سندباد اليمني في صعدة
بقلم/ عبدالملك العجري
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 6 أيام
الثلاثاء 13 مارس - آذار 2012 05:57 م
aalejri@gmail.com

سندباد اليمني عاد مؤخرا من رحلته إلى مدينة العجائب "صعدة " عاد وبرفقته "ياسمينة"عاد ليحكي عن المغامرات التي خاضها في رحلته , وكيف عبر الحدود واجتاز المخاطر والأهوال ,عاد ليحكي قصة ملك الجان الذي يحكم العفاريت في بلاد الظلام من مغارته في "مطرة" وكيف يدوخ الجن الأزرق بفانوسه السحري ويخضعهم لإرادة وكلهم" شبيك لبيك عبدك بين أيديك",وحكاية المارد الجبار "ابوعلى" حاكم ضحيان الذي يخضع البلدان , ويمنع النسوان من دخول الدكان ,والخروج للتفرطة في بيوت الجيران ,على نحو ما تفعل طالبان حينما كانت تحكم أفغانستان ,ويحرم الضرب على الأوتار والعزف على الكمنجة والقيثار ,وعن اليهودي الطيب الذي فر بدينه من صعدة واستقر في لندن خوفا من أصولية الجن الأزرق, وحكاية الحوثي "ابوعينين من الخلف "البدوي المتوحش الدموي القاسي عديم الرأفة المزهو ببؤسه ,وملابسه التقليدية المهلهلة وأظافره الخشنة والبقع السوداء والداكنة المتناثرة على خريطة جسمه.

غريب أمرهم ,بين فترة وأخرى نفر من الكتاب وأصحاب المهرة يقوم احدهم بزيارة خاطفة الى صعدة ليخرج علينا بعدها بتقارير مطولة عن( رحلته/مغامرته )يستقيها في اغلبها من وحي مخيلته وبطريقة غرائبية تعجيبية ,بعضها موقعة بأسماء أشخاص سالت من يعنيه الأمر عنها فنفي معرفته بها او بمجيئها الى صعدة ,وظني – وان كان بعض الظن إثم- أن شخصاً ما كتب غير تقرير باسم آخر, وبعض المواقع الإخبارية تعيد نشر التقرير الواحد غير مرة تحت عنوان جديد لتضمن بقائه على صفحتها الرئيسة .والمثير والمستفز في نفس الوقت الطريقة والأسلوب المتبع في تصوير صعدة والحوثيين ,بالتأكيد هذا لا ينسحب على الكل , من أعنيه هنا أولئك النفر من أصحاب المهرة –من دون ذكر أسماء- الذين تفصح نصوص كتاباتهم أنها موجهه سياسياً لتكريس صورة نمطية تلحق الحوثية بعالم الظلام وتصنفها ضمن محور اله الشر "يزدان " في العقيدة الثنوية لزرادشت (كثيرا ما تنعت الحوثية بالمجوسية)ولذا فانه يكتب من وحي مخيلته أكثر مما هو من وحي الواقع ويجتهد أن يضيف إليها الكثير من الفنتازيا, وغالبا هي انطباعات شخصية أكثر مما هي ملاحظات علمية, وتدل على كاتبها أكثر مما تصور الواقع ,والصورة التي تنقلها او تعكسها كتاباتهم لا تحيل مباشرة الى الواقع الموضوعي وإنما إليه كما يعاد إنتاجه داخل وعي الكاتب .

وما قد يكون لها من فائدة أنها قد تساعد في قراءة صورة الحوثية في الوعي الجمعي الذي تمثله والخلفية التي تتحكم في إخراج تلك الصورة على ذلك النحو .

وقراءة نماذج من تلك النصوص تكشف عن نفس عنصري يختفي داخلها ,ونوع من الإحساس بالتفوق والتميز المعرفي وحتى الوجودي في بعض الأحيان, بعض هذا النفر كان يتطرق في حديثة عن حوثيين قابلهم إلى وصف شكله , أظافره,سحنة وجهه , طريقة كلامه, شعره ,انفه,جلسته قعدته ..الخ وكان إنسان صعدة وما حولها يختلف في بعض خصائصه الفيسيولجية الخارجية عن الإنسان اليمني أو كان صاحبنا هبط علينا من السماء او لعله قدم إلينا من بلد "ما بعد رأسمالي" لمشاهدة الإنسان البدائي هنا .

 ولع غير طبيعي لدى هذا النوع من مخاليق الله بالإغراب في الحديث عن صعدة وعن إنسان صعدة البدائي المتخلف الراكن على الغيب المطمأن إلى كلام الكهان والمشعبذين ,بسيط وسطحي ساذج تمر عليه الخرافة بيسر وعادة يستخدمون منظومة من النعوت المتناقضة لا تقبل التركيب مع بعضها فهو مرة شبقي إباحي جبان غادر همجي وأحيانا متدين بتطرف يحرم السماع قاتل دموي متوحش ...

انه ينظر من عين سحرية ساخطة مثبتة على جدار فصل عنصري يقيمها بين "النحن "و"الهم"وينظر اليهم من فوق مع انه غارق في الوحل

أحيانا يخيل لي في حديث هذا النفر كما لو أن ابن بطوطة او ماجلان -الرحالة البرتغالي الشهير- يعتزم القيام برحلة مكوكية حول العالم, أو أن المبشر البريطاني ليفنجستون, او بروس الاسكتلندي هما من يتحدثان عن رحلتهما لاكتشاف مجاهل أفريقيا ومنابع نهر النيل الأزرق ومجاهل نهر الومبيزي والبحيرات الكبيرة في شرق أفريقيا.

**صعدة التاريخ والحاضر**

مه أيها السندباد على رسلك لم كل هذه الزحمة "زحمة مالهاش لزمة"أما قرأت قليلا من التاريخ ؟,صعدة التي تتحدث عنها كما لو انك تتحدث عن "جزر الهند الغربية" قبل ان يكتشفها كولمبس.

 صعدة كانت في يوم الأيام عقل اليمن ومركز إشعاع حضاري وإحدى عواصم الثقافة في العالم الإسلامي ,أغنت اليمن بالمفكرين والعلماء في كل فن ,وأغنت الفكر الإنساني بأطيب ثمار الفكر العقلانية الإسلامية,عندما كان العقل يغتال في بغداد وحواضر العالم الإسلامي في العصر العباسي الثاني التاذ باليمن وصعدة عقلها وعاصمتها الفكرية آنئذ وعندما كانت أبواب الاجتهاد والتجديد تصفد في اغلب أمصار العالم الإسلامي وتحاصر العقل الإسلامي داخل عقول أربعة او أربع قراءات للدين صدر بها فرمان رسمي كان اليمن يمارس التجديد والاجتهاد بأحدث أدواته وتقنياته وتجترح الإبداع إجتراها داخل جغرافيا الثقافة القبلية

ليس بي من مناطقية فقط تذكيرا بحقائق من تاريخ اليمن ووضعها برسم سندبادنا العبقري الذي يبدوا انه قرأ تاريخ اليمن في الكتاب المدرسي لـ"صالح والإصلاح".

وحاضراً صعدة محافظة تتبع الجمهورية اليمنية ,ليست ولاية فارسية ولا إمارة أمامية- كمايقولون -إلا إنها ترفض أن تكون إمارة سعودية .

قاطنيها يمنيون اعرفهم هكذا منذ وعيت صدقوني- ليسوا سلفة من إيران ولا قوم عابري سبيل مجهولي الهوية أخطأت بهم الطريق فأعرسوا بصعدة ,كانوا هنا لأنهم هنا ولدوا ,وولدوا هنا لأنه هنا كن أمهاتهم حين ولدنهم .

صعدة شقية لـ21 من الأخوات, وأخت صنعاء لامها وأبيها تربطها بها علاقة حميمية تاريخية , حدث بينهما بعض جفاء على خلفية ثورة سبتمبر ,لم تستمر صعدة طويلا على رأيها من الثورة والجمهورية إلا أن صنعاء ظلت تتنكر لها وتشك في إخلاصها , والوشاة يسعون لاستمرار حالة الجفاء والنكران بينهما ,كانت صعدة تتغاضى بكبرياء وتتألم في صمت وفي الفترة الأخيرة زاد الوشاة من إيغار صدر صنعاء على صعدة فتصب على الأخيرة نار غلها وجحيم حقدها .

**من معالم صعدة العلم الوطني**

هلكونا بحكاية العلم الوطني الذي اختفي قسرا ولم يعد له وجود وعجبي كيف أخطاته أبصارهم مع انه لا تخطئه العين فالعلم الوطني أصبح من المعالم في صعدة لا ينازعه في ارتفاعه إلا مئذنة جامع الإمام الهادي التاريخي قيل انه قديما كان المسافر يهتدي الى المدينة بمئذنة جامع الهادي إما اليوم فالمسافر وهو لا يزال على مسافة غير يسيرة من المدينة أول ما يتراءى له العلم الوطني يتهادى في جو السماء معلنا" انا يمني " كلف أكثر من خمسة مليون ريال واعد بمقاسات ومواصفات قياسية

كل هذا صنعناه لم يرق لشوفينية سندباد اليمني إذاً ما رأيكم أن نصنع أطول علم في العالم يكون احد طرفيه معقود بصعدة والآخر بصنعاء وكلما أحست صنعاء بارتخاء صعدة أعادت شدها إليها ,إذا كان هذا سيقر عينكم سنفعل ؟.

**صعدة سلطة بلا ملامح في دولة بلا ملامح***

يمضى سندبادنا اليمني في وصف رحلته كما الرحالة الأجانب وان بعناد "دادائي" ومماحكة صبيانية ,هاهو سندباد قد عبر حدود صنعاء وفجأة تختفي كليا كل ملامح سيطرة الدولة ..ياللهول إنها المرة الأولى التي نسمع فيها بمثل هذا يا له من كشف مثير؟!

ليتني اعرف كيف هي ملامح الدولة لا عيد رسمها على كل الجدران في بلدتنا .كيف هو شكلها ؟ما لونها ؟لقد ظلت من وعيي ,لعلنا معشر البدو المتوحشين لا عهد لنا إلا بسلطة القبيلة والكاهن والعكفي ,أما "الهم "القادمون إلينا من طالع حيث ملامح الدولة بارزة وبألوان زاهية ومكثفة وتدل بكامل فتوتها

يا سادة ياكرام لا جديد تحت الشمس إنها فقط القراءة بعين السخط التي تبدي لك المساويا ومحاولة الحفر في دهاليز الكراهية ,هل فيكم احد لا يعرف الوضع في صعدة والحروب الست العبثية ومفرزاتها على جميع الصعد وعلى تراجع سلطة الدولة,ولا يجادل احد في كون الوضع برمته وضع استثنائي وشاذ كأحد مخرجات الصراع الدموي والانسداد السياسي الذي أوصلتنا إليها عقلية النظام الحاكم ,حديث مكرر ومعاد ليس من جديد إلا الحفر في دهاليز الكراهية لرثاء سلطة الدولة في صعدة وكأنها المحافظة الوحيدة التي تراجعت فيها سلطة الدولة .

رغم أن مفهوم الدولة في اليمن راهنا أصبح مفهوما نظريا لا تكاد تلمس له وجودا فعليا في اغلب محافظات ومناطق اليمن صنعاء العاصمة نفسها مقسمة إلى كانتونات وإقطاعيات ,هل بإمكان سندبادنا إن يرينا أين هي ملامح الدولة ؟هل في إقطاعية الحصبة حيث يحكم صادق الأحمر وإخوته العشرة؟ ام في الستين ومذبح حيث محسن وفرقته؟ ام في السبعين والحرير حيث احمد وحرسه ؟أين هي الدولة في تعز حيث المدنية والمجتمع المدني هل مع السرحان وشلته؟ ام الصوفي وزمرته؟ أم المخلافي وعكفته ؟أين هي الدولة في حاشد وبكيل ؟

زن لا يتوقف عن السلطة المنقوصة للسلطة المحلية ورئيسها مناع ...طيب دعونا نوازن بين ماهو متيسر للسلطة المحلية ورئيسها مناع مع الحوثيين كقوة نافذة في صعدة, ونظيرها المتيسر لحكومة الوفاق ورئيسها باسندوة المغبون ورئيس الدولة عبدربه المسمى منصور وهو "المغلوب على أمره" مع القوى النافذة الفعلية في صنعاء .لا اشك أن حظ مناع هو الأوفر مقارنة بباسندوة والرئيس منصور الواقع بين نارين نار السبعين ونار الستين صباحا تحت رحمة احمد ومساء تحت رحمة محسن ,وأدنى بكثير مما للمندوب السامي الشيخ جيرالد"صاحب البلاد"

الحكاية ليست حكاية أزمة دولة ولا سلطة دولة إنها أزمة تربية عنصرية صدمها ظهور شيء بات يعرف بالحوثية قوة وازنة, ولم تستطع استيعاب أن تشب صعدة والمحافظات الشمالية المهمشه سياسياً واقتصادياً وثقافياً عن الطوق

كانت مفاجأة سندباد اليمني اكبر بحكاية السلاح في صعدة, كانت هي المرة تقع عينه على مسلحين مدنيين .معذور صاحبنا فهو قادم من جمهورية واق الواق الناس هناك يستخدمون أسلحة خشبية , يستيقظون في الصباح باكر على زقزقة العصافير ( لا اقصد الحرس والفرقة)والديك يصدح مؤذنا بميلاد فجر جديد(لا اقصد على محسن ) فيخرج الناس يصبحون على بعضهم بالورد ويتبادلون عقود الفل والياسمين ( رصاص وقنابل), ولذلك هو لا يمكن أن يصدق أن عاصمتهم فيها من الأسلحة ما يكفي لتدمير صنعاء ست مرات والسابعة بالتراب ولا من الذخائر ما يكفي لإبادة اليمنيين عن آخرهم

**الشك القدوسي **

صالح بن عبد القدوس احد مفكري المعتزلة في القرن الثالث الهجري معاصر لأبي الهذيل العلاف اشتهر بكتابه "الشكوك"من يقراه يشك فيما كان انه لم يكن وفيما لم يكن انه قد كان ,وحدث أن مات احد أبنائه فزاره العلاف وواساه لما رآه حزينا, فرد عليه صالح :إنما جزعت عليه لأنه لم يقرا كتاب "الشكوك",قال العلاف: وما كتاب الشكوك ,قال: كتاب وضعته من قراءه شك فيما كان حتى يتوهم انه لم يكن وفيما لم يكن حتى يظن انه قد كان فقال العلاف: فشك أنت في موت ابنك حتى كأنه لم يمت وان كان قد مات وشك انه قد قراء كتاب الشكوك وان كان لم يقراه

 وعلى ما يبدوا سندباد اليمني قارئ جيد لكتاب الشكوك لعبدالقدوس قرأ فأكثر لذا أصبح هو وصحبه على استعداد دائم ومبدئي للشك والتشكيك في أي موقف يصدره المغاير مهما كان ايجابيا سيما إذا كان الحوثي والاستجابة الطبيعية المتوقعة والموقف الثابت الغير قابل للتحول مقابلة أي موقف ايجابي للحوثيين -كما هو الحال مع الرائ الذي أعلنه عبدالملك الحوثي في المولد النبوي من الدولة المدنية- بالدوران في حلقة من الشك الفارغ وطرح عشرات الأسئلة كل سؤال منها يفتح لعشرات من مثله وهكذا خوض ولعب وبعد رحلة مظنية ينتهون لذات النقطة التي بدؤا منها ليعيدوا نفس الكرة

وهذا النوع من الشك بخلاف الشك المنهجي لديكارت الفيلسوف الفرنسي الذي يوصل في النهاية إلى اليقين بينا هذا النوع من الشك لا يوصل الي نتيجة ,هو في حقيقته أزمة سيكولوجية او نفسية لا أمل في التعافي منها إلا بعرض المأزوم بها – إن هو رضي لصالحه ولصالح اليمن- على عيادات إكلينيكية مختصة مع الإكثار من قراءة قل أعوذ يرب الناس ملك الناس من شر الوسواس .