|
لله سنن ثابتة في الكون لا تتغير ولا تتبدل إلا وفق مشيئته سبحانه .. ومنها سنة التدافع بين الحق والباطل .. الصراع بين الخير والشر .. وعلى مر العصور وتقلب الزمان نلمح تشابها وتماثلا لأطراف الصراع والمواجهات ولكل طرف شبيهه وقدوته التي بتمثلها ويسير على خطاها ونهجها .. وفي قصة موسى عليه السلام وفرعون وقومهما في كتاب الله الكريم يتضح هذا التشابه لأمثالهم في عصرنا الحاضر :
1 ـ الطغاة وفرعون 2 ـ الشعوب وبني إسرائيل 3 ـ الدعاة وموسى وهارون .. سلبا وإيجابا .. نفيرا وتثاقلا .. استجابة وعنادا .. وفي ثلاث حلقات وبمقتطفات سريعة سنرى التشابه في المواقف والشخصيات وكأنها تحدث اليوم ـ
( 2 ) الشعوب وبنو إسرائيل
بنو إسرائيل شعب الله المختار كما يحلوا لهم أن يسموا أنفسهم .. لم ينفعهم ذلك اللقب والوسام من التيه والعذاب وتسلط الجبابرة عليهم لما نسوا حظا مما ذكروا به .. لما قالوا سمعنا وعصينا .. لما استحلوا قتل أنبيائهم وتفننوا في الاحتيال على الله .. لما تثاقلوا إلى الأرض ورضوا بالحياة الدنيا .. ويتشابهون مع بعض عينات سلبية من شعوبنا العربية والمسلمة في التصرفات والمنطلقات مع جريان الأحداث ومعترك المواجهات .. يتشابهون في :
1 ـ يتشابهون في عدم المبادرة والإقدام لنيل حقوقهم
حينما وصلوا إلى الأرض المقدسة هابوا دخولها مسبقا قبل أن يتيقنوا من قوة من فيها وطلبوا الحل السهل خروج الجبارين ليدخلوها .. قال تعالى في قصتهم : (( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون )) وبرغم الحوار اللازم للإقناع يأتي الرد قويا في التثاقل (( فاذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ))
وكيف يخرج منها الجبارون بدون جهاد وقتال .. كيف يهزم الطغاة بدون بذل جهد ودم .. وإلا فلم قتل حمزة ومصعب وأسيد ولم بذلت الجزائر مليون شهيد ولم استشهد البنا وسيد قطب ولم ألوف الرجال يئن من قوة جلودها الحديد ؟
ـ هذا هو بكل شفافية حال غالب شعوبنا اليوم يريدون من يحارب بالنيابة عنهم لينالوا حريتهم واستقرارهم .. هم دائما منتظرون متفرجون يريدون من غيرهم تحقيق الحرية والخير لهم.. حينما نناقشهم أن هلموا إلينا في نضال سلمي فقط ترى أعينهم تدور في محاجرها ويرددون بكل بساطة اذهبوا انتم وغيروا الوضع الفاسد ونحن ننتظركم هنا وتحاول إقناعهم بعمق القضية وجدوى الضغط على الطغاة ولكن لا حياة لمن تنادي .. لا يريدون بذل أدنى جهد لإخراج حاكم ظالم من كرسيه أو إجباره على تصحيح أوضاع فاقت الخيال في منكرها وفسادها .. ولسانهم لسان بني إسرائيل : إن يتنازل أو يخرج منها فإننا لحكمه كارهون وأما ما دام فيها فمن تزوج أمنا هتفنا له : عشت يا عمنا
2 ـ يتشابهون في اللف والدوران والنقاش العقيم
ـ أمرهم موسى ( عليه الصلاة والسلام ) أن يذبحوا بقرة .. فتفننوا في اللف والدوران وصياغة السؤال بغرض التمييع للقضية الأساس والمماطلة في إتباع الحق .. ما هي ؟! ومع الإجابة يظهر سؤال هامشي ما لونها ؟! وبعد الإجابة يتكون سؤال استخفافي إن البقر تشابه علينا .. ولو ذبحوا أي بقرة ابتداء لكانت كافية .. ولكن مع التثاقل يأتي التشديد ومع عدم الاستجابة الفورية يكون العسر وبدون حركة استباقية ذاتية يتأخر كثيرا عن الأمة النصر
ـ واليوم تجدهم في المجالس والمكاتب في الطرقات والسيارات يتناقشون بحدة وقوة في مواضيع متنوعة وكلها تحوم حول الحمى .. وحينما تحاورهم يبدأ التفنن في الجدال واستعراض الأعذار والعقبات .. أما ترون الفساد .. بلى ولكن ما هو البديل ؟! أما ضاق بكم الحال ؟ أكيد بس أين نذهب .. ويظلون في دائرة الكلام والجدل لا ينتقلون لمجال العمل .. ويتحول الحوار إلى لون الغد وما هو ؟ ومن هم ؟ والنتيجة النهائية الرضا بالموجود والاستسلام بلا حدود !
3 ـ تشابه في اليأس والقنوط والخذلان
ـ حينما خرج موسى بقومه فارا من فرعون الطاغية والذي تتبع أثرهم مطاردا لهم واقترب حتى صار ماثلا للعيان اخذ الوهن والقلق طريقه إلى قلوبهم فبدأوا في الشك والقنوط والخوف من عقاب فرعون وربما الندم على خروجهم قال تعالى على لسانهم (( انا لمدركون )) ـ ولما تقابل أحفادهم مع جالوت قالوا :( لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده)
واليوم شعوبنا هكذا للأسف الشديد ركبها اليأس والاستسلام مع من يسومها العذاب ليلا ونهارا وبرغم المعاناة وسوء الأوضاع إلا انك تجد غالبهم يتخوف من غده متناسيا ألم يومه .. يرضى بالوضع الراهن على ما فيه من المذلة والمهانة .. لا يوجد لديه أمل أو ثقة في التغيير .. يتعامل مع كل حركة تغييرية بالخذلان وتصعيب الأمور .. لا طاقة لنا بهم .. معهم الجيوش والسلاح .. خلينا في حالنا .. وتستمر حياة القهر بلا عزة ولا فخر
4 ـ يشابهون في تحميل طلاب التغيير أسباب مصائبهم
حينما أشتد عليهم التضييق وبرغم علمهم أن سببه جبروت فرعون إلا أنهم أرجعوا سبب ألامهم وشقائهم إلى موسى .. لكونهم لا يستطيعون النيل من فرعون القوي الجبار فلا مانع أن ينفسوا عن ضيقهم في موسى وأخيه .. ونسوا ما يصنع بهم الطاغية كل يوم وليلة .. قال تعالى : (( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا )) أي ببساطة ليس منك فائدة لنا يا موسى ولا خير فيما جئتنا به .. فالعذاب واقع بنا بل هو اشد علينا مما سبق ..
وهذا لسان حال كثير من الناس اليوم يرد مستهزأ على طلاب التغيير ما رأينا منكم خيرا ولا فائدة إلا زيادة في الظلم والبطالة والفساد .. تجد أبسطهم يحملك سبب تخلف البلاد وسبب ارتفاع الأسعار وسبب قطع الطرقات وسبب تسلط الفاسدين لأنه لولا معارضتك لما غضب الحاكم علينا .. فالإصلاح سبب كل فساد في اليمن !! وحماس المجاهدة سبب ضرب إسرائيل للعزل الفلسطينيين .. أي عقلية انهزامية تتحكم فيهم .. هلا كلمة حق نطقتموها أيها الناس !!
5ـ يتشابهون في سرعة التأثير عليهم من المرجفين وإتباع كل ناعق
ذهب موسى للقاء ربه وخلف على قومه أخاه هارون فجاءهم السامري بعجل صنعه من الحلي المذاب له صوت بفعل حركة الرياح وقال لهم هذا آله موسى فصدقوا مقولته دون تفكير وعبدوه دون تأخير قال تعالى : \\\" فاخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا ألهكم وآله موسى فنسي أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا و يملك لهم ضرا ولا نفعا \\\"
وهم كذلك يتشابهون في سرعة الميل إلى الباطل برغم علمهم بزيفه وضلاله فحينما خرجوا من اليم وجدوا قوما يعبدون أصناما لهم فطلبوا من موسى مثل ذلك .. قال تعالى : \\\" وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون \\\" ما أسرع تقلبهم وزيف مبدأهم .
ـ وهكذا غالب شعوبنا ما أسرع ما يسيرون وراء كل صوت ناعق وينضوون تحت كل راية معلقة ..بدون تفكير أو استفسار .. بدون تمهل وانتظار .. يعلمون ظلم الحاكم وما هم فيه من النصب جراء قوانينه وفساد زبانيته من حوله ولكنهم إذا جاء وقت الانتخابات وأخرج لهم عجلا مصنوعا من المال وزيف الآمال عجلا له خوار من الكذب الإعلامي كانوا له أعوانا ومؤيدين وفرحوا حينها بما يوزعه عليهم من هبات .. ليست من ماله ولا من مال أبيه وإنما هي من بيت مال الأمة ومخصصات المساكين .. متناسين أنهم سيدفعون أضعافه في المستقبل القريب بجرع تقصم الظهور والعجيب أنهم قبلها كانوا يتذمرون منه ويصرخون من فساد حكوماته فلما جاءتهم الفرصة مالوا إليه وناصروه !!
6 ـ يتشابهون في اختيارهم للسيئ مقابل تفريطهم في الحسن
أنزل الله عليهم المن والسلوى مكرمة منه وفضلا وظللهم بالغمام أينما ساروا فأبت نفوسهم التي جبلت على طلب الثرى بدلا من الثريا إلا أن تقول لموسى ادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من غذائها . قال تعالى :\\\" وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم \\\"
ـ وهكذا اليوم يختارون الخبيث على الطيب ويفضلون القبيح على الحسن وهم يعلمون والله أن هذا خير من ذاك فتراهم يدخنون بشراهة وهم يعلمون مضارها ويمضغون القات وهم يعلمون سوء منبته وأثاره على أسرهم وأوقاتهم .. الرجل منهم يصرف ألوفا على تلك الخبائث وينسى أهله من فاكهة طيبة ولذيذ الشراب .. وكل رجل تناقشه يؤكد عدم نفعها وشدة ضررها .. فلماذا لا يتركها ويعزم على هجرها .. وقس على ذلك في أمور أخرى عديدة
ـ وأما في السياسة فقد تم سن قانون التفريط قديما : جني تعرفه خير من أنسي ما تعرفوش .. والحق يقال كان الاختيار غير موفق والموازنة خاطئة فالجني يبقى جنيا وخاصة بعد ثبوت عدم اقترابه من منهاج الجن العادلين في أداء مهامهم .. ويبقى احتمال صلاح الإنسي قائما لمن أراد اختياره .. وعلى نفس المنوال سار كثير من الشعوب في الاختيار السياسي .. فسبحان من ألهم كل نفس فجورها وتقواها ..
في الثلاثاء 21 ديسمبر-كانون الأول 2010 04:20:25 م