لنكن صادقين. . .ما الذي تغير؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 18 يوماً
الأربعاء 30 يناير-كانون الثاني 2013 04:36 م

لست من المراهنين على إن التغيير في اليمن يمكن أن يتم في يوم وليلة ولا حتى في شهر أو شهرين وربما ليس في سنة أو سنتين، فتركة ثلث قرن من الفساد والسلب والنهب وتفكيك المجتمع وتمزيق اللحمة الوطنية والعبث بالموارد وتدمير القيم وإفساد الضمائر، لا يمكن إزالتها بسهولة حتى لو كان كل الذين ساهموا في تنفيذها قد ذهبوا إلى غير رجعة، فما بالنا وجزء كبير منهم ما يزال ممسكا بنصف الحكومة ومعظم مكونات الجهاز التنفيذي والقضائي والمؤسسة الأمنية وأكثر من نصف البرلمان، أقول هذا دون أن يعني ذلك أن كل المحسوبين على هذا الطرف السياسي كلهم على مستوى واحد من صناعة وإنتاج معضلات اليمن المشار إليها أعلاه.

إن هذا لا يعفينا من القول بأن الكثير من الآمال والتطلعات التي كانت معلقة على الثورة الشبابية السلمية قد بدأت تصاب بما يشبه الخيبة، بسبب بطء عجلة التغيير وتنامي عناصر الإعاقة وضعف وتيرة الحركة باتجاه تحقيق أهداف الثورة.

يدرك اليمنيون أن الكثير من أهداف الثورة تتطلب زمنا وإمكانيات ومبادرات خلاقة حتى يمكن تفكيك البنى التي ظلت تمثل المعيق الرئيسي لإحداث التغيير المنشود، وحتى أكثر اليمنيين تفاؤلا يدركون حجم المصاعب التي تعترض طريق الوصول إلى أهداف الثورة، لكن ما لا يمكن تبريره هو تلك السلحفائية التي تسير عليها عملية توطين عوامل الثقة واتخاذ الإجراءات العملية المباشرة التي من شأنها تهيئة الأرضية لاستكمال عملية الانتقال وإجراء خطوات عملية تشعر الناس بأن هناك جديد أتت به الثورة، . . جديد ينعكس على حياة الناس ويلمسونه في ممارستهم لروتين معيشتهم اليومية، ويظل السؤال المشروع الذي يطرحه الكثير من المتابعين للشأن اليمني قائما وهو: ماذا تحقق من الأهداف التي من أجلها أزهقت الأرواح وأريقت الدماء وتعذب المعتقلون وعانى الجرحى والمصابون؟ وبصيغة أخرى هل أن ما تحقق حتى اللحظة يستجيب للآمال والتطلعات والرهانات لدى الشباب والثوار والمواطنين العاديين، بل هل ما تحقق يتناسب مع الزمن الذي مضى على انطلاق الثورة منذ ما يقارب السنتين؟

نحن هنا لا نتحدث عن مشاريع التنمية الشاملة وتحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي، ولا عن تحسين معيشة الناس ولا عن تقديم الخدمات الضرورية، ولا حتى عن استتباب الأمن المفقود على مر التاريخ اليمني، وهي كلها أساسيات قامت الثورة من أجلها، لكننا نتحدث عن بديهيات كان يمكن الشروع فيها منذ اليوم الأول لانتقال السلطة إلى الرئيس الجديد وتشكيل حكومة الوفاق الوطني ومن ذلك على سبيل المثال: إلغاء الازدواجية بين الأجهزة الأمنية والعسكرية وتولي كل جهاز مهماته حتى تزال مبررات الانفلات والاضطرابات الأمنية؛ التوجيه الحاسم بعودة المبعدين العسكريين والمدنيين من ضحايا حرب 1994م وتعويضهم عن خسائر أكثر من عقد ونصف من الحرمان والظلم والتعسف؛ التوجيه بإعادة الممتلكات والمنشآت المنهوبة في الجنوب، وخصوصا تلك التي استولى عليها قياديون معروفون بالإسم وبعضهم ممن أعلنوا الانضمام إلى الثورة لأنه من غير المنطقي أن يكون هناك من يجمع بين الثورية من ناحية والنهب والاغتصاب من ناحية أخرى؛ وأمثلة كثيرة يمكن استعراضها كالبدء بحملة مكافحة الفساد الذي كان أساطينه يحتمون برموز النظام السابق؛ إيقاف سياسة شراء الذمم من خلال المخصصات غير القانونية للمؤسسات الوهمية وعشرات الآلاف من الوظائف الوهمية التي يستولي الفاسدون على النفقات المخصصة لها، كتلك التي كشف عنها في الأمن المركزي، وهي منتشرة في كل الأجهزة الأمنية والعسكرية والتنفيذية والقضائية، المركزية والمحلية. . . .وما إلى ذلك.

إن ما جرى حتى اللحظة هو تغيير الطاقم الحاكم لكن ما لم يتغير هو السياسات التي أديرت بها البلاد على مدى ثلث قرن، وبقاء الآليات والمنهاج كما كانا قبل الثورة وهذه لعمري خديعة كبيرة يمكن أن تجعل الكثير من البسطاء يعتقدون أن الثورة قد نجحت بينما قد تصيب الكثير من الشباب بالإحباط والنكوص وربما خلقت بيئة أخرى للعنف.

إن استمرار إدارة البلاد بنفس العقلية القديمة وبنفس السياسات القديمة وبنفس المنهاج والطرق والأساليب القديمة إنما يفرغ الثورة من معناها ويجعلها أشبه بمن أجرى عملية تجميل للجلد لكن دون التوغل إلى سبب الداء وموطن المرض، أو أشبه بمن غير قائد المركبة لكن مع بقاء المركبة باختلالاتها وعطبها وتصدي أجزاء كبيرة منها وتقادم الماكينة والمحركات وهو ما يعني قابليتها للانهيار في أي لحظة.

المطلوب اليوم تغيير السياسات والآليات التي تدار بها البلاد وليس الاكتفاء بتغيير الأشخاص، وهذا يتأتى من خلال ابتكار نوع جديد من الفكر السياسي، يلبي حاجات التغيير ويلغي وإلى الأبد نهج التسويف والمماطلة والاتكاء على ملل الناس وانتظار الفرج القادم بين كل مشنقة وأخرى ، ويأتي في مقدمة ذلك إزالة المظالم ومحاسبة الفاسدين والمقصرين ومكافأة المبدعين والشرفاء وهي قضايا كلها لا تحتاج إلى حوار وطني ولا إلى تعديلات دستورية أو حتى قانونية فترسانة القوانين والتشريعات التي لدينا كفيلة بمعالجة هذه القضايا وإشعار الناس بأن الثورة التي قاموا بها والتغيير الذي أنتجته قد تمخض عن نتائج ملموسة تنعكس على حياتهم وإلا فإن العملية لن تتجاوز المقولة الصنعانية المعروفة عن تغيير باب الديمة وبقاء الديمة كما كانت.

برقيات:

من يتذكر الجريح بسام الأكحلي ؟ إنه أول جرحى الثورة الشبابية السلمية في صنعاء جرح في شهر فبراير عندما هجمت سيارة تحمل مسلحين على الشباب في المخيم أمام جامعة صنعا، وأصيب في العمود الفقري مما سبب له شلل نصفي جعله مقعدا عاجز عن الحركة حتى اليوم، إنه من العار أن كل الذين وصلوا إلى أعلى المناصب بفضل دماء وجراح أمثال بسام يبخلون على الجرحى بالعلاج في حين تصرف مئات الآلاف وأحيانا الملايين لأعمال أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها تافهة.

* يقول الشاعر العربي العباسي الحبيب بن أوس الطائي أبو تمام:

فَحْواكَ عَـيْنٌ على نَجْوَاكَ يا مَذِلُ       حَتَّامَ اَيَتَقــــضَّى قَوْلُكَ الخَـــطِلُ!؟

وإنَّ أســمجَ من تشــكو إليهِ هوى      من كانَ أحـسنَ شيءٍ عندهُ العذلُ

ما أقـــــــبلتْ أوْجُهُ اللذّاتِ سافرة           مذْ أدبرَتْ باللوى أيامُــــــــــنا الأولُ

إن شئتَ ألا ترى صبراً لمصطبرٍ    فانـــظُرْ على أَي حالٍ أصبَحَ الطَّلَلُ