يا لها من دعوة رائعة، تلك التي دعا إليها وزير الخارجية الأميركي ونظيره البريطاني، بالمطالبة بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في اليمن. الخبر الجيد أنه لا يوجد عاقل يرحب باستمرار هذه الحرب، أما الخبر السيئ فمن المستبعد الجزم بأن مثل هذه الهدنة تكفي لوقف الحرب وإرساء سلام دائم، فكل التجارب مع الهدن السابقة أثبتت أن الانقلابيين يوافقون عليها ثم يخترقونها، وفي النهاية لا يلتزمون بها، ومن ثم لا يتوقع منهم المساهمة في تحقيق السلام الذي يتطلع إليه الشعب اليمني وينشده المجتمع الدولي، وفق القرارات الدولية وأهمها القرار 2216 ،لذلك لن تكون مفاجأة أن يكون مصير هذه الهدنة، في حال أقرت، مصير سابقاتها، ولعل إحداها أعلنها الوزير جون كيري بنفسه في جدة في مايو (أيار) من العام الماضي.
في حال أقرت هذه الهدنة ستكون الخامسة؛ الأولى كانت في مايو 2015 ،والثانية في يوليو (تموز) من العام نفسه وكلتاهما أعلنتها الأمم المتحدة، وكانت الثالثة في 25 يوليو وأعلن عنها التحالف العربي، أما الرابعة فكانت في أبريل (نيسان) الماضي وأيًضا أعلنت عنها الأمم المتحدة إبان مباحثات الكويت، الرابط بينها جميعًا أنها شهدت ترحيبًا والتزاًما من التحالف، مقابل انتهاكات صارخة من قبل الانقلابيين.
يمكن القول إن اعتبار واشنطن ولندن مثل هذه الهدن غاية في حد ذاتها دون الضغط باتجاه عودة الانقلابيين للمفاوضات السياسية يفرغها من محتواها، ولن تؤدي الغرض الذي فرضت من أجله، وستنتهي الهدنة كما بدأت؛ ليست أكثر من علاج مسكن ينتهي مفعوله بأول انتهاك يقوم به الانقلابيون.
مخطئ من يظن أن التحالف العربي بقيادة السعودية لا يسعى لإيقاف الحرب اليوم قبل غد، والدليل ترحيب التحالف والتزامه دائًما بأي هدنة مشروطة كانت أو غير مشروطة، كل القصة أن هناك طرفًا يتعامل بعقلية الميليشيات ولم يتعامل يوًما بعقلية الدول، وهو ما تؤكده الأفعال وليس الأقوال. الطرف الانقلابي (الحوثي وصالح) يذهب باتجاه التصعيد واستمرار العمليات العسكرية وليس توقفها.
الدعوة لهدنة من الممكن أن تنهي مثل هذه الحرب وسيلة وقتية تستخدمها الخارجية الأميركية أو البريطانية للاستفادة منها على مستوى الرأي العام الداخلي والإيهام بأنهم قاموا بمبادرة إيجابية، بينما الحقيقة تؤكد أن هناك من يصر على عدم الامتثال للقرارات الدولية ومن صالحه استمرار الحرب.
عشرات المواقف تؤكد أن الانقلابيين ومن خلفهم إيران ليس من صالحهم إيقافها، إذ يكفي النظر للتطور الخطير مؤخًرا عبر استهداف المدمرة الأميركية ماسون في البحر الأحمر، والتي قال عنها السيناتور الجمهوري، جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، «إن النظام الإيراني هو من وفر، على الأرجح، الصواريخ لميليشيات الحوثي لمهاجمتها»، وهذا ليس إلا حلقة واحدة في مسلسل تداعيات التصعيد الانقلابي والذي ينتقل من الحدود السعودية إلى المياه الدولية في باب المندب، مما يشير إلى مدى الاستخفاف والاستهتار بزعزعة استقرار المنطقة والملاحة الدولية، ومواصلة إيران لاستراتيجيتها الرامية لعدم انطفاء فتيل الحرب.
أهلا بالهدنة في اليمن، والسعودية قادرة على احترامها وفي الوقت نفسه الدفاع عن حدودها من الهجمات الحوثية العبثية، وبالتأكيد لن يستطيع أحد لومها، لكن هل المجتمع الدولي، فيما لو توقفت الحرب دون الوصول إلى تسوية سياسية، قادر على تبعات استمرار عبث الانقلابيين بالأمن الإقليمي؟!