ارتفاع أسعار النفط مع تعطل الإنتاج في أكبر حقول غرب أوروبا تهريب الذهب... تفاصيل واقعة صادمة هزت الرأي العام في دولة عربية اتفاقية تعاون جديدة بين روسيا والسودان روسيا تستخدم الفيتو ضد قرار بريطاني عن السودان استعداداً للانفصال.. ليفربول يستبدل صلاح بـ نجم شباك أول دولة خليجية عظمى تستعد في إنشاء ائتلاف عسكري مع الولايات المتحدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر صواريخ تضرب تل أبيب في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب
حرص الاستعمار الأوربي بعد اندحاره من الوطن العربي على إفراغ ثورات الاستقلال من محتواها، عن طريق دعمه للقوى العميلة له والمتشبعة بأفكاره، لتسيطر على مقاليد الأمور في بلدانها، وكان ذلك على حساب الوطنيين الحقيقيين من صناع الثورات الذين تم دحرهم وتشتيتهم وتهميشهم. ولم يفت وزارة المستعمرات البريطانية قبل رحيلها من المنطقة العربية أن تنشئ للعرب جامعة الدول العربية، لكي تلهيهم بهذه المؤسسة العاجزة وتمنعهم من أن يخطوا خطوات جادة نحو وحدة عربية حقيقية وكاملة؛ تعرف جيداً أنهم يمتلكون كل مقوماتها.
وقد مثلت أمريكا الوريث للقوى الأوروبية من بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تزعمت المعسكر الرأسمالي الغربي، الذي وقف ضداً للمعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي السابق. وبعد أن انهارت دول المنظومة الشيوعية وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي الذي تفكك إلى دول عدة، بدأت دول المعسكر الرأسمالي تبحث لها عن بعبع يكون بديلاً للشيوعية لتخوف به شعوبها، وتبرر به سياساتها العنجهية المتهافتة على احتكار ثروات الشعوب الأخرى والسيطرة عليها.
وكان ذلك البعبع الذي صنعته دوائر الاستخبارات الغربية والصهيونية هو الإسلام مع الأسف الشديد، حيث بدأت الدوائر السياسية والاقتصادية والإعلامية الغربية تكرس النظرة الدونية تجاه المسلمين؛ والعرب منهم على وجه الخصوص، وألصقت بهم تهمة الإرهاب، حيث صارت صفة الإرهابي لديها لفظة مرادفة للمسلم، الأمر الذي عكس نفسه بالمعاملة المهينة للعرب؛ سواء المقيمين منهم في البلدان الغربية بما فيهم المتجنسين، أو القادمين إليها لأغرض أخرى، ولذلك أصبحوا يختصون بمعاملات تشملهم دون غيرهم، بما تحويه من إذلال ومهانة لأشخاصهم ولغتهم ودينهم!
وزاد الطين بلة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وإسقاط نظام صدام حسين لامتلاكه سلاح نووي كما أخبرونا بداية، قبل أن يفاجئونا بعد ذلك بأن الموضوع مجرد خطأ استخباري!، دون أن يعيروا بالاً لدماء الشعب العراقي التي سالت بسبب ذلك الخطأ، وبلغت حتى الآن أكثر من مليون قتيل، لأن كل ما يهمهم من العملية وضع أيديهم على مقدرات المنطقة العربية وثرواتها، كون الله حسب زعمهم قد جعل هذه الثروات في بلاد العرب عن طريق الخطأ!، وأعطاها لشعوب حمقى ومغفلة لا تستحقها لكونها تصرفها بسفه، وتكرس ذلك في أذهان الأمم الغربية بواسطة أفلام هوليود وغيرها من مؤسسات الدعاية الغربية، مستعينة بالسلوكيات العبثية للنافذين العرب المقربين من الدكتاتوريات الحاكمة في الوطن العربي.
المهم في الأمر أن الأنظمة العربية الحاكمة لم تستطع أن تستوعب درس سقوط صدام حسين بصورة صحيحة، بحيث تحتمي بشعوبها بعد أن تقدم لها الحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية وسبل الحياة الآمنة والكريمة، وبدلاً عن ذلك فقد فظلت السير في الاتجاه الخاطئ، فارتمت في أحضان الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وجعلت من البيت الأبيض قبلة لها بدلاً عن المسجد الحرام، وصار السفراء الأمريكيين في دول العرب مندوبين ساميين غير معلنين.
وكان نتيجة ذلك كله ابتزاز البلدان الغربية للأنظمة العربية باتفاقيات علنية وسرية ارتهنت بلدانها لهم، مقابل ثمن حقير تمثل بالسكوت عن فسادهم واستبدادهم، والتغاضي عن توريثهم الحكم وانتخاباتهم العبثية والمزيفة التي تتم هنا أو هناك، ما أدى إلى انعدام خطط الاستراجيات المستقبلية لدى البلدان العربية، في الوقت الذي انتظمت فيه استراتيجيات الشعوب من حولهم، مثل الصين والهند وتركيا وإيران والنمور الأسيوية، بينما اقتصرت استراتيجية الدولة المصرية مثلاً – وهي أكبر وأهم دولة عربية – على حراسة بوابة رفح وتوفير المبررات للكيان الصهيوني لضرب المقاومة الفلسطينية، مقابل سكوتهم عن توريث الفرعون المخلوع الحكم لإبنه المدلل.
وبذلك تكون الدول الغربية قد شاركت الأنظمة العربية استحمارها لشعوب أمة العرب، وفق مبدءها الانتهازي المعروف الذي يحكم علاقاتها الخارجية ومفاده: لا يوجد لدينا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة ولكن مصالح دائمة، ولا نكون مبالغين إذا ما أضفنا بأن الدول الغربية تضحي بكل القيم الأخلاقية في سبيل تحقيق هذا المبدأ. وهو ما جعل الشارع العربي يصل إلى مرحلة الانفجار، بعد أن تكالبت عليه قوى الشر والنهب، متمثلة بحكامه ومن ورائهم أنظمة الحكم الرأسمالية في الدول الغربية، التي لا تؤمن بالديمقراطية لشعوب العرب والمسلمين، لكونها تتعامل معهم وكأنهم ليسوا بشر! حسبما أتحفتنا بذلك بعض تصريحاتهم وهم يتحدثون عن العرب ومعتقليهم في جوانتناموا.
الآن وبعد أن تحرك مارد الشعوب العربية وصحا من غفوته الطويلة، وأدرك أن تغيير أوضاعه المتردية والدفع بها نحو الأفضل هو أمر بيده وحده، وليس في أي يد أخرى سواء كانت داخلية أو خارجية، وبدأ يفجر ثوراته الشعبية العارمة من أجل اقتلاع أنظمة العمالة والفساد، رأينا الدول الغربية - في محاولة منها لاحتواء هذه الثورات- تحاول أن تمسك العصا من المنتصف؛ فهي إذ تمد أنظمة الحكم العربية المتهاوية بالخبرات والمعلومات الاستخبارية وأدوات القمع الفتاكة بطريقة سرية، نجدها تعمل في العلن على مغازلة الشعوب الثائرة وتظهر لها تأيدها، في محاولة ساذجة وانتهازية غرضها المحافظة على مصالحها عند انتصار هذه الثورات، وهي تعلم أنها لامحالة منتصرة، فعجلة التغيير العربية قد تحركت ولم يعد بإمكان أحد إيقافها، ما دامت الشعوب العربية قد نزعت الخوف من قلوبها وعرفت طريقها إلى الميادين العامة.
ويبقى على الشعوب العربية أن تعرَفهم أنها قد استوعبت جيداً درس الذل والاستعباد الذي فرض عليها، ولن تسمح لأحد بعد الآن كائناً من كان أن يستحمرها ويستغفلها، ولتحرص كل الحرص على أن تتولد عن ثوراتها أنظمة حكم رشيدة وعادلة، تتبنى قضايا شعوبها وأمتها، وتنطلق بأوطانها صوب بناء استراتيجيات مستقبلية تحقق لها الحرية والنهوض المتساوي مع أمم الأرض الأخرى، في إطار وحدة الوطن العربي، التي يجب أن تصبح في مقدمة أهداف الدول العربية في ظل أنظمة حكمها الجديدة، بعد أن أثبتت ثورات التغيير تجذر الإحساس العميق لدى شعوب أمة العرب بمقومات الوحدة التي تجمعهم، رغم عمل الأنظمة العميلة على طمسها والقضاء عليها بشتى الصور، كان من أقذرها عملها الدؤوب على طمس اللغة العربية وتحقير شأنها، لكونها تمثل هوية هذه الأمة ووسيلتها في التواصل، حيث وجدنا الكثير من حكومات العرب العميلة تستبدلها باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوربية، بدعوى مسايرة الحداثة والتقدم!، حتى أن بعض الدول الخليجية قد جعلتها لغة التعليم والإدارة بصورة شبه كاملة!، بحيث ستصحوا شعوبها بعد مدة ليست طويلة وهي لم تعد تملك من عروبتها إلا بعض تراث مدون بلغة لم يعد يفهمها أحد من مواطني تلك الدول!.. لكن هيهات فالشعوب العربية قد استيقظت وعرفت طريقها الصحيح.
*أستاذ التاريخ والعلاقات السياسية جامعة صنعاء