الخطاب الرئاسي المستفز
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 13 يوماً
الأحد 06 مارس - آذار 2011 04:04 م

الخطاب المبني على الكذب والفهلوة دائما يثير الاستفزاز للجمهور المتلقي لأنه يحتوي على مضامين ساخرة بالجمهور ومستهينة بقدرته على الفهم والإدراك وكأن صاحب الخطاب يتعمد إنزال شعبه منزلة الأهبل والمغفل الذي لا يفهم ولم يبلغ سن الرشد بعد كي يكون موضع اعتبار في ذهن صاحب الخطاب.

الخطاب الرئاسي والسياسي بعمومه يدين خصومه والمعارضة بهروبها من الحوار إلى إثارة الفتن والفوضى وقد يكون محقا في ذلك، ولكن تعالوا معا نضع هذه الدعوة في مقابلة التساؤلات التالية؟:

من ألغي عمل لجنة الأربعة المكلفة بانجاز تفاصيل برنامج الحوار ؟

من ذهب منفردا في مجلس النواب لإقرار قانون الانتخابات دونا عن الشركاء السياسيين ؟

من ذهب منفردا في مجلس النواب لانجاز التعديلات الدستورية ومعلنا على الملا خلع العداد والتأسيس لتمديد رئاسي مدى الحياة ؟

من ذهب منفردا لتشكيل لجنة الانتخابات من القضاة الذين لن يكون ولاءهم إلا لمن عينهم ؟

من اسقط إجراءات تسجيل من بلغوا السن القانونية في كشوفات الناخبين واغفل تصحيح الخلل في السجلات الممتلئة بالأسماء المزورة ؟

إنها سياسة الاستضعاف والتفرد والغرور ، لأن المفاجآت التي ظهرت عربيا بعدئذ – في تونس ومصر ثم ليبيا – لم تكن بالحسبان ، والإلحاح على الحوار بعد هذه الفواجع السياسية للسلطة هي كمن يؤمن بعد بلوغ الغرغرة « آمنت بالذي آمنت به بنوا إسرائيل».

هذا الفعل الخاطئ – ولن نصفه بغير ذلك - كان إجراء انفراديا من الحزب الحاكم أسوة بما فعله النظام المصري. إذا فالتباكي على الحوار لم يعد له مصداقية ولا موثوقية لدى المواطن اليمني الذي خرج إلى الشارع مطالبا بالتغيير الجذري وهذا حقه الدستوري ؟. وبالرغم من المطالب الصادمة فإن من حق الشعب إلغاء مدة العقد الدستوري مع الحاكم قبل انتهاء الفترة المتفق عليها.

لقد حمل الخطاب الرئاسي وصفا مهينا ومحقرا للشعب اليمني حين وصف الجزء المعارض من هذا الشعب باعتبارهم من دعاة الفتنة والفوضى ومتآمرين مع الخارج ويتلقون أوامرهم من تل افيف وواشنطن، وان الرئيس وحده الضامن للأمن والسلم وهو المواطن الوحيد الذي لايخون. فكيف يستقيم الحوار في ظل هذا الفهم السياسي المكتظ بلغة البداوة المتصحرة من المسؤولية والحصافة وإسقاط احترام الشعب الغائب دوما في الخطاب السياسي ؟

الخطاب يدعو أحزاب اللقاء المشترك إلى الحوار. وفي الدعوة نفي وإقصاء للقوى الفاعلة وغير الفاعلة في الشعب اليمني ممثلة بالشباب الداعين إلى الثورة السلمية في كل ساحات الحرية والتغيير في عموم المحافظات اليمنية. وكيف يستثني الخطاب الرئاسي قوى أخرى لها ثقل على ارض الواقع بغض النظر من اتفاقنا أو اختلافنا معها، مثل الحراك الاحتجاجي في الجنوب والحوثيون في أقصى الشمال والمنفيون في الخارج, إذا فالدعوة إلى الحوار بهذه السياسة الإقصائية هي مبعث لفشل الحوار قبل أن يبدأ، فالحوار ينبغي أن يدعى إليه كل الأطراف الوطنية الذين نتفق معهم أو نختلف ؟

للتذكير فإن الرئيس على صالح قدم استقالة صورية في العام 1983 إلى مجلس النواب المعني بإعادة انتخابه، فخرج إلى الشارع بعض من الشعب بإيعاز يردد شعار « لا دراسة ولا تدريس إلا بعودة الرئيس » فكان من خرجوا متظاهرين تحت هذا الشعار مواطنين صالحين ، وحين يخرج اليوم الطلاب يهتفون « لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس » يكون هؤلاء الناس خونه ودعاة فتنة « يا سبحان الله !!!!» وهذا يعني بوضوح أن الحوار المطلوب من السلطة ينبغي أن يؤدي إلى نتيجتين : 1- بقاء المؤتمر في الحكم. 2- واستمرار الرئيس علي عبد الله صالح رئيسا دائما للبلاد. وما عداه من حوارات تــُسقـِط هذه النتائج هي حوارات ضد الوحدة والثورة والديمقراطية في نظر الحاكم؟

فهل الرئيس صالح هو الوحدة والوطن والجمهورية ؟ نحن نسمع أن المتظاهرين يطالبون فقط بإسقاط الرئيس وليس إسقاط الوحدة والجمهورية والديمقراطية، ولا يوجد شعار واحد ينادي بالملكية والاستبداد والانفصال الذي غاب من قاموس الاحتجاج الجنوبي ؟ لماذا يعلن الرئيس أن الجيش سيدافع عن الوحدة والديمقراطية والثورة والجمهورية حتى أخر طلقة، وكأن إسقاط الرئيس هو إسقاط للجمهورية، لماذا يصر الخطاب السياسي على التوحد والتماهي بين الحاكم المتغير والوطن الثابت، بين الحاكم الفرد الأجير لدى الشعب والدولة اليمنية الباقية مع تغيير الرؤساء؟.

لماذا يصر الخطاب السياسي الرسمي على أن استبدال الرئيس والمطالبة برحيله سيؤدي حتما إلى الفوضى والفتنة ؟ ولماذا يصر الرئيس على أن رحيله لا يكون إلا عبر الانتخابات ، لماذا لا يفكر بعزرائيل كوسيلة ربانية لتغييره فهل نتوسل ارحم الراحمين أن يمنحه طول العمر إلى يوم القيامة حتى نتجنب حدوث الفتنة؟ لماذا لا تكون الاستقالة خيار سلمي في انتقال السلطة خصوصا وان اليمن لها نائب رئيس للجمهورية يقوم في عمله في حالة التنحي الطوعي أو الموت أو المرض.

إن خيار الاحتماء في « باب العزيزية » = « قصر النهدين » سيكون خيارا نهائيا للرئيس إن سلك مسلك القذافي، ومن يريد أن يتحقق من صحة هذا الافتراض عليه أن يرى مخطط هذا الحصن المنيع عبر «جوجل ارث» ليرى تحصينات القصر الرئاسي وكثرة الهناجر المعدة للتمويل الذاتي من أي حصار للبقاء رئيسا ولو سجينا داخل القصر المحصن بالسياج والمعسكرات في قمم صنعاء التي لا تصلح عاصمة آمنة لليمن .

يتساءل البعض : لماذا لا يحب الرئيس صالح شعبه الذي احتمل حكمه مدة 33 عاما ؟ ولماذا لايضحي من اجله بالاستقالة ؟ ولماذا يعتبر الرئيس هذا الطلب إنما هو صادر من بعض شعب خائن للعشرة تجرأ أن يطالب رئيسه بالرحيل دونما خجل ؟

أنا كمواطن أتحدى على عبد الله صالح أن يثبت أنه قدم لليمن وشعبه ما يبرر بقاءه في السلطة كل هذه المدة. بعض الرؤساء جاءوا من خلفية نضالية تاريخية ضحوا بالغالي والنفيس من أجل شعوبهم فكان لهم وضع خاص بعلاقاتهم معها، مثل نيلسون مانديلا الذي سجن 27 عاما ولم يحكم سوى خمس سنوات ولفترة واحدة ولم يقل لابد أن احكم 27 سنة مقابل سنوات السجن. عبد الناصر قام بثورة من اجل شعبه، عبد العزيز بوتفليقة هو أحد مناضلي جبهة التجرير، ياسر عرفات رحمه الله المقاتل من اجل تحرير فلسطين ، حسني مبارك صاحب الضربة الجوية التي لم تشفع له عند شعبه.

علي عبد الله صالح جاء إلى السلطة بمحض الصدفة وبدعم سعودي قبلي، وصل إلى السلطة وهو أشعث أغبر، رث الثياب والمنظر، منكوش شعر الرأس ، ومكتظ الشارب، ووجه مليئ بالتعرج والمطبات والحـفر، بادية على ملامحه الخصاصة والفقر، ثم يتبجح بخطاباته أن السلطة بالنسبة له مغرم لا مغنم ، فمن أي خزينة غرم هذا الرجل المستخف بعقولنا على شعبه، فالحقيقة أن السلطة بالنسبة له كانت مغنم لا مغرم، وانظروا إلى صوره القديمة قبل السلطة وبعد السلطة لتتأكدوا من صدق الحديث .

الشهيد إبراهيم الحمدي رحمه الله وصل إلى سدة الحكم معدما وخرج معدما - وكذلك من سبقه من حكام الشمال والجنوب – الرئيس الحمدي التفت إلى المعدمين فبنى في الحديدة مدينة سكنية أطلق عليها اسم « مدينة العمال» والرئيس صالح أخذ المال من التأمينات ومعاشات التقاعد وشرع ببناء مدن سكنية في كل المحافظات أطلق عليها مدينة الصالح ليوزعها رشاوي انتخابية على ذوي القربى والمؤلفة قلوبهم، وعلى غرارها مسجد الصالح، وجمعية الصالح ، وجوائز الصالح. مجرد سؤال أين موقع الشعب الذي يدفع من جيبه كل هذه الأموال ليخلد الرئيس نفسه بها ويمحو بها شعبه ؟.

أين موقع أبناء الشعب من المناصب العليا العسكرية والأمنية، كلها مختزلة في العائلة، ثم تدعي تفانيك في حب الوطن، كيف يستقيم ذلك ؟ إنك تعتبر مواطنيك خونة ومتآمرين عليك فاحتكرت كل هذه المناصب على أسرتك لتحتمي منهم لا من أعداء يتربصون بك، وعندما تزور مدينة تغلق كل شوارعها لكي تمر فيها أو تتجول وكأنها ملك خاص لك وفيها اتهام صريح لشعبك انه متآمر عليك، ربما يغتالك، فكيف إذا تدعي حبك لوطنك وأنت تحتقر المواطنين بهذه الجهرية ودون اكتراث، شعبك ياهذا يفهم كل ذلك وهو صابر على حكمك الفاشل طيلة هذه العقود الثقيلة وتستكثر عليه أن يطالبك بعد كل هذا الفشل بالرحيل.

أنت مدعو اليوم قبل غد أن تثبت للشعب انك تحب الوطن بدلا من أن تدعو المواطنين إلى حبه وهم متفانون في ذلك دون ريب، ونزولا عند رغبة شعبك قدم استقالتك بكل شجاعة ، فلا يكن القذافي قدوتك، ولا تقع فيما وقع فيه من سبقاك، وهما أكثر قوة وتحصينا من قوتك؟

إن شعبك يدعوك سلميا إلى الرحيل وأنت تجيبه بالقتل والعنف والبلطجة الممولة من أموال الشعب، وتهدده بالبقاء حتى أخر طلقة دفاعا عن الجمهورية والديمقراطية، ولا أحد منهم يطالب بإسقاط الجمهورية والديمقراطية ولكن يطالبون بإسقاطك أنت ونظامك فقط، فلماذا تصر على أنك أنت الوحدة والوطن والجمهورية والديمقراطية والدولة ؟.

كن شجاعا وانزل إلى الناس في ساحات الحرية واسمع منهم، ولا ترسل إليهم الوساطات ولا تحتكر الشعب باللقاء المشترك ؟ كن شجاعا واذهب إليهم واسمع منهم لتـتأكد بأذنيك وعينيك ومشاعرك ماذا يريدون ؟ ربما هذه الخطوة إن فعلتها قد تقنعهم بالعدول عن مطالبهم إن كانت لا تعجبك، أو تستجب إليهم إن أصروا على مطلبهم، إنهم شعبك وليس شعبا وافدا من الصومال والهند وأفريقيا كما يصفهم بعض كهنتك.

سـتــُحني لك الجباه إجلالا وتعظيما إن ذهبت إلى منصة ساحة التغيير التي استقر فيها وسطاؤك قبلك لتخاطب شعبك دون وساطة، ربما يصفقون لك، ويعظمون حضورك، وتتفق معهم مباشرة، وقد ينصرفون حبا وكرامة، وكن رجلا بتنفيذ ما تلتزم به لهم، الفارس وحده من يكن شجاعا، والشجاع وحده من يكن صادقا، فهل تستطيع أن تكون لأول مرة في حياتك شجاعا وصادقا بدلا من امتطاء صهوة الحصان في باحة قصر الرئاسة ونشرها في الصحف.

انك إن أبطأت المسير سيكون قفص الاتهام سكنك، وستجرد أنت وعائلتك وكهنتك من كل الامتيازات، وستكون في موقف تندم عليه يوم لا ينفع الندم، أرجو لك الحكمة والتوفيق حتى تتحقق في اليمن على يديك مقولة المصطفى عليه السلام « الإيمان يمان والحكمة يمانية» وتكون إليها اسبق من غيرك، فلا تجر البلاد لجرب أهلية ثمنا لبقائك وأنت زائل.

hodaifah@yahoo.com