أول دولة خليجية عظمى تستعد في إنشاء ائتلاف عسكري مع الولايات المتحدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر صواريخ تضرب تل أبيب في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية
كثيرا ما يحلو لبعض من يتخذ موقفاً سلبياً من التغيير والانعتاق من كابوس البؤس الجاثم على صورنا عقوداً وصم الثورة في اليمن بأنها مجرّد استنساخ لما جرى في ثورتي تونس ومصر. والحق أن ما جرى في تونس ومصر يفرض على طرفي المعادلة في مجتمعنا -أي السلطة والمعارضة بالدرجة الأساس- قراءة دقيقة متأنية لكل فصول المشهد هنا وهنالك، ثم الإفادة من الدرس جيّداً، واستلهام كل طرف مايعنيه، وذلك يستلزم تفصيلاً على النحو التالي:
أولاً: درس السلطة: حوار بعد ماذا؟ وعلامَ؟
هل أدرك النظام اليمني الآن بعد انضمام هذه المجاميع الهائلة من القيادات العسكرية على أعلى المستويات وكذا الوزراء والدبلوماسيين وقيادات بمختلف المستويات في النظام إلى مطالب الثورة السلمية أن مكابرته المستمرة طيلة الأسابيع الماضية- بوجه خاص- لن تفلته بكلّ مكوّناته من الطوفان الجماهيري بعد زحفه الهادر على نحو غير متصوَّر ولا مسبوق ؟! كما لن تنقذه من غضبة الشعب أساليبه المتهالكة في الغطرسة والالتفاف، وسياسة شراء الذَمم، ومحاولة ضرب مكوّنات المجتمع وقواه ببعضها، أو محاولاته الزج بقوات الأمن والشرطة والجيش في المعترك، ناهيك عن استئجارها (البلطجية) التي ترفع شعارات ( لا للفوضى ، لا للتخريب، نعم للحريّة، نعم للحوار ...إلخ) وهي أول من يخرّب ويثير الفوضى ويعتدي إلى حدّ القتل الذي لم يسبق أن سجّل بتلك الوحشية والاحتراف– كما في مجزرة الجمعة الدامية مثلاً- في تونس أو مصر، واستعمال الغازات السامة المحرّمة دولياً على من يمارس حقه الدستوري في التعبير السلمي عن مطالبه المشروعة، ذلك لايقود إلى حوار- لمن لايزال يمنّي نفسه بالحوار- بل زاد ذلك من تصعيد الوضع وتوتيره أكثر، وتكرّر – على نحو أو آخر شاء من شاء وأبى من أبى- المشهد الذي جرى ويجري في تونس ومصر في أسوأ فصوله، ونحن جميعاً شهود مرحلة قائمة، بحيث لايحتاج الأمر إلى مزيد تدليل وتفصيل، وقديماً قيل:( السعيد من اتعظ بغيره، والبائس من لايتعظ إلا بنفسه).
وإذا كان البعض لايزال يصرّ على القول إن اليمن ليست تونس أو مصر فإننا نذكّره بحقيقتين: الأولى: نعم ليست اليمن هي تونس من بعض الجوانب ولكنها تونس أو مصر بل ربما أسوأ من جوانب أخرى.
الثانية: لقد كان هناك من يقدّم نصحه للنظام المصري كي يستفيق من غفلته واستخفافه بالذي يجري من حوله في تونس، وكان يردّد المعزوفة ذاتها، أي أن مصر ليست تونس، ومع أن كل المعطيات كانت تؤكّد حتمية التغيير وضرورة الإفادة من الدرس التونسي؛ ولكن هل أغنى ذلك شيئاً، حين وقعت الواقعة، ووضِع الفأس على الرأس؟!
مبادرات تلد أخرى:
لتع السلطة أن التغيير نتيجة حتمية طال الزمن أم قصر- وكل هذه التطورّات الأخيرة تؤكِّد قرب الرحيل- وليس من الفطنة في شيء أن تستمر في مسلكها المدمّر حتى لو جاء ذلك في صورة مبادرات (نظرية) متأخرة جدّاً تلد مبادرات، بما فيها التلويح بالمبادرات (الخارجية)، وكأنه التسلسل أو الدور الذي لايفضي إلا إلى العدم، ولعلّ من آخرها ما ورد من قبل بعض الوسطاء بمن فيهم بعض أعضاء مجلس النواب ذوي السمعة الحسنة وبعض قيادات في اللقاء المشترك كما تردّد ذلك بتاريخ 16/3/2011م، وتدعو إلى دمج جهازي الأمن القومي والسياسي في جهاز واحد، وإبعاد شخصيتين من العائلة الحاكمة من ذينك الموقعين – ولاندري ماذا سيكون موقعهما المنتظر الجديد- ووضع جدول زمني للانتقال الآمن للسلطة. وقبل ذلك سبق للرئيس أن أعلن فيما وصف بالمؤتمر الوطني العام الذي دعا إليه الحزب الحاكم في 10/3/2011م، حيث تضمنت (المبادرة) الدعوة إلى الإعداد لدستور جديد والانتقال إلى نظام برلماني، وتشكيل حكومة وفاق وطني، مع حكم محلي كامل الصلاحيات، واعتماد القائمة النسبية، ولم يفت الرئيس التصريح بأن ذلك موجّه للشعب وليس للمعارضة، ولم تتوانَ المعارضة في إعلان رفضها العاجل لذلك، باعتبار الموقف حاليا قد انتقل إلى الشارع، الذي تجاوز تلك المطالب، وهو صاحب الكلمة النهاية في كل الذي يجري.
وعلى العكس من موقف كاتب هذه السطور الفاتر تجاه تلكما المبادرتين رغم ماحملته مبادرة الرئيس من مفاجاءات كانت حتى زمن غير بعيد حلاً واقعياً لجزء كبير من المشكلة؛ ورغم الجزء العملي الأكثر واقعية في مبادرة أولئك الوسطاء؛ فقد كان واحداً ممن استبشر في وقت سابق – بما لا يخلو من تحفّظ - بما وصفت بمبادرة رئيس الجمهورية التي أعلنها أمام الاجتماع العام لأعضاء مجلسي النواب والشورى في 2/2/2011م، المتضمنة لدعوة اللجنة الرباعية لاستئناف اجتماعاتها مع التأكيد على عدم التوريث والتأبيد والسماح لمن بلغ سنّ الثامن عشرة بالتسجيل في سجلات الناخبين، وإرجاء الانتخابات تبعاً لذلك، مطالباً أحزاب اللقاء المشترك بالكف عن مسيراتهم واعتصاماتهم، استعداداً للحوار، ولكن لأن دعوته جاءت قبل ساعات من الإعداد لأكبر تظاهرة قادها اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية في كثير من عواصم المحافظات، أي في اليوم التالي مباشرة فلم يكن ثمّة وقت لتدارسها والردّ عليها، فمضت تلك المسيرات والمهرجانات كما كان مقرّراً لها، بيد أن أحزاب اللقاء المشترك وشركاءها في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني تشاورت حول تلك الدعوة لاحقاً، ثم أعلنت قبولها العام العودة للحوار، بعد نحو عشرة أيام من إطلاق رئيس الجمهورية دعوته، وإن وضعت مطلباً رئيساً تمثّل في تنحية أقارب الرئيس حتى الدرجة الرابعة، هذا إلى جانب مطلب آخر بإشراك معارضة الخارج والحراك الجنوبي والحوثيين في ذلك الحوار، ولكن لم يفهم من ذلك اشتراطها العودة للحوار بتلبية كل ذلك فوراً- كما يتردّد من قبل البعض- وإنما هو مطلب قائم لإثبات الجدّية في الرغبة الحقيقية للحوار، كما ورد في البيان الصحفي الصادر عن أحزاب اللقاء المشارك وشركائه في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني يوم 13/2/2011م. وقد تابع كاتب هذه السطور فعاليات المؤتمر الصحفي بما فيه بيان المعارضة ولجنة الحوار الوطني، وأدرك أن ثمّة اتزاناً ورشداً من قبل قيادات المعارضة وبعض رموز اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، ولا سيما في إجاباتهم على بعض أسئلة الصحافيين، وتأكيدهم على تمسّكهم بالحوار في كل الظروف، وهو ما دعم ما وصفت بمبادرة رئيس الجمهورية، لو كان ثمّة جديّة حقّة لدى السلطة، قبل استفحال الأمور وازديادها سوءاً على سوء، وهو ما تسبب في اتجاه موقف المعارضة نحو خيار الشارع في الاعتصام حتى يرحل النظام، وانتقل بعناصرها – على نحو فعلي وإن لم يكن رسمياً معلناً حتى الآن- نحو صفوف المتظاهرين في الشارع، بعد إصدارها البيان أصدرته المعارضة يوم الجمعة 18/2/2011م، وحمّلت فيه الرئيس شخصياً المسئولية الكاملة عن استمرار الاعتداء على المتظاهرين السلميين وتداعياته، وكذا البيان الصادر أحزاب اللقاء المشترك ولجنة الحوار الوطني يوم 20/2/2011م، الداعي إلى الدّفاع عن المتظاهرين للتغيير، وضرورة الوقوف مع حقهم في ذلك وتبنّي مطالبهم، وكذا التأكيد على تلك المعاني في المؤتمر الوطني لحقوق الإنسان الذي عقدته اللجنة التحضيرية للحوار الوطني في 23/2/2011م. ورغم ذلك التصعيد المتتابع ومنه ما نقل عن أحزاب اللقاء المشترك وشركائه في رفضهم الحوار مع ما وُصِف بـ " سلطة تحشد المرتزقة والمأجورين لاحتلال الساحات العامة ومداخل المدن وإرهاب الأهالي وتعكير السكينة العامة" إلا أن الرئيس الدوري الأسبق لأحزاب اللقاء المشترك الدكتور محمد عبد الملك المتوكل قال في تصريح لبعض المصادر: "إن ذلك الموقف المعلن ليس نهائيا، على اعتبار عدم وجود مواقف نهائية في السياسة، ولفت " إلى حاجة المواقف السياسية للكثير من المرونة، وأن المطلوب من المؤتمر الشعبي العام أن يرد على مطالب المشترك وشركائه التي تضمنتها بياناته السابقة والأخيرة" www.newsyemen.net/view_news.asp?sub_no=1_2011_02_23_52514 ))
ومع ما رأى البعض- ولاسيما من الشباب المعتصمين المتوقدّين حماسة وعنفواناً- في مثل هذه التصريحات من تراخٍ وضعف وربما (خذلان)؛ إلا أنّه – من جانب آخر- لابد من إدراك أن قراراً نهائياً لهيئة بحجم المشترك وشركائه بخوض معركة الاعتصامات رسمياً على نحو الشعارات التي تنادي بإسقاط النظام وعدم القبول بغير رحيل رأسه ورموزه جميعاً كقرار نهائي لارجعة عنه يبدو –في نظر تلك الهيئة على الأقل- الورقة الأخيرة التي تعني – ضمن ماتعني- احتمال كل التبعات بما فيها أسوأ الاحتمالات تقديراًً... وكان الوقت وقت ذاك لايزال مبكّراً نسبياً - من وجهة نظرهم على الأقل كذلك - لإعلان تلك الورقة، إذا حكّم النظام صوت العقل أو ماتبقّى منه، مع أن كل المؤشرات كانت تتجه إلى خلاف ذلك! وهو ما اضطر الرئيس الأعلى الجديد لأحزاب اللقاء المشترك الدكتور ياسين سعيد نعمان وبعض قيادات المعارضة في نهاية المطاف للإعلان الرسمي عن التحامهم بالشارع بعد زيارتهم الفعلية إلى ميدان التغيير بساحة الجامعة يوم السبت 19/3/2011م، أي في اليوم التالي لمجزرة الجمعة الدامية!
ولعلّ من هذا القبيل - إلى حدّ كبير- البيان الأول الصادر عن ( هيئة علماء اليمن) برئاسة الشيخ عبد المجيد الزنداني في 21/2/20/2011م، المتضمّن التأكيد على مشروعية الشعب في التظاهر والاعتصام والتعبير عن حقّه في ذلك بالطرق السلمية، وتجريم كل محاولة لثنيهم عن ذلك، ناهيك عن الاعتداء عليهم أو الاستحواذ على أماكن تجمهرهم، بل محاسبة كل من تورّط في ذلك، والدعوة إلى جملة من الإصلاحات التي من شأنها – حسب البيان- تجنيب البلد مثل تلك التكاليف الباهظة التي حدثت في تونس ومصر، لكن ليس من الإنصاف- في نظر كاتب هذه السطور الذي قد يختلف مع جوانب أخرى في طبيعة هذه الهيئة ومعايير تشكيلها وبعض توصياتها- تحميل أصحاب البيان ضرورة الدعوة إلى الالتحام بالجماهير أو تبّنى المطالب والشعارات ذاتها التي يتبناها المعتصمون من منطلق خصوصية الهيئات الكبرى كذلك. ولا بد لكل من يحمل وجهة مخالفة أن يعذر الآخرين في قضية تعني البلاد كلّها كهذه، أعني من حيث مراعاة طبيعة الأولويات وتقدير أي المصالح الوطنية أكثر في هذا الخيار أم ذاك، وعادة ما يسعُ الفرد ما لايسع المجموع. وبطبيعة الحال فإن هذا بحث في التفاصيل لا في الجوهر، كي لايختلط الأمر بين مثل هذه المواقف الاجتهادية المشروعة وبين مواقف الانهزام والتسويغ والنفاق الفجّ للسلطة التي برّز فيها (شلّة) ممن يدّعي انتسابه إلى العلم الشريف وأهله!
ومما يؤكِّد ذلك أكثر أن تفاعل أحزاب اللقاء المشترك على ما اقترحه الرئيس وبعض أعضاء هيئة علماء اليمن حول ما عرف بالنقاط السبع جاء إيجابياً إذ حمل خمس نقاط تؤكّد في مؤدّاها أن خيار رحيل النظام فوراً ليس قرار أولوية حتمية عاجل، إذا وجدت الضمانات الكافية لرحيله سلمياً ومؤسسياً بعد حين وإن طال ذلك نسبياً، لكن الصاعق استمرار النظام في مسلك الاستخفاف بكل التفاعلات الإيجابية الواردة من الطرف الآخر، وآخرها الرد المشار إليه من قبل المعارضة، إذ وصفت السلطة ذلك بأنه غموض بل سعي من المعارضة إلى الانقلاب المكشوف على الديمقرطية والشرعية الدستورية!!
وكان كثير من حكماء اليمن وعقلائه –وربما لايزال بعضهم- يعتقد أن الحوار الجادّ المخلص سيظل المدخل الأهم لتجاوز كلّ خلاف مهما بدا كبيراً، وإن اختلفت بعد ذلك المداخل التفصيلية لهذا لحوار، لكنه المبدأ الأساس في الإصلاح الجاد، حال توافر النوايا الصادقة من كل طرف، ولعل من هذا القبيل ما صرّح به الشيخ صادق الأحمر شيخ مشايخ قبيلة حاشد وعضو مجلس الشورى من أنّه لايزال غير يائس، من السعي نحو التوسط بين رئيس الجمهورية وأحزاب المعارضة اليمنية لحل الأزمة الحالية، لـ"إيجاد مخرج مشرّف للرئيس ولكل الأطراف والقوى الأخرى"، حسب آخر حديث له مع صحيفة الناس في 14/3/2011م، غير أنّه ما لبث أن أعلن تجميده لذلك المسعى يوم 16/3/2010م، حتى تكفّ السلطة عدوانها عن المعتصمين في جميع المحافظات، لكن استمرار السلطة في سياسة السلطة دفعه يوم الإثنين 21/3/ لإعلانه الصريح بالانضمام إلى مطالب الثورة السلمية، دون أن يقطع نهائيا مسعى الوساطة إذا لمس جدّية حقيقة لدى الرئيس، ودلالة ذلك عنده قبوله الرئيس بتخلٍ ( مشرّف) عن الحكم !
تراجع في القيم:
الحق أن الأمر في اليمن تجاوز – من بعض الوجوه- ذاك الذي جرى في مصر حين بدأ النظام في اليمن يستمرئ الاعتداء المتكرّر على نساء وشابات ناشطات في المجتمع المدني، ولا سيما أولئك اللواتي يمثلن طلائع المواقف المناهضة للسلطة، كما حدث مع الناشطة الحقوقية توكّل كرمان، سواء في اعتقالها الشهير، أم في ظاهرة الاعتداءات المتكرّرة عليها، ثم على زميلتها سامية الأغبري وسواهما، على نحو ينم عن إفلاس في التعامل الإنساني، وتراجع في قيم اليمانيين !
ومع أن حالة الاعتداء على المتظاهرين مشهد عام وقاسم مشترك في كل عواصم المحافظات التي خرجت للهدف نفسه، لكن من الواضح أن أسوأ ما حدث من أعمال عنف تجاه المتظاهرين تقاسمته حتى الآن مدن صنعاء وعدن والبيضاء وإب والجوف ومأرب والحديدة والمكلّا، ويبدو أن تعز قد فرضت معادلة في التحدّي غير مسبوقة، رغم ما طالها من عنف نسبي مؤخراً، ولعلّ ذلك يعزى إلى الوعي الجمعي الذي توافر في تلك المدينة على نحو لم يتكرر في المدن الأخرى، وربما تكون تلك واحدة من مخرجات التعليم- رغم تدهوره- ومستوى الوعي الذي تتسم به محافظة تعز بالإجمال.
مفارقات لافتة:
لكن كيف للأمل أن يرد بعد أن استمرأ حزب المؤتمر الشعبي الحاكم تفجير الأوضاع في ظرف سابق أكثر مواءمة، وعمد إلى سلسلة من المسلكيات الشاذة التي لا تكاد يختلف إلا في الدرجة عن مسلك الحزب الوطني الحاكم في مصر و(بلطجيته) أو حزب التجمع الدستوري وزبانيته في تونس قبل ذلك، بدءاً من مسلك احتلال عناصره ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء، منذ ما قبل تنفيذ مهرجان أحزاب المعارضة الذي كان مقرّراً أن يتم هنالك في 3/2/2011م، ولم تكتفِ بذلك بل استمرت بخيامها، وشعاراتها، التي اتضح أن بعضها لايزال ينتمي إلى ما قبل ما وصفت بـ( مبادرة ) رئيس الجمهورية، وفرضت عملياً على بعض أصحاب المحلات إغلاق محلاتهم، وهو ما أثار استياءهم ونقمتهم، وزاد من حدّة التبرّم والسخط الشعبي، كما حاولت بعض تلك العناصر أن تفض اعتصام ساحة جامعة صنعاء التي غدت موقعاً هائلاً لتجمهر الطرف الآخر مرات عديدة كان أبرزها يوم الثلاثاء 8/3/2011م الذي نجم عنها ما لايقل عن ثمانين جريحاً وشهيد، ثم أسوأ منها أحداث السبت 11/3/2011م ، التي أعقبت صلاة الفجر مباشرة، حيث ذهب ضحيتها المئات من الجرحى بعض حالاتهم خطيرة، علاوة على بعض الشهداء، ثم اليوم التالي (الأحد) أثناء صلاة الظهر، التي وصل عدد جرحاها نحو سبعين، وأسوأ من السيئ في مسلك الحزب الحاكم وبلطجيته حتى الآن مأساة الجمعة الحزينة التي أعقبت صلاة الجمعة يوم 18/3/2011م، وبلا مقدّمات، أفضت حتى كتابة هذه التناولة إلى استشهاد أكثر من خمسين شهيداً، وما يزيد على مائتي جريح، ورغم أعداد الشهداء والجرحى الذين تخلّفهم محاولات السلطة البائسة في كل مرّة؛ فإن إخفاقها الذريع المرة بعد الأخرى يعد هزيمة منكرة لها، في مقابل اعتباره تعزيزاً جديداً وتمتيناً أقوى من السابق في الجبهة الأخرى، وهو ما مايعني كسب جماهير الثورة الجولة حتى الآن، وأكبر دلالات ذلك هذا الالتفاف الهائل حول مطالبها من قِبل قيادات عسكرية عليا بجميع أفرادها، ومدنية بمختلف مستوياتها، وتساقط أوراق الحزب الحاكم عبر أعضائه على نحو (دراماتيكي) مثير . وإذا كان الحزب الوطني في مصر لم يلجأ إلى ذلك الأسلوب الخارج عن قيم الشعب المصري وأخلاقه إلا حين أحاط الشعب به، وخرجت الأمور عن حدود السيطرة إلى حدّ كبير؛ فإن المثير لدى حزب المؤتمر الشعبي الحاكم في اليمن أن تأتي أساليبه الشاذة هذه على الشعب اليمني وقيمه وأخلاقه بُعيد دعوة رئيسه المعارضة مباشرة إلى استئناف الحوار، وتعهده بإصلاح نقاط الخلاف الجوهرية، وتكرار دعواته (الإعلامية) بحماية المتظاهرين، وبدلاً من أنّا كنّا معوَّلين على الحوار الذي لم يبدأ بعد؛ إذا بنا ندخل في دوامة جديدة من العنف الرسمي، المعمّد ببيانات مصنّفة على السلطة من قبل تلك الأحزاب المسماة بـ(أحزاب التحالف الوطني)- وفي مقدّمتها حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم- وإن لم تكن – باستثناء رأسها- مؤثرة من الناحية العملية، على نحو يمكن مقارنته من أي وجه بقوّة أحزاب اللقاء المشترك، حيث استهلت موافقتها على الانخراط في الحوار الذي دعا إلى استئنافه رئيس الجمهورية بما يشبه التكفير لأحزاب اللقاء المشترك، فقد تصدّر بيانها الاستشهاد بقول الحق – تعالى- :{إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لايؤمنون. ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم}(البقرة: 6-7) إلخ الآيات المتحدِّثة عن مواقف النفاق والمنافقين، وما يتضمنه بعد ذلك من تخوين وشتائم، ليختتم بموافقته على الدخول في حوار مع أحزاب اللقاء المشترك، واللافت أن يُنشر ذلك في الإعلام الرسمي وفي مقدِّمته الإعلام المرئي عبر النشرة الإخبارية الساعة التاسعة مساء بالفضائية الرسمية يوم الأحد 13/2/2211م، أي في اليوم ذاته الذي أعلنت فيه أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك وشركاؤه) قبولها دعوة رئيس الجمهورية لاستئناف الحوار! ثم جاءت سلسلة جديدة لرئيس الجمهورية من اللقاءات ببعض قبائل محافظة صنعاء وشيوخها وغيرها المتعارضة مع (مبادرته)، وإطلاقه تصريحات أسهمت في تسميم أجواء الحوار الذي ما فتئ الرئيس يدعو له في معظم خطاباته، فهل كل ذلك يا تُرى يبشّر بنيّة صادقة في الحوار الوطني الجادّ، ولاسيما بعد كل المشاهد التي جرت في تونس ومصر، وتجري حالياً في أكثر من بلد في مقدِّمته ليبيا، ولا يستثنى منه الخليج؟! تُرى أيّ حوار يدعو إليه الحزب الحاكم ؟ وعلامَ سيكون بعد شلال الدّماء المتدفقة ناهيك عن غيرها؟!!
ثانياً: درس المعارضة: استلهام لاستنساخ
فاجأت تلبية المعارضة اليمنية الكثيرين، باستجابتها الكلية لدعوة رئيس الجمهورية لاستئناف الحوار بين الحزب الحاكم وحلفائه وأحزاب اللقاء المشترك وشركائه، بعد مبادرته في 2/3/2011م، إذ كانت بعض الأصوات العالية فيها ترفض ذلك المبدأ، وتطالب بتغيير النظام السياسي من الجذور، متأثّرة بنشوة النصر لثورتي تونس ومصر من جانب، ومستذكرة لكل مسلكيات المؤتمر المرّة حسب تجاربها السابقة. والواقع أن كثيرين – منهم صاحب هذه السطور كانوا – وربما لايزال البعض منهم ثابتاً عند رأيه- يرون أن ليس من الدّقة إسقاط كل مشهد وقع هناك أو هنالك على غيره بكل جزئياته وملامحه التفصيلية، مهما بدا التشابه في الخطوط الرئيسة والكليّات العامة. ومع التأكيد بان وضع اليمن قد يكون أسوأ من وضعي تونس ومصر من بعض الوجوه؛ إلا أن ذلك لايعني تشابهاً بالضرورة في التعقيدات المتصلة بطبيعة الشعوب وتكويناتها ومدى إدراكها لخطورة الوضع وضرورة التغيير العاجل في هذه المرحلة، ناهيك عن تركيبة الجيش والأمن وولاءاتهما، ومما يؤكّد ذلك دعوة المعارضة في وقت سابق الرئيس إلى ضرورة تفكيك قيادتيهما ذات الصلة القرابية برأس النظام إلى الدرجة الرابعة!
لقد كان كثيرون يتوقعون أن السلطة ستكون أول المسارعين إلى التقاط الخيط من قبل المعارضة بعد إعلان الأخيرة تلك الاستجابة، وتعزيز الاتجاه الأغلب وسط قيادة المعارضة، عبر البدء الفوري الجاد بالحوار، والإصلاحات الجذرية، وأهمها التخفيض الفعلي للأسعار المتصلة بحياة الناس اليومية، والبدء بإجراءات عملية للإصلاحات، لا مجرّد وعود تطلق في الهوى كالعادة، وهو ما أسهم في تأجيج أزمة الثقة من قبل المعارضة وجمهور المعتصمين أكثر من ذي قبل، غير أنّه جرى ما سبقت الإشارة إليه. ورغم أن البعض لايزال غير فاقد للأمل بالكلية، استناداً إلى بقاء بعض الراشدين من أصحاب القرار لم يعلنوا كلمتهم أو رأيهم بعد، وكذلك ذوي التأثير عليهم، ولسنا ندري متى سيقول هؤلاء أو أولئك كلمتهم ؟!
وإذا كان الأسوياء من الناس لاينجرّون نحو معاداة السلطة لذاتها ورموزها لأشخاصهم، بل لمسلكهم الشانئ، إذ سيقعون -ساعتئذ – في العَدَمية السياسية، والتناقض الفجّ، حيث هم يسعون – وذلك حق مشروع - إلى الوصول إلى السلطة، بغية إصلاح الأوضاع، وإعادة الأمور إلى طبيعتها؛ فإن الملاحظة الجديرة بالتثبيت هنا أن المعارضة سواء في اللقاء المشترك أم في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني أم حتى على المستوى الفردي إن هي أحسنت استلهام الدرس الثوري من حركتي تونس ومصر فلن تقع في شرك الدعوة للتغيير والإصلاح من الأوضاع الحالية ورموزها إلى الانزلاق نحو المراهنة على تجربة حاكم عربي أو غير عربي، راحل أو باقٍ، ذي سمعة غاية في السوء، بل قد يكون أسوأ من بعض الوجوه التي بتنا نجأر بالشكوى منها اليوم، ولا سيما في مجال الحقوق والحرّيات. وتأتي هذه الملحوظة من خلال بعض المظاهر المستفزّة لبعض المتظاهرين المصنّفين على صفوف المعارضة قبل البدء في اعتصام الجامعة- وإن ظلّ ذلك مسلكاً فردياً غالباً- كرفع بعضهم صوراً ولافتات ترمز إلى الإعجاب بشخص فلان أو عهد فلان، من فصيلة الطغاة أنفسهم، وإن لم ير فيهم بعض أتباعهم سوى النبل والطهر والقداسة والتبرير لكل موبقاتهم، ولا سيما في جانب الحقوق والحرّيات– وتلك آفة التبعية العمياء والولاء المنغلق- غير أن ضحاياهم لايزالون – وربما ذراري بعضهم- شهود حقّ على حقبهم السوداء، دون أن يعني ذلك غمطهم حقهم في بعض الجوانب الأخرى، وما من فرد أو جماعة أو مؤسسة إلا كان لهم محاسن ومساوئ؛ إلا أن العبرة دوماً بغالب مالهم أو عليهم، فكيف إذا اتصل الأمر بالحقوق والحرّيات التي باتت أنشودة كل دعاة التغيير والمعارضة، أم أنّها ازدواجية المعايير كذلك؟ وحتى لايذهب بعض القرّاء بأذهانهم بعيداً فإن كاتب هذه السطور لايعني أن من بين تلك الصور صورة الراحل إبراهيم الحمدي – رحمه الله- الذي سيطرت صوره على بعض خيم المعتصمين بساحة الجامعة.
من المعلوم أن بعض رموز المعارضة سواء في اليمن أم في غيرها، يرتبطون بعلاقة ودّ – وربما تبعية أحياناً- لبعض الحكام العرب أو غير العرب، أو بعض الرموز الأيديولوجية الشمولية ذات المنزع المشتهر بالقمع والإقصاء كأبرز سمة تميّز حقبهم المقبورة، ناهيك عن المشتهرين من حكام العرب بالعبث بمقدِّرات الأمّة والحكم الفردي أو العائلي، والسجل الأسود في مجال الحقوق والحرّيات، وتلك مفارقة مذهلة، تذكّرك بمقولة الراحل الكويتي الدكتور أحمد الربعي حين أحرج رمزاً ينتمي إلى اليسار في المعارضة اليمنية قبل نحو عقد من الزمان في ذات مناظرة في برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة، وذلك حين خاطبه بما مفاده: يا أخي سلّمت معك بأنك تعاني من وضع استبداد وتسلّط في بلدك، فلماذا تحجّ كل عام عشر مرات –على الأقل- إلى رمز القهر والطغيان في البلد الآخر، الذي يمثّل رئيسه معلّم الدكتاتورية الأول لكل هؤلاء الذين تجأر بالشكوى من قهرهم، وصدق الراحل الربعي.
قد ينتمي بعض رموز الدعوة إلى الثورة أو التغيير في اليمن أو سواها إلى ثقافة(ليبرالية) استعمارية مدمِّرة، ويسعى للترويج للقيم الغربية على نحو (دوغمائي) مغلق، وقد يبرّر سياسات الاستكبار والطغيان لبعض رموز الشرّ الغربي، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، ضد المجتمعات العربية والإسلامية ومنها بلده، على نحو متهافت أخرق، مع ما يدركه كل متابع من وقوف بعض قيادات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع رموز الاستبداد والفساد في مجتمعاتنا حتى النهاية، وبعض تلك القنابل السامة التي ألقيت على المتظاهرين بساحة التغيير بصنعاء اكتشف أنها صناعة أمريكية، وذلك مخرج مباشر لفلسفتهم التربوية البراجماتية القائمة على المصلحة الحادّة وحدها، ثم ما يلبثون أن يقلبوا لهم ظهر المجنّ إذا ما تيّقنوا بأفول نجمهم، أو أنّهم استهلكوا، واستنفدت أغراض بقائهم، وتلك انتهازية رخيصة، لانريد أن نقع فيها أو نكرّرها، إن كنّا جادّين في التغيير حقّاً.
*أستاذ أصول التربية وفلسفتها- كلية التربية – جامعة صنعاء
addaghashi@yemen.net.ye