يستحق الشعـــب اليمني أن يعيــــش حياته من دون صــــراع. ومحـــنة اليمنييـــن شديدة البأس، حيث يواجهون واحداً مــــن أسوأ الأوضاع الإنسانية في العالم. وملايــــين منهم يعانـــون من نقـــص شديد في الغذاء، وأجبروا علـــى النزوح عن بيوتهم، بينـــما لحقت أضرار شديدة بالخدمـــات الأساسية. ويتفاقم هذا البــــؤس بفعل الانهيار الاقتصــــادي في البلاد. فقد انكمش الاقتصاد اليمني أكثر من أي اقتصـــاد غيره العام الماضي، بينما العملـــة اليمنيـــة تفقد قيمتها باطراد. ويواجه المواطنون اليمنيون ارتفاعاً بالأسعار ورفوفاً خالية من المنتجات، حيث يعتمد اليمن على استيراد 90 في المئة من القمح والرز في وقت تزداد فيه صعوبة سداد قيمة هذه المنتجات أكثر من أي وقت مضى.
لإنهاء الأزمة الحالية وتأمين مستقبل سلمي لليمن، لا بد لأطراف الصراع من التوصل الى حل سياسي دائم. والمشاركون حالياً بالمفاوضات في الكويت أمامهم أفضل فرصة لتحقيق ذلك لشعبهم.
محادثات السلام، بطبيعتها، مملوءة بالكثير من التحديات. وقد أثبطت عزيمتي بعض التقارير السلبية وغير الدقيقــــة حـــول المفاوضات. فالإشاعات والتخمينات لا تساعد نهائياً، بل تعكس عدم احترام لعملية المفاوضات هذه التي تــرعاها الأمم المتحدة، وعــــدم احترام للشعب اليمني. نعلم جميعنا أن المفــــاوضات لن تكون سريعة أو يسيرة. لكن يجب عدم الخلط بيـــن بطء التقدم الحاصل في هذه المفاوضات وعدم إحراز تقدم. فما زال الهدف هو التوصل الى نتائج صائبة وتأميــــن سلام دائم لجميع اليمنيين. والجهود الهائلة التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، اسماعــــيل ولد الشيخ أحمد، للجمع بين الأطراف المتنازعة قد حظيت، بكل حق، بإشادة من المجتمع الدولي، والمملكة المتحدة تدعم الجهود الممتازة التي يبذلها.
وقــد شهدنا في الشهر الماضي بعض التطـــورات المشجعــــة، كوقف القتال فـــي أنحاء اليمــــن. وعلــــى رغم وقوع بعض الانتهـــاكات علــــى الأرض، التي أبدى التحالف ضبط النفس في رده عليهـــا، طرأ انخفـــاض حاد بمستويات العنف مقارنة بما شهدناه قــــبل نيسان (أبريل) الماضي. علينا ألا نسمح لمن يفضلون العنف والحـــرب بالانتصار على حساب من يفضلون السلام والحوار. وحين تطرأ أحداث تبدو مستعصية، من الضرورة بمكان ألا يُسمح لها بإخراج المفـــاوضات عن مسارها. بل يجب على الأطراف العمل من خلال آليـــات الأمم المتحدة، مثل لجنة التنسيق وتخفيف التصعيد واللجان المحلية، لمواجهة انتهـــاكات مزعومة لوقف القتـــال. فمــن شأن ذلك أن يساعد في تخفيف التوترات، وضمان عدم السماح بضـــياع ما تحقق من تقدم بفعل كل هذه الجهود المضنية.
علينا الترحيب بهذا التقدم الحاصل، وأن نمنح المشاركين حول طاولة المفاوضات الدعم والوقت لتحقيق مزيد من التقدم الحقيقي في هذه المفاوضات المعقدة. كما إن علينا أن نكون مستعدين لما قد ينشأ من اختلافات بينهم خلال هذه العملية، وأن نضاعف جهودنا لتسويتها. ومهما بلغت صعوبة المفاوضات، أحض الأطراف كافة على مواصلة اجتماعاتهم حول طاولة المفاوضات، والتواصل في شكل بنّاء وبصفاء نية، والوفاء بمسؤوليتهم تجاه المواطنين اليمنيين.
والمملكة المتحدة ملتزمة مساندة الشعب اليمني وفرصته بأن يكون له مستقبل سلمي. فنحن رابع أكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية لليمن، وقد زدنا مخصصاتنا في السنة الماضية إلى أكثر من الضعف لتصل إلى 85 مليون جنيه استرليني. لكن لن يكفي أي قدر من المساعدات إن لم تصل إلى المحتاجين إليها. وبالتالي على جميع الأطراف بذل كل ما باستطاعتهم للسماح بدخول ووصول المساعدات إلى أنحاء البلاد، وتسهيل دخولها بسرعة وأمان ومن دون أي عراقيل.
ليـــس هنــــاك وقت أفضل من الآن، مع اقتراب حلول شهــــر رمضان الفضـــيل، لإحراز تقدم. وعبء المسؤولية بكل ثقلها يجب أن يقع على عاتق من يمسكون بزمام مستقــــبل اليمــــن بأيديهم. إن جَسر الاختلافات المتبقية لن يكون سهلاً، لكنه السبيل الوحيد للتوصل إلى حل دائم.
* وزير الخارجية البريطاني