حروب قعطبة إلى جبال مران..التاريخ العسكري قد يكرر نفسه
بقلم/ علي الجرادي
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 15 يوماً
الثلاثاء 29 يوليو-تموز 2008 06:52 م

 في بداية سبعينات القرن الماضي اندلعت معارك بين شطري اليمن سابقا وتحركت كتائب المتطوعين من شمال الشمال بقيادة الشيخ المرحوم مجاهد أبو شوارب والشيخ فيصل مناع -عافاه الله- من كبار مشائخ اليمن وأبوه من صناع ثورة 48م وأسره الملكيون وتعرض للتعذيب في السعودية أثناء حرب الملكية وحاليا عضو مجلس التضامن الوطني وكان له موقف متصلب من مفاوضات الحدود اليمنية السعودية أسقط على إثرها في انتخابات في مجلس النواب عام 2003م- وصلت القبائل محافظة تعز وأقيم حفل بالمناسبة ألقى فيه الشيخ فيصل مناع خطابا ألهب الحماس، يومها كان الرئيس علي عبدالله صالح قائداً ميدانياً في محافظة تعز، قبل بدء تقدم قوات المتطوعين باتجاه جبهة القتال قام المقدم علي عبدالله صالح بإبلاغ الشيخ مجاهد أبو شوارب -رحمه الله- بأن قوات العاصفة لن تسمح لهم بتحقيق النصر على حساب سمعتها ومكانتها ولحسابات أخرى، لكن أبو شوارب رفض التراجع والإنصات لمعلومات صديقه لاعتبارات تتصل بالشجاعة والشرف ومواجهة الموت واقفا حتى لو كانت الطعنة من الخلف، وما إن بدأت قوات المتطوعين بالتقدم حتى سقط عدد من المشائخ ورجالهم قتلى بنيران صديقة!!

هذه الواقعة المشهودة ليست نادرة في التاريخ العسكري اليمني ففي الحروب الخمس في محافظة صعدة تكررت وبصور مختلفة، ففي منطقة قارة المطلة استراتيجيا على منطقتي النقعة ومطرة ما إن يسيطر عليها الجيش حتى تأتي أوامر حاسمة من صنعاء بإخلائها وفي كل مرة يدفع الجيش ثمنا باهظا لاستردادها أو يترك الجيش فيها دون إمدادات حتى يضطروا لتركها مجبرين ومخلفين وراءهم عتادهم الثقيل، وعدد كبير من الذين تم تجنيدهم لا يتم اعتمادهم ماليا مما دفعهم لمظاهرات في مدينة صعدة أو قطع الطرقات.

وتطورت مؤخرا في محافظة الحديدة إلى أعمال شغب. بمجرد إعلان الرئيس وقف الحرب في صعدة -قرار شجاع يحتاج إلى حزمه من المعالجات لاستتباب الأمن الشامل لجميع الأطراف- فما إن هدأت الطلقات في صعدة حتى سمع دوي رصاصات من نوع آخر في صنعاء، إنها طلقات سياسية من أجنحة ضد أخرى في الحكم!!

الخلافات المكتومة بين أجنحة الحكم والتي ظهرت في مسرح القتال بقرارات متضاربة بدت أكثر بروزا مع أول يوم من انتهاء الحرب بدون رصاصات حية!!

تم تصدير أخبار عن فرض الإقامة الجبرية لعلي محسن كمزحة ثقيلة تبادلها الطرفان ثم تعزيز المزحة بنفي من مصدر في اللجنة الأمنية العليا، وكأنها إعلان رسمي بميدان الصراع من نوع جديد!!

علي محسن كقائد ميداني صلب ومتجذر اجتماعيا ألقي به في "حقل ألغام" وكان يجب عليه أن يواجه جهات متعددة ويخوض أكثر من حرب وأكثر من جبهة وأكثر من قرار في آن واحد.

كان الهدف واضحا، تسليم الراية وإعلان الفشل ومن ثم مواجهة مصير الجنرالات المتقاعدين العائدين من "فيتنام" ليتفرغ لكتابة مذكراته!! الرجل محظوظ ويستند إلى مران طويل وشاق في تجارب سابقة مكنته من الصبر على جراح مُثخِنة!!

العقيد أحمد علي عبدالله صالح قائد الحرس والقوات الخاصة هو الآخر واجه اختبارا محدودا من الناحية الجغرافية في بني حشيش على مشارف صنعاء تمكن خلال 64 يوماً بتضحيات غير متوقعة من تحقيق نصر لا نهائي ربما هذه التجربة تقوده للإجابة عن تساؤلات سابقة حول إمكانية الحسم النهائي في محافظة صعدة ذات المسرح الجغرافي الشاسع وتقاطع المصالح الداخلية والإقليمية وتجلت مفارقة هذه التقاطعات بأحد الوسطاء يفتح الطريق لإنهاء الحرب ويرسل في نفس اللحظة شاحنة محملة بأنواع الأسلحة والذخائر تم القبض عليها في مداخل صعدة!!

سيكون من المفيد لنظام الحكم وللوطن أيضا أن يتم ترميم البيت الداخلي وترتيب المصالح وتوزيعها بطريقة عادلة.

ذلك سيكون أدعى للطمأنينة بالنسبة لنا كمواطنين وسيخفف شعورنا بالقلق عند كل سوء فهم في الداخل!!

عليكم إزجاء التحية الحارة لأحزاب المعارضة وكل المقصيين عن دائرة المصالح في طول البلاد وعرضها كونها لا تسأل مجرد السؤال سواء في بيان أو تصريح صحفي عن مدى توافق موقع القيادات العسكرية والأمنية مع قانون الجيش ومدى تمثيله للمعيار الوطني، أو عن الحصص الجغرافية للكليات العسكرية والمنح في دول العالم فضلا عن صفقات الأسلحة أو توكيلات النفط والغاز والمقاولات والمشاريع الميدانية!!

في يوم 17 يوليو كمناسبة للاحتفال بـ 30 عاما على تولي الرئيس للحكم كان العميد مهدي مقولة قائد المحور العسكري الجنوبي يشيد بالاهتمام والرعاية التي يوليها فخامة الرئيس بالجيش والروح المعنوية العالية ومثل هذه المناسبات والمتحدثين فيها تقود الرأي العام للتساؤل عن حقيقة التمثيل الوطني في المراكز المؤثرة عسكريا وأمنيا وماليا.

إعلان وقف حرب صعدة يجب أن يتسم بالشفافية ويجب أيضا أن لا تندلع حرب أخرى في مكان آخر كميدان للإنهاك وحلبة للصراع بدماء وأموال اليمنيين!!

فلن يكون بمقدور اليمنيين في كل مرة إيصال وضعهم الإنساني إلى الأمم المتحدة للتدخل في إيقاف الحرب وإن حدث ذلك فسيكون بكلفة باهظة!

وما يزال الغموض الذي يحتاج إلى تفسير هو ذلك التناغم المحير بين إيقاف حرب صعدة ودوي انفجارات إرهابية وآثمة وبشعة وعبثية في سيئون لدرجة يخيل للمرء أنه أمام "ريموت كنترول" للحروب والأزمات اليمنية.

إنني أخشى لدرجة الرعب أن يكون هناك في اليمن من هو فقط معني بإشعال الحروب وليس هناك من هو معني بإطفاء الفتيل!!.

ــــ

نقلاً عن اسبوعية الاهالي