخلي المفكك وغياب مشاريع المعالجة، وكيف انعكس ذلك سلبًا على مسار الحل العسكري والسياسي لصالح مليشيات الحوثي. سأناقش ما يجب التحدث عنه والإجابة عليه بشفافية وواقعية، والبحث عن أسبابه، وسأبدأ بالإجابة عن السؤال التالي: لماذا فضّل التحالف العربي والمجتمع الدولي الحل السلمي في اليمن عبر الحوار حتى لو كانت نتيجته لصالح مليشيات الحوثي والنفوذ الإيراني؟

الواقع يؤكد أن التحالف العربي أصبح أكثر حماسًا من أي وقت مضى، وكذلك المجتمع الدولي متمسك بخيار الحل السلمي، الذي يبقي على مكاسب مليشيات الحوثي العسكرية والسياسية كواقع مسلم به إذا ما تمكنت الجهود الدولية من تحقيق اختراق للموانع الجيوسياسية التي فرضتها المتغيرات الدولية. كما أن الحرب على غزة، وتدخل محور إيران، واندلاع حرب البواخر والصواريخ الإيرانية التي استهدفت تل أبيب بالفيتو الأمريكي، قد أعادت إحياء مسار الحل السلمي. فإذا نجحت هذه الجهود، ستكون الشرعية قد خسرت آخر الفرص لإعادة خيار الحسم العسكري إلى طاولة النقاش مع التحالف والمجتمع الدولي.

الواقعية ومنطق السياسة يقولان إن المتغيرات الجارية في المنطقة، وحالة الحرب، والمخاوف من اندلاع حرب إقليمية واتساع رقعة صراع النفوذ بين إيران وإسرائيل، وحرب إسرائيل على غزة، تصب كلها في صالح الشرعية. ومع ذلك، فشلت الشرعية في التعامل مع هذه المتغيرات برؤية سياسية واقتصادية وعسكرية من شأنها أن تحفز التحالف العربي والمجتمع الدولي لإعادة الثقة بالشرعية (رئاسة، حكومة، مؤسسات دستورية، وجيش وطني) بقدرتها على الحسم العسكري.

الحقيقة التي يجب الاعتراف بها، بعيدًا عن تحميل الأطراف الخارجية المسؤولية، هي أن الشرعية اليمنية، بسبب حالة الانقسام بين المكونات المسلحة وغياب الرؤية لإصلاحات سياسية وإدارية واقتصادية فعالة، جعلت المجتمع الدولي والتحالف يتجهان إلى تفضيل الخيار السياسي مع مليشيات الحوثي لإنهاء الحرب في اليمن، رغم مخاطر هذا المسار.

بالعودة إلى السؤال الرئيسي، نجد أن الإجابة تتطلب تناول المحاور التالية:

- أولًا: الانقسامات الداخلية في صفوف الشرعية

الانقسامات بين المكونات المسلحة على المستوى الجغرافي، وحالة عدم الاستقرار، والنزاعات المسلحة بين مكونات مثل الانتقالي والجيش الوطني التابع للشرعية، وعدم استقرار الحكومة ومؤسسات الدولة، وتباين الرؤى بين المكونات السياسية، إضافة إلى الصراع الخفي داخل الشرعية على مستوى الرئاسة والحكومة والكيانات السياسية، كل ذلك جعل الشرعية اليمنية غير قادرة على توحيد كياناتها السياسية والعسكرية، وبالتالي غير قادرة على حسم المعركة مع مليشيات الحوثي عسكريًا.

قد يقول البعض إن هذه الانقسامات ناتجة عن تدخلات خارجية، وخاصة من التحالف الذي أنشأ ورعى مكونات مسلحة عمقت حالة الانقسام داخل الشرعية. وهذا صحيح. ولكن الأكثر صحة وواقعية هو أن التحالف لم يكن ليحقق هذا الاختراق لولا قبول الشرعية الغارقة في صراعاتها الداخلية، مما سمح بإنشاء تلك المكونات المسلحة التي باتت اليوم بحالة الانقسام المسلح عائقًا أمام خيار الحسم العسكري.

- ثانيًا: إطالة أمد الحرب

مهما كانت رؤيتنا السلبية تجاه سياسة السعودية في اليمن، فإن الواقع يؤكد أن إطالة أمد الحرب يمثل ضغطًا على الرياض. المجتمع الدولي أيضًا معني بإنهاء الحرب، والسعودية تجد نفسها معنية بإنهاء ملف الحرب في اليمن. الشرعية، بما تحمله من انقسامات مسلحة وفشل سياسي واقتصادي وإداري وشتات في الرؤى، جعلتها في نظر المجتمع الدولي والتحالف غير مؤهلة لتكون اللاعب الرئيسي في إنهاء ملف الحرب.

- ثالثًا: علاقة الشرعية والتحالف

طلبت الشرعية اليمنية من التحالف التدخل في اليمن لأسباب وجيهة، منها إنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، واستعادة مؤسسات الدولة، وتحرير العاصمة صنعاء. لكن غياب الرؤية السياسية لدى الشرعية منذ الساعات الأولى لتدخل التحالف حوّل اليمن إلى ساحة مفتوحة على جميع المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية، مما أغرى أطرافًا في التحالف بإنشاء مكونات مسلحة لتوسيع رقعة نفوذها على الأرض على حساب الشرعية، وهو ما أدى إلى إضعافها.

- رابعًا: التسويق السياسي للمكونات المسلحة

اتجهت المكونات المسلحة إلى تسويق نفسها سياسيًا من خلال إنشاء مكاتب سياسية لتمثيلها أمام التحالف والمجتمع الدولي، باعتبارها مكونات لا يمكن تجاهلها بحكم الأرض التي تسيطر عليها بقوة السلاح. هذا التسويق السياسي زاد من قناعة المجتمع الدولي بتمسكه بخيار الحل السلمي لإنهاء الحرب.

- خامسًا: الفساد المالي والإداري

الفساد المالي في الشرعية أصبح يمثل مشكلة حقيقية وعائقًا أمام حسم المعركة مع مليشيات الحوثي، حيث يؤدي إلى إهدار موارد الحكومة في مواجهة تحديات الوضع الاقتصادي وتغطية نفقات الحرب. الأمر الذي جعل قدرة الحكومة على تغطية نفقات الحرب صعبة جدًا، ما أدى إلى اعتمادها على السعودية ودول التحالف في تغطية هذه النفقات.

- سادسًا: التقارب السعودي الإيراني

التقارب السعودي الإيراني، الذي رعته الصين، انعكس سلبًا على ملف الخيار العسكري. السعودية اعتقدت أن هذا التقارب سيحقق لها الأمن والاستقرار في اليمن بشكل مؤقت، لكنها تجد نفسها اليوم أمام نتيجة صفرية.

- سابعًا: الفشل والانقسام الدبلوماسي

العمل الدبلوماسي كان من المفترض أن يكون أحد المسارات الفاعلة لدعم المعركة مع مليشيات الحوثي، والحفاظ على الدعم الدولي سياسيًا وعسكريًا. لكن الدبلوماسية اليمنية فشلت في أداء مهمتها، وتحولت إلى دائرة استقطاب وصراع نفوذ، مما أثر سلبًا على مسار المعركة.

- ثامنًا: ضعف إدارة الموارد العسكرية والسياسية

إن غياب الإدارة الفعالة للموارد العسكرية والسياسية كان له تأثير مباشر على فشل الشرعية في تعزيز موقفها على الأرض. عدم القدرة على استغلال القوات الموجودة بشكل منسق ومتكامل أدى إلى تراجع قدرتها على تحقيق تقدم ملموس ضد مليشيات الحوثي. كما أن الاعتماد الكبير على التحالف العربي دون تطوير آليات مستقلة لتنسيق العمليات والتخطيط المستقبلي جعل الشرعية في وضع أكثر ضعفًا، ويمكن إيجاز ذلك في التالي:

1. الموارد العسكرية:

سوء تنظيم القوات: عدم وجود هيكل تنظيمي واضح يضم جميع المكونات العسكرية أو عدم وجود قيادة موحدة تضمن استخدام القوات المسلحة بشكل منسق وفعّال في إدارة المعركة في جميع الجبهات.

توزيع غير فعّال وغير عادل للموارد: عدم إدارة وتوزيع الأسلحة، والذخائر، والإمدادات اللوجستية بشكل صحيح وفقًا لمتطلبات المعركة حيث تكون الحاجة، وما تم خلال سنوات القتال كان خلاف ذلك، حيث كانت الموارد العسكرية تتركز في أماكن لا تحتاجها وتنعدم في أماكن بأمس الحاجة لها.

الفساد وسوء الإدارة: إهدار الموارد المالية والعسكرية، أو استخدامها لأغراض لا تخدم المعركة أو غير عسكرية، كما هو الحال في سوء استخدام المكونات المسلحة في الجنوب لمواردها العسكرية بعيدًا عن الأهداف الخارجية الداعمة لسوء تلك الإدارة.

2. الموارد السياسية:

فشل في بناء التحالفات الداخلية وفقًا لمتطلبات المعركة وعدم القدرة على استثمار العلاقات الخارجية، سواء مع الحلفاء الإقليميين أو الدوليين، لدعم الأهداف الوطنية التي تخدم المعركة.

سوء التواصل السياسي للقادة السياسيين في توصيل رسائل فعّالة للرأي العام الداخلي أو الخارجي، مما أدى إلى ضعف الإحباط في الأوساط المحلية وتراجع التأييد والدعم الخارجي.

عدم القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية: القرارات السياسية غير المدروسة أو المتناقضة التي تؤدي إلى تفويت فرص أو تصعيد الصراعات المحلية، كما حدث في الجنوب.

الفساد وسوء الإدارة السياسية: تداخل المصالح الشخصية أو الحزبية مع المصالح الوطنية، مما يعوق تنفيذ السياسات بفعالية، وتعتبر هذه من أبرز المعضلات التي تواجه الشرعية.

- تاسعًا: غياب رؤية اقتصادية واضحة

إلى جانب الفساد المالي والإداري الذي تمت الإشارة إليه سابقًا، فإن غياب رؤية اقتصادية واضحة لتعافي البلاد قد جعل المجتمع الدولي ينظر إلى الشرعية كحكومة غير قادرة على تحقيق استقرار اقتصادي في المستقبل. عدم التركيز على إعادة بناء الاقتصاد وعدم إيجاد حلول لتحفيز التنمية في المناطق المحررة مثل العمل على إيجاد حلول لإعادة تصدير النفط وضبط موارد الدولة التي تستولي عليها مكونات مسلحة، كل ذلك ساهم في تعزيز الشكوك حول قدرة الشرعية على إدارة البلاد بعد انتهاء الحرب.

- عاشرًا: ضعف الإعلام السياسي

الإعلام السياسي هو أحد الأدوات الرئيسية في تعزيز الشرعية وكسب تأييد غالبية الجماهير في الداخل والمجتمع الدولي. إلا أن الشرعية اليمنية فشلت في استغلال الإعلام بشكل فعال لتوضيح أهدافها ونجاحاتها، ما أدى إلى شبه انعدام تأثيرها على الرأي العام الإقليمي والدولي. في المقابل، تمكنت إيران ومليشيات الحوثي من استغلال الإعلام وتوجيهه لصالحها، مما عزز من موقفها في المفاوضات الجارية في مسقط.

- الاستنتاجات:

1. إعادة النظر في الإصلاحات الداخلية: الشرعية بحاجة ماسة لإصلاحات سياسية وعسكرية داخلية تعزز من وحدتها وقدرتها على إدارة الحرب والسلم، وذلك هدفًا ملحًا يجب تحقيقه، لكون ذلك يعيد تحفيز التحالف والمجتمع الدولي لإعادة الثقة بمسار الحسم العسكري.

2. تحفيز التحالف العربي: على الشرعية أن تستغل المتغيرات الدولية والإقليمية، مثل تصاعد النفوذ الإيراني، لإقناع التحالف بإعادة تفعيل المسار العسكري. هذا يتطلب رؤية استراتيجية متكاملة تشمل إصلاحات داخلية وخطة واضحة لإدارة المعركة، وعلى الشرعية ومكوناتها الاستفادة من أخطاء السنوات الماضية. يجب عليها إعادة تقييم أدوات وقنوات التواصل مع التحالف العربي والمجتمع الدولي والعمل على جعلها حصرًا على القنوات الرسمية.

3. الدور السعودي والإقليمي: يمكن للسعودية أن تلعب دورًا رئيسيًا في إعادة تفعيل المسار العسكري، بشرط أن تثبت الشرعية قدرتها على قيادة المعركة وسرعة الحسم من خلال إعداد الخطط اللازمة وتجاوز حالة الانقسام العسكري والسياسي. يجب بناء رؤية مشتركة مع السعودية وباقي دول التحالف، مبنية على شراكة حقيقية لإدارة المعركة وتحقيق أهدافها.

4. الدبلوماسية الفعالة: إصلاح الجهاز الدبلوماسي يمكن أن يكون وسيلة لاستعادة الدعم الدولي وتحفيز المجتمع الدولي لدعم خيار الحسم العسكري ضد الحوثيين.

هذه القراءة السياسية المتواضعة تطرقت إلى جزء بسيط من الإصلاحات التي تتطلب العمل على عدة مستويات؛ داخليًا عبر الإصلاحات، وخارجيًا عبر التحفيز على دعم الحل العسكري كوسيلة لإنهاء الحرب في اليمن بطريقة تضمن مصالح جميع الأطراف الداخلية وتحفظ مصالح التحالف والمجتمع الدولي.

• الخلاصة:

نجد أن جميع مكونات الشرعية أمام مسؤولية وطنية لإعادة ترتيب البيت الداخلي وسرعة اتخاذ قرارات جوهرية تتجاوز الذات ومصالحها برؤية وطنية متجردة، لتحقيق الهدف الاستراتيجي للجميع: هزيمة مليشيات الحوثي الإيرانية.