حقيقة الانتساب إلى آل البيت
لاشك أن الانتساب إلى سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أشرف الأنساب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر"، وقال أيضًا: "فأنا خيار من خيار من خيار"، وآل بيته هم أهله وقرابته الأخيار، وقد قُرنت الصلاة على النبي بالصلاة على آله، فنقول: "اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد" غير أن دين الإسلام نهى المسلمين عن التفاخر بالأنساب، وجعل التقوى هي المعيار الذي يتفاضل به المسلمون "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وعلى هذا الأساس ساوى الإسلام بين جميع أتباعه ومحا النتوءات التي كانت تبرز بسبب العرق والجنس واللون وفي خطبة الوداع، قال صلى الله عليه وسلم: "إن نبيكم واحد وإن أباكم واحد وإنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ألا هل بلغت"، ونحن في هذا الإطار نحب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونعتبر حبه من الدين، ونحب آل بيته، ونعتبر حبهم من الدين، ونحب المهاجرين والأنصار وجميع الصحابة ونترضى عليهم، ونعتبر ذلك من الدين لا لأنسابهم، ولكن لتقواهم ولثناء الله عليهم ولقربهم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نحبهم - جميعًا - بما فيهم صهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي القائل: "أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم"، هذه المعاني العظيمة والقيم السامية التي جاء بها الإسلام وغرس مفاهيمها النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعمل على رعايتها، وتعهدها بالتقويم والتوجيه المستمر وخاصة بين آل بيته حتى لا يركنوا إلى نسبهم وقربهم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنراه تارة ينادي: "يا فاطمة بنت محمد اعملي ما شئتِ فإني لا أغني عنك من الله شيئًا"، وتارة أخرى يقول: "سلمان منا آل البيت"، كل ذلك ليؤصل في نفوس الجميع مبدأ الإنسانية الواحدة والمساواة بين جميع الأجناس مهما اختلفت أشكالهم وألوانهم ومبدأ العمل الصالح الذي يتميز به الخلائق بين يديّ ربهم يوم القيامة.
وآل البيت الحقيقيون هم أكثر من وعى تلك المبادئ والقيم، قيم الإنسانية والمساواة والعمل الصالح، وتمثلها واقعًا في حياتهم، فهذا زين العابدين بن علي يتعلق بأستار الكعبة ويتضرع إلى الله ويبتهل ويبكي حتى يخر مغشيًّا عليه، فيقول له الأصمعي: ما هذا البكاء والجزع وأنت من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، أليس الله تعالى يقول: "إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا" فقال: "هيهات هيهات يا أصمعي إن الله خلق الجنة لمن أطاعه، ولو كان عبدًا حبشيًّا، وخلق النار لمن عصاه ولو كان حرًّا قرشيًّا"، أليس الله تعالى يقول: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون"، أولئك هم آل البيت الحقيقيون، وذاك هو فهمهم للانتساب لآل البيت، فهما كان نابعًا من شعورهم بالمساواة مع بني الإنسانية جمعاء دون افتخار أو استعلاء أو تمييز.